تحقيق أجرته صحيفة “الغارديان” البريطانية يكشف أنّ الاحتلال الإسرائيلي استخدم أسلحة أميركية لاستهداف مقرّ الصحافيين في حاصبيا جنوبي لبنان في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، وينقل مجريات العدوان وشهادات صحافيين كانوا في المكان المستهدف.
أكّد تحقيق أجرته صحيفة “الغارديان” البريطانية أنّ “إسرائيل استخدمت ذخيرة أميركية لاستهداف وقتل 3 صحافيين وإصابة 3 آخرين في هجوم وقع في 25 تشرين الأول/أكتوبر الفائت في جنوب لبنان، والذي وصفه خبراء قانونيون بأنّه جريمة حرب محتملة”.
ففي 25 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، أطلقت طائرة إسرائيلية، عند الساعة الـ3.19 صباحاً، قنبلتين على شاليه في حاصبيا جنوبي لبنان، يستضيف 3 صحافيين، الزميلين في قناة الميادين المصور غسان نجار، والفني محمد رضا، بالإضافة إلى الزميل المصور وسام قاسم من قناة المنار.
وقالت الصحيفة إنّ “الثلاثة قتلوا في أثناء نومهم في الهجوم، الذي أدّى أيضاً إلى إصابة ثلاثة صحافيين آخرين من وسائل إعلام مختلفة كانوا يقيمون في مكان قريب”، مشددةً على عدم وجود قتال في المنطقة قبل الغارة أو أثناءها.
“إسرائيل” تعمّدت استهداف مقر الصحافيين بأسلحة أميركية
وزارت صحيفة “الغارديان” الموقع، وأجرت مقابلات مع مالك العقار والصحافيين الذين كانوا موجودين وقت الهجوم، وحلّلت الشظايا التي تم العثور عليها في الموقع الهجوم، محددةً مواقع معدات المراقبة الإسرائيلية جغرافياً في نطاق مواقع الصحافيين.
وكشفت بقايا الذخائر التي عُثر عليها في الموقع أنّ واحدة على الأقل من الأسلحة كانت عبارة عن قنبلة من سلسلة “MK-80″، تزن 500 رطل موجهة بواسطة “JDAM” أميركية الصنع، وهي مجموعة تعمل على تحويل القنابل الغبية الكبيرة إلى أسلحة موجهة بدقة.
وعُثر أيضاً على قطعة من زعنفة الذيل للطائرة “Jdam” من إنتاج شركة “بوينغ”، بالإضافة إلى جزء من قسم التحكم الداخلي الذي يقوم بتحريك الزعنفة. وقد كشف رمز القفص الموجود على بقايا قسم التحكم أنّه تم إنتاجه بواسطة شركة “Woodward”، وهي شركة طيران مقرها كولورادو، فيما “لم تستجب بوينغ ولا وودوارد لطلبات التعليق”.
وجرى التحقق من الشظايا بواسطة “تريفور بول”، وهو متخصص سابق في إبطال مفعول القنابل في الجيش الأميركي، وخبير أسلحة ثاني في مؤسسة “أوميغا” للأبحاث، وخبير أسلحة ثالث لم يكن مخولاً بالتحدث إلى وسائل الإعلام.
وبناءً على هذه الوقائع، شدّد تحقيق “الغارديان” على أنّ “استخدام قنبلة واحدة على الأقل دقيقة التوجيه يعني أنّ الجيش الإسرائيلي اختار الشاليه الذي يأوي الصحافيين الثلاثة كهدف قبل الغارة”.
وأشار إلى أنّ “وجود طائرات من دون طيار وأبراج مراقبة تطل على مجموعة الصحافيين الذين يحملون علامات واضحة خلال الأيام الـ23 السابقة يجعل من المحتمل أن تكون القوات الإسرائيلية على علم بموقعهم، ووضعهم كصحافيين”.
مجريات الاعتداء الإسرائيلي على الصحافيين
وقد تطرق التحقيق إلى سرد مجريات العدوان على مقرّ الصحافيين حاصبيا، مشيراً إلى أنّه بعد يوم من بدء “إسرائيل العملية البرية داخل لبنان”، وصلت مجموعة من نحو 18 صحافياً إلى منتجع ضيافة في حاصبيا، جنوبي لبنان، في أكتوبر/تشرين الأول 2024.
