نزار نمر
على رغم أنّ الأداء الإعلامي «متوازن» حتى الآن، إلا أنّ أصواتاً نشازاً خرجت في الأيام الأخيرة لتمارس التخويف والتهويل على اللبنانيين، مبرزةً أرقام تضحيات المقاومة في مقابل تجاهل الخسائر الإسرائيلية. آخر المحاولات استمارة وزّعها الإعلام المموّل غربيّاً، الذي يتوهّم بأنّه «سرّة» الكرة الأرضية!
مع انقضاء نحو ثلاثة أسابيع على «طوفان الأقصى» والعدوان الصهيوني على غزّة والأحداث المتعلّقة بهما، لا يزال الإعلام اللبناني يتفاعل معها بالوتيرة نفسها، بل يمكن القول إنّه استغلّ التجربة للتعلّم وتحسين أدائه. باتت بعض القنوات وصفحات الإعلام الجديد المموّلة غربيّاً، لا يتوانى عن انتقاد دول الغرب واتّهام مسؤوليه بالنفاق وبالمشاركة في جرائم الاحتلال. رغم ما سبق، تخرج أصوات شاذّة من بعض القنوات المهيمنة والصفحات المموّلة غربيّاً، وتشارك، من حيث تدري أو لا تدري، في الحرب النفسية على اللبنانيّين. هذه الأصوات لا تنحصر بالإعلام. بعضها خرج أوّلاً من سياسيّين ومتعاطين في الشأن العامّ، مثل الأحزاب اليمينية والمجموعات الليبرالية وبعض الوزراء، و«شركة طيران الشرق الأوسط» التي يتصرّف رئيسها كأنّه في إمارة معزولة تخصّه وحده، والوزير السابق محمّد شقير الذي حذّر من كارثة اقتصادية، وآخرون قرّروا من تلقاء أنفسهم، كتابة استمارة إلكترونية وتوزيعها رفضاً للحرب التي «يفرضها حزب الله» برأيهم، في حين أنّه من المعروف أنّ العدوّ هو الذي يفرض الحرب، فيما المقاومة تردعه، هو العدو نفسه الذي لا يكترث لمنظّمات دولية بأسرها بما فيها «الأمم المتّحدة»، بل يقتل ويطرد طواقمها، فما بالك باستمارة إلكترونية!
هكذا، يمعن بعض الإعلام المذكور في استغلال وقائع الحرب على غزّة والضفة الغربية من أجل التهويل على اللبنانيّين وتضخيم ما يحصل في الجنوب اللبناني، في مقابل تجاهلٍ شبه تامّ لما يحدث على الطرف المقابل من الشريط الحدودي. هناك باتت مستوطنات كثيرة شمالي الأراضي المحتلّة خالية تماماً من المستوطنين. إلا أنّ ما يقوم به بعض الإعلام يمكن تفسيره بأنّه محاولة لإحباط اللبنانيّين وتحطيم معنويّاتهم لأهداف لا تخدم ــــ أوّلاً وأخيراً ـــــ سوى العدوّ، ولو عن غير قصد.
تجلّيات ما سبق يمكن ملاحظتُها عندما تركّز قنوات أخبار معينة، الخسائر التي تتكبّدها المقاومة الإسلامية وشهداؤها. في المقابل، فإنّها بالكاد تذكر خسائر العدوّ من جنود وآليّات، وإن فعلت، فتورد عدد القتلى من دون عدد الجرحى مثلاً، إذ إنّ احتساب الجرحى يعني رقم خسائر أكبر. على سبيل المثال أيضاً، تغاضت LBCI عن عدد المستوطنين الكبير ممّن نزحوا جنوباً داخل الأراضي المحتلّة في يوم واحد، لكنّها ذكرت عدد مَن نزحوا في اليوم التالي وكان أقلّ، وقارنت ذلك بعدد مَن نزحوا من الجنوب اللبناني منذ بدء الاشتباكات. لم تذكر المحطة مثلاً أنّ المقارنة جرت بين يوم من جهة وأيّام عدّة من جهة أخرى، ولا الأرقام التي تغاضت عنها في اليوم السابق، وفوق ذلك ضخّمت رقم الجنوبيّين النازحين!
