يبدو أن قراءةً واحدةً لِمُجمل ما قدّمه المفكر الهندي “رابندرانات طاغور” في مشواره الغني غير كافية، ففي كل مرة يعود فيها الحديث عن الشاعر المُجدد والروائي والرسام، نجد أنفسنا أمام إبداعٍ لا يُختَلف عليه، ليس فقط من ناحية تعدد الإنتاج وغزارته، عبر ثلاثمئة كتاب، إنما لإيمانه أيضاً بأهمية الاشتغال على الإنسان نفسه، مبادئه وأفكاره ونظرته إلى الآخر المُختلف، فَعَلا صوته غير مُبالٍ بردود الأفعال، وكأنّ نبوءة والده الذي اختار له اسماً يعني بالسنسكريتية الشمس، لاعتقاده بأنّ نوره سيعم على شعبه، قد تحققت.
لم يتردد طاغور في إعلان معارضته للعديد من أفكار الزعيم الروحي للهند “غاندي” ونبذه للتعصب الهندوسي
في روايته “قُلوب ضالّة”..
يعود طاغور إلى ولاية “كلكتا” مسقط رأسه، حيث كان يُفترض أن يجتاز بطل حكايته امتحان القانون، ليرجع إلى بيته هناك، لكن أحداثاً غير متوقعة ستغيّر مجرى حياته، فالرواية حقيقة عالمٌ صغير، تقع فيه أغرب المواقف وأكثرها تعقيداً، إذ تُرتب عائلة الشاب لزواجه من فتاة لا يعرفها، وقبل أن يُتاح له رؤية وجهها في ليلة الزفاف، تشاء الأقدار أن يفقدها في النهر، ليستيقظ ويجد نفسه بجانب فتاة ألقتها العاصفة إلى جانبه على الضفة، ولا يدري هل هي عروسه أم غيرها! كما تأخذنا الرواية إلى عوالم النساء الهنديات، كطقوس العناية بالمنزل وإعداد الطعام والتزين عبر الشابتين “همنالينى” و”كمالا”.
في عامه الثامن والخمسين.. أحبّ طاغور الرسم وأنتج آلاف اللوحات
تعكس “قُلوب ضالّة” أفكار طاغور حقيقةً، الذي مرّت منذ أيام ذكرى رحيله عام 1941، فهو يرفض كثيراً من العادات والتقاليد التي تحكم الحياة في الهند، وتضفي طابع التقديس المبالغ فيه للعديد من جوانبها، كإجبار الأبناء على الزواج ممن تختارهم العائلة، وحالات العبودية الغريبة التي تعيشها الزوجات والفتيات تحت ظل الآباء والأزواج في عدة مناطق، كما لم يتردد في إعلان معارضته للعديد من أفكار الزعيم الروحي للهند “غاندي”، والأهم نبذه للتعصب الهندوسي، رغم ما جره عليه ذلك من غضب الأهل والأقرباء..
يقول طاغور في الرواية: “يُخجلني أن أنتمي إلى طائفة كل أهلها أساتذة، وليس بينهم تلاميذ!”، ويقول أيضاً: “إذا استوى الكسب والخسارة لدى المرء، فهذا هو الكسب الحق”، “ليس مثل البلاغة في الحديث شيءٌ يفتن النساء، يا للمسكينات، إنهن لا يدركن أن الزوج الذي يُجيد الإصغاء خيرٌ ممن يُجيد الكلام”.
رفض طاغور حالات العبودية الغريبة التي تعيشها الزوجات والفتيات تحت ظل الآباء والأزواج في عدة مناطق
قدّم طاغور للتراث الإنساني أكثر من ألف قصيدة شعرية، والعديد من المسرحيات والروايات، إضافة إلى كتابات في الفلسفة والدين والتربية والسياسة، وفي عامه الثامن والخمسين، أحبّ الرسم وأنتج آلاف اللوحات، كما كتب ولحّن أكثر من ألفي أغنية، أصبحت اثنتان منها النشيد الوطني للهند وبنغلاديش. يقول في النشيد الوطني الهندي:
أنت أيها الفن، يا حاكم عقول الناس، أنت يا صانع مصير الهند، يصّلون من أجل بَركاتك، يغنون مديحاً لك، إنقاذ جميع الناس ينتظر يَدَك، أنتَ يا صانع مصير الهند.
سيرياهوم نيوز 2_تشرين