آخر الأخبار
الرئيسية » كتاب وآراء » تحطيم العالم لا إدارة العالم

تحطيم العالم لا إدارة العالم

 

نبيه البرجي

 

في مذكرات أندريه غروميكو، وزير الخارجية السوفيتي لعدة عقود، “مشكلتنا مع الولايات المتحدة ليست فقط في اصرارها على التفرد بادارة العالم، وانما باصرارها على التفرد بادارة التاريخ”، تاركاً للكاتب الساخر هنري ميشو أن يلاحظ تقلبات التاريخ، “حيناً نراه يضع يده بيد الله، وحيناً نراه يضع يده بيد الشيطان . ولطالما حاول الافلات ان من قبضة الله أو من قبضة الشيطان” … !

 

بدل ادارة العالم وادارة التاريخ، تحطيم العالم وتحطيم التاريخ . للمثال، أخفقت في الهند الصينية حين حاولت الامساك بكل أبواب الباسيفيك، وأخفقت في أفغانستان حين حاولت انتزاع كل مفاتيح الشرق الأوسط الكبير، وحين ضاعت في بلاد الرافدين أمام رجل خارج للتو من كهوف تورا بورا، ويدعى … أبو مصعب الزرقاوي .

 

 

نستذكر ليلة الشامبانيا، أو ليلة السكاكين الطويلة في البيت الأبيض، حين احتفل الرئيس جورج بوش الأب بغروب الأمبراطورية السوفياتية . آنذاك أعلن قيام النظام العالمي الجديد . هكذا دون اعادة هيكلة لا المنظمات الدولية ولا العلاقات الدولية، ما حمل زبغنيو بريجنسكي على التعقيب “… بل انها الفوضى العالمية الجديدة أيها السيد الرئيس”.

لا نتصور أن البشرية شهدت هذا النوع من الفوضى ومن الضبابية، منذ أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها . لطالما استعدنا الأسطورة الأوروبية التي تقول ان الكرة الأرضية تقف على قرن ثور . هنا الثور الأميركي في ذروة هياجه . الشرق الأوسط هو الضحية، وكان أرض الأنبياء (لكأنهم أحدثوا كل تلك الصراعات)، وأرض الحضارات التي تحوّلت الى عبء هائل على الورثة .

البداية مع قيام “اسرائيل”، ليعقب ذلك “مبدأ ايزنهاور” (1957) لملء الفراغ في المنطقة، وتحت ذريعة أنها من الهشاشة الايديولوجية والتاريخية، بحيث تقع بين براثن الشيوعية . ما حدث أن الأميركيين أوقفوا الزمن على امتداد القارة العربية، لتبدو ادارة المجتمعات كما ادارة قطعان الماعز …

 

الأميركيون هم من أطلقوا العنان لـ “الاسرائيليين” ليكونوا سيوفهم في المنطقة، منذ أن بعث هاري ترومان بطائراته لضرب الجيش المصري في النقب . كل الرؤساء الأميركيين تحولوا الى أحصنة عرجاء، بامرة ذلك الحوذي الآتي من ليل الايديولوجيات ومن ليل الأزمنة . لنلاحظ كيف يتعامل بنيامين نتنياهو مع جو بايدن، الذي لا يتجرأ أن يقفل الباب في وجهه (اقفال الهاتف في وجهه بطولة).

بالمطرقة الأميركية حطمت “اسرائيل” العرب . ساعة تشاء تضرب دمشق، وحيث صلاح الدين الأيوبي ومحيي الدين بن عربي، وحيث يوسف العظمة ونزار قباني . لا أحد يرفع الصوت في وجه حملة المناجل . الدب الروسي (الدب النووي) يغمض عينيه وهو يرى كيف تنهال الصواريخ على رؤوس السوريين، الذين ذاقوا كل مرارات الحروب الكونية عليهم .

بكل معنى الكلمة، السوريون، بكل ذلك الألق التاريخي حطام. اللبنانيون، بكل ذلك الزهو الابداعي حطام . كل العرب، بذلك التراث الحضاري حطام. حاولوا مرة واحدة أن تحصوا عدد المآذن التي ترتفع (وأين المداخن التي ترتفع؟). المآذن التي يفترض أن تدق باب الله، جعلوها تدق على أبواب “يهوذا” (يهوذا الاسرائيلي). مثلما التوراة اخترقت ايديولوجياً عقول الأميركيين، ها هي تخترق عسكرياً قبور العرب وعظام العرب.

 

لا مجال للرهان على يقظة الحطام . الفقهاء يعدوننا بيوم القيامة على أنه يوم الخلاص، كما لو أننا على هذه الأرض لا لنكون عشاق الحياة بل عشاق العدم .

انه جون فوستر دالاس، الذي استحضر بعض المستشرقين لتسويق ذلك الاسلام الذي لا يمت الى الاسلام بصلة. الاسلام التوراتي، كما قيل لنا في الأزهر، الذي بدل أن يقودنا الى الله يقودنا الى الاله الأميركي؟ حدقوا مليّاً في المشهد، ومنذ أن وطأ الأميركون أرضنا وظهورنا حتى اللحظة.

كل تلك الآلاف من الفلسطينيين ومن اللبنانيين ومن السوريين، الذين يواجهون البربرية، هل يمكن أن توظف دماؤهم الرائعة لبناء شكل آخر للحياة؟

ماذا تغيّر، وماذا يمكن أن يتغيّر على مستوى القمة، وحيث الأصوات أقرب ما تكون الى ثغاء الماعز، الذي مثلما لا يكترث له البيت الأبيض، لا يكترث له الله.

 

من فضلكم توقفوا عن الموت…

(سيرياهوم نيوز ١-الديار)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

تحولاتٌ استراتيجيةٌ في الأفق

    كتب د.مختار   يمكنُ للمتابعِ بسهولةٍ أن يلحظَ حصولَ تحولين استراتيجيين فرضَتهما الحر.ب على غ.زَّ.ة. الأولُ تخبّطٌ غيرُ مسبوقٍ لدى قادةِ الك.يانِ، والثاني ...