كذلك، تعرّضت القناة إلى انتقادات واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، مجدّداً. بعد نشرها تقريراً في السابق عن كون «أشجار الموز غطاءً لصواريخ» المقاومة وتعرّضها للانتقادات بسببه، نشرت على صفحاتها الافتراضية مساء الثلاثاء رسالة ألقاها مراسلها إدمون ساسين من الجنوب مباشرةً خلال نشرة أخبارها، واضعةً العنوان التالي لها: «هجوم لحزب الله عصراً وردّ إسرائيلي يطال عيتا الشعب… ما هي التفاصيل؟». العنوان هذا كان كفيلاً بإغضاب كثر ممّن عبّروا عن امتعاضهم من العناوين التي تضعها LBCI بالصيغة نفسها دائماً (أي إنّ المقاومة تقصف و«إسرائيل» تردّ)، مذكّرين بأنّ المهاجم هو العدوّ الإسرائيلي وما تقوم به المقاومة إنّما هو دفاع يتجلّى في كونها «مقاومة» لاحتلال.
تشارك mtv في حملة التهويل وتخويف اللبنانيّين
تجدر الإشارة إلى أنّه في المقطع المنشور، يظهر مذيع القناة يزبك وهبة قبل ترحيبه بالمراسل، بحيث يُشير إلى الحدود بأنّها «الحدود اللبنانية – الإسرائيلية»، لا الفلسطينية. أكثر من ذلك، نقلت lbci أمس على منصاتها على السوشال ميديا خبراً مفاده «نقل قتيلين و5 جرحى من خراج بلدة يارون إلى مستشفى في بنت جبيل»، قبل أن تحذفه وتعيد نشر الخبر بصيغته الجديدة: «نقل شهيدين و5 جرحى من خراج بلدة يارون إلى مستشفى بنت جبيل» بعد حملات الناشطين على السوشال ميديا. على المنوال نفسه، تسير mtv، لكن بنبرة أكثر حدّة. على رغم تبنّيها بعض العبارات مثل «العدوّ» و«الاحتلال» و«الأراضي المحتلّة» و«المقاومة» و«الشهادة»، ولا سيّما في ما يخصّ غزّة، إلّا أنّها في المقابل تشارك في حملة التهويل وتخويف اللبنانيّين. فقد نشرت صفحة «وقائع» رسماً تجمع فيه عدداً من منشورات القناة التي تثبت ذلك، وبعضها بعيد عن الواقع حتّى. في ما يلي بعضاً ممّا نشرته mtv: «بالأرقام: هلع تخزين السلع الأساسية يزداد» و«تحذير أميركي: التهديد للبنان 10 أضعاف حرب 2006» و«قلق من حرب تعرقل الإمدادات… فتنقطع السلع وتزيد الأسعار» و«مطار بيروت هدفٌ متجدّد… كم مرّة؟». من جهتها، ذهبت صحيفة «النهار» إلى نشر مقطع مع عنوان يسأل «حرب عالمية ثالثة قريباً؟».
بدلاً من أن يكون الإعلام اللبناني جبهة موحّدة لتشكيل قوّة حرب نفسية على العدوّ ودوائر صنع القرار فيه (لن نتحدّث عن انصياع إعلام العدو بالكامل لتعليماته)، وهو من أفضل ما يمكن أن يسهم فيه دفاعاً عن اللبنانيّين والفلسطينيّين والعالم بأسره، قدَرنا أن نُترك فريسة أصوات تقسيمية وحرب نفسية من بعض الإعلام المحلّي على شعبه!
سيرياهوم نيوز1-الاخبار اللبنانية