- علاء حلبي
- الأربعاء 8 أيلول 2021
أعاد الحراك الرباعي الأخير (المصري، الأردني، السوري، اللبناني) لتزويد لبنان بالطاقة، سوريا إلى الواجهة، بعد سنوات من القطيعة العربية والتردّد الدبلوماسي، الذي اخترقته أخيراً بعض الدول العربية بإعادتها علاقاتها مع دمشق. وعلى رغم ما ينطوي عليه هذا الحراك من إيجابيات على المستوى الاقتصادي، إلا أنّ مراقبين يتريّثون في سحب تلك الإيجابيات على المستوى السياسي، فيما تبدي الدولة السورية ترحيباً بأي «عمل عربي مشترك، سواءً أفضى إلى انفتاح سياسي أم لا»دمشق | لا تُعتبر اتفاقية تمرير الطاقة إلى لبنان عبر سوريا أمراً مفاجئاً، وإنما سبقها تمهيد ومحادثات مطوّلة، لعب فيها الأردن الذي يعاني من أزمات اقتصادية دوراً محورياً، بتولّيه المباحثات مع الولايات المتحدة الأميركية للتوصّل إلى تفاهم على تمرير هذه الاتفاقية، عبر الالتفاف على عقوبات «قيصر» بالشراكة مع مصر التي تسعى بدورها لاستكمال سلسلة مشاريعها المتعلّقة بالطاقة، من بينها الاتفاق المصري ـــ العراقي ـــ الأردني. وشكّلت سوريا أحد أبرز المحاور التي ناقشها الملك الأردني، عبد الله الثاني، خلال لقائه الرئيس الأميركي، جو بايدن، في واشنطن قبل نحو شهرين.
تقاطعات سياسية واقتصادية وجغرافية عديدة لعبت دوراً مهمّاً في إعادة سوريا إلى الواجهة، وهو أمر رحّبت به دمشق، سواءً لأهداف اقتصادية أو لدوافع تتعلّق بلبنان الذي تتداخل وتتشابك قضاياه مع القضايا السورية بشكل كبير، ما يعني أن أيّ أزمة يعاني منها لبنان ستصل آثارها بشكل مباشر إلى دمشق. مصادر سورية أشارت، خلال حديثها إلى «الأخبار»، إلى أن «دمشق تَعتبر أيّ عمل عربي مشترك جزءاً من رؤيتها الاستراتيجية، سواءً أفضى هذا العمل إلى انفتاح سياسي أو اقتصر على مشاريع اقتصادية تستفيد منها الدول العربية، ومن بينها سوريا، مع إدراك أهمية الدور السوري في المنطقة والذي يفرضه الموقع الجغرافي المهم الذي تحتلّه على الخريطة الاقتصادية والسياسية».
تعيد التطوّرات الأخيرة إلى دمشق دورها الاقتصادي الذي جرت محاولة تغييبه
ضمن هذه الرؤية، رحّبت دمشق باتفاقية إمداد لبنان بالطاقة منذ طُرح المشروع قبل أشهر عدّة، خصوصاً أن هذه الاتفاقية تُعتبر بشكل أو بآخر استكمالاً لمشروع الغاز الذي تمّ تنفيذه مطلع الألفية الجديدة، وخرج إلى النور قبل اندلاع الحرب السورية، وتوقّف نتيجة أزمات داخلية مصرية، تبعتها أزمات داخل سوريا. على أن الباحث والأكاديمي السوري، عقيل محفوض، يرى في حديث إلى «الأخبار» أن محاولة اعتبار التطوّر الأخير على هذا الصعيد بوّابة لانفتاح عربي كامل هي «قراءة متعجّلة لا يمكن تبنّيها في الوقت الحالي»، مشيراً إلى أن الإطار البارز حتى الآن هو إطار اقتصادي، «علينا انتظار آثاره الاقتصادية على الداخل السوري وعلى الدول المستفيدة، مع صعوبة تدبير بدائل تُخفّف من الإجهاد الاقتصادي والاجتماعي الثقيل»، خصوصاً أنه يأتي في وقت تعاني فيه سوريا من أزمة طاقة وحصار أميركي خانق. ولعلّ القراءة المستعجلة لتطوّرات الأحداث وأبعادها ومآلاتها السياسية دفعت إلى تسريب وسائل إعلام تركية معلومات عن عودة المحادثات السورية – التركية، والتي قد تمثّل بدورها بوابة لانفتاح اقتصادي سوري – تركي مماثل، الأمر الذي نفته دمشق.
الجنوب السوري وملفات أخرى
خلال تصريحات جانبية على هامش زيارة الوفد الوزاري اللبناني إلى سوريا، جرى الحديث عن ضرورة الإسراع في إطلاق المشروع الذي يمثّل متنفّساً للبنان، وسط تفاؤل بأن يتمّ تنفيذه خلال بضعة أشهر، الأمر الذي يصطدم بمعوّقات عدة، أبرزها الأحداث الأمنية في الجنوب السوري والذي يٌعتبر حجر أساس لتمرير هذا المشروع، حيث تمرّ عبره خطوط الكهرباء والغاز، ويعمل الجيش السوري في الوقت الحالي على إنهاء حالة التوتر فيه. وإضافة إلى الحالة الأمنية ثمة معوّقات عديدة أخرى، بينها الضرر الذي لحق بخطّ الغاز العربي الذي تعرّض لتفجيرات عدّة في المنطقة الجنوبية، بالإضافة إلى الأضرار الكبيرة التي طالت شبكة الكهرباء التي تربط الأردن بسوريا، حيث كشف وزير الكهرباء السوري، غسان الزامل، أن خطّ الكهرباء تعرّض للتدمير على مسافة 87 كم، بدءاً من الحدود الأردنية السورية حتى منطقة دير علي، وأن الأضرار طالت نحو 80 برجاً، فيما تمّ تدمير وتخريب وسرقة نحو 195كم من الأمراس، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن إصلاح هذه الأعطال يصطدم بالعقوبات المفروضة على سوريا والتي تمنع استيراد المواد اللازمة لإصلاحها.
ومن الملفّات العالقة أيضاً تفاصيل تتعلّق ببنود تنفيذ الاتفاق، والكمّيات التي سيُجرى توريدها إلى سوريا، ودور سوريا في توليد الطاقة الكهربائية لأسباب لوجستية، في حال تعثّر نقل الكهرباء من الأردن، خصوصاً أن سوريا تمتلك محطّات توليد تعمل على الغاز قادرة على إمداد لبنان بالكهرباء، الأمر الذي يفسّر عدم الوضوح في كثير من النقاط، وهو ما يجري العمل عليه في الوقت الحالي، سواء خلال الاجتماع الذي تحتضنه عمّان اليوم (الأربعاء) والذي يضمّ وفوداً من مصر وسوريا ولبنان، أو خلال اجتماعات لاحقة.
بشكل مختصر، يمكن القول إن ما يجري حتى الآن اتفاق اقتصادي عربي يكسر العقوبات الأميركية، ويمثّل إفادة للدول المعنيّة، ويعيد إلى دمشق دورها الاقتصادي الذي جرت محاولة تغييبه، كما يمثّل بوابة جانبية لحلحلة بعض الملفّات الداخلية في سوريا، سواءً المشاكل الأمنية في المنطقة الجنوبية أو الأضرار التي طالت البنية التحتية والتي ستشكّل محور اهتمام الدول الأربع (أطراف الاتفاقية) خلال اللقاءات المقبلة، لبحث سبل ترميمها في ظلّ العقوبات الأميركية المفروضة على سوريا.
(سيرياهوم نيوز-الاخبار)