وكان التقدم الإسرائيلي قد أجبرهم على الانتقال من إبل السقي، وهي بلدة في جنوب لبنان، حيث مكثوا طوال الأحد عشر شهراً الماضية لتغطية الحرب بين حزب الله و”إسرائيل”.
وقد “اختار الصحافيون البقاء في البلدة بسبب عدم ارتباطها بحزب الله، ولأنّها لم تكن مستهدفة من قبل بضربات إسرائيلية”، بحسب الصحيفة.
“الزملاء في الميادين كانوا متواجدين مع غيرهم من الصحافيين في #حاصبيا لكن الاحتلال استهدف مقر إقامتهم، والاستهداف كان متعمداً وهناك جرحى من قنوات عربية أخرى”
كانت بيوت الضيافة مملوكة للأميركي – اللبناني الأصل أنور غيداء، الذي قال إنّه “فتش المنتجع وسيارة الصحافيين المستهدفين بعد الغارة “كما لو كان يبحث عن إبرة في كومة قش”، لكنّه “لم يجد أي شيء مريب بشأنها”.
وقد استخدم المراسلون بيوت الضيافة كقاعدة لمدة 23 يوماً، حيث كانوا يتوجهون إلى قمة تل على بعد 10 دقائق بالسيارة لتصوير الأعمال العدائية وإنتاج تغطية حية كل يوم.
“نطلّ عليكم من بين الركام ومن دون خوذة ودرع.. اليوم نحن الضحايا والمستهدفون”.
وكانت قمة التل توفّر إطلالة على قريتي شبعا والخيام الحدوديتين، حيث استمر القتال بين حزب الله و”إسرائيل”، وكانوا يقودون سيارات تحمل علامة “صحافة”، ويرتدون سترات واقية من الرصاص وخوذات مزينة بالرموز الصحافية.
وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ قمة التل كانت في خط رؤية مباشر لثلاثة أبراج مراقبة إسرائيلية – وكلها تقع على بعد نحو 10 كيلومترات من الموقع المباشر، وفق تحقيق “الغارديان”.
وعادةً ما تكون أبراج المراقبة الإسرائيلية مجهزة بكاميرات “Speed-er”، والتي يمكنها تتبع الأهداف تلقائياً على بعد يصل إلى 10 كيلومترات، بالإضافة إلى إمكانات التصوير بالفيديو والحرارة والأشعة تحت الحمراء.
ونقلت الصحيفة شهادات لصحافيين كانوا موجودون في المكان المستهدف، من بينهم الزميلة فاطمة فتوني، التي أكّدت أنّ”طائرات الاستطلاع الإسرائيلية من دون طيار كانت ثابتة فوق موقع النقل المباشر، ودار الضيافة في حاصبيا”، خلال إقامتهم هناك لمدة 23 يوماً.
وأضافت فتوني، التي كانت تقيم على بعد بضعة شاليهات من زملائها: “في ليلة الهجوم، كنا نجلس أمام الشاليهات وكانت الطائرة من دون طيار تحلق على ارتفاع منخفض للغاية فوقنا”.
وتابعت: “استيقظت بعد بضع ساعات على صوت انفجار، وأخرجت نفسي من تحت أنقاض سقف الشاليه المنهار، ووصلت إلى خوذتي، فيما تمزقت سترتي الواقية من الرصاص بسبب قوة الانفجار، ووجدت زملائي ميتين على الأرض”.
وشدّدت فتوني، في هذا الإطار، على أنّ “صمت المجتمع الدولي هو الذي سمح بحدوث ذلك”.
وكان الشاليه الذي كان ينام فيه النجار ورضا وقاسم قد أصيب مباشرة بقنبلة ألقتها طائرة إسرائيلية، وسقطت قنبلة أخرى بجانب المبنى.
“هذا ما تبقّى لي من درعي وخوذتي وميكروفوني.. هذه هي أهداف العدو”.
جريمة حرب
وبناءً على النتائج التي توصلت إليها الصحيفة، قال 3 خبراء في القانون الإنساني الدولي إنّ “الهجوم يمكن أن يشكل جريمة حرب”، ودعوا إلى مزيد من التحقيق.
في هذا السياق، قال محامي حقوق الإنسان والمدير التنفيذي لمبادرة الإصلاح العربي نديم حوري، لـ”الغارديان”، إنّ “جميع الدلائل تشير إلى أنّ ذلك قد يكون استهدافاً متعمداً للصحافيين، وبالتالي جريمة حرب، حيث تمّ تحديد مكانهم بوضوح كمكان يقيم فيه الصحافيون”.
ولم يجد تحقيق “الغارديان” أي دليل على وجود بنية تحتية عسكرية لحزب الله في موقع الهجوم الإسرائيلي، ولا على أنّ “أيّ من الصحافيين ينتمي إلى مقاتلي حزب الله”.
وأكّدت زوجة غسان نجار، سناء نجار، على أنّ “غسان، الذي ترك وراءه طفلاً يبلغ من العمر 3 سنوات، لم يكن عضواً في حزب الله، بل كان صحافياً”، وعلى أنّه “لم “يكن لديه سلاح قط، ولا حتى للصيد، بل كان سلاحه كاميرته”.
وبغض النظر عن انتماءاتهم السياسية، فإنّ “قتل الصحافيين أمر غير قانوني بموجب القانون الإنساني الدولي ما لم يشاركوا بنشاط في الأنشطة العسكرية”، وفق ما أكّدت “الغارديان”.
وقالت جانينا ديل، المديرة المشاركة لمعهد “أكسفورد” للأخلاق والقانون والصراع المسلح: “إنّه اتجاه خطير نشهده بالفعل في غزة، حيث يتم ربط الصحافيين بالعمليات العسكرية بحكم انتماءاتهم المفترضة أو ميولهم السياسية، ثم يصبحون على ما يبدو أهدافاً في الهجمات، الأمر الذي لا يتوافق مع القانون الدولي”.
وبموجب القانون الأميركي، فإنّه “إذا استخدمت دولة ما الأسلحة التي زودتها بها الولايات المتحدة في جريمة حرب، فيجب تعليق المساعدات العسكرية لتلك الدولة”.
لكن وعلى الرغم من وجود أدلة على عدة حالات استخدمت فيها “إسرائيل” الذخائر الأميركية لارتكاب جرائم حرب محتملة، إلاّ أنّ المساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل استمرت من دون أن تتأثر”.
الفترة الأكثر دمويةً للصحافيين
يُذكر في السياق، أنّ “إسرائيل قتلت 6 صحافيين في لبنان، وما لا يقل عن 122 في غزة والضفة الغربية منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 – وهي الفترة الأكثر دموية للصحافيين في العقود الأربعة الماضية”، وفقاً للجنة حماية الصحفيين.
ووفقاً لأيرين خان، مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بتعزيز وحماية الحق في حرية الرأي والتعبير، فإنّ “السلطات الإسرائيلية تتجاهل بشكل صارخ الالتزامات القانونية الدولية تجاه حماية الصحافيين”.
وقال خان إنّ “تحقيق الغارديان بشأن ما حدث في جنوب لبنان تتطابق مع نمط عمليات القتل والهجمات التي تشنها القوات الإسرائيلية على الصحافيين في غزة”.
وأضاف: “يبدو أنّ عمليات القتل المستهدف، والذريعة القائلة بأنّ الهجمات كانت تستهدف الجماعات المسلحة من دون تقديم أي دليل يدعم هذا الادعاء، والفشل في إجراء تحقيقات شاملة، كلّها جزء من استراتيجية متعمدة من قبل الجيش الإسرائيلي لإسكات التقارير الناقدة للحرب والانتهاكات، ولعرقلة توثيق جرائم الحرب الدولية المحتملة”.
وختمت الصحيفة تحقيقها بالقول إنّه “كان للهجمات على الصحافيين في حاصبيا وأجزاء أخرى من جنوب لبنان تأثيرٌ سلبي على العاملين في مجال الإعلام في لبنان، الذين لم يعودوا يعرفون أين يمكنهم العمل بأمان”.
أخبار سورية الوطن ١_الميادين