خضر خروبي
منذ اختتام الجولة الرابعة من المحادثات الأميركية – الإيرانية، بوساطة عمانية، لا تزال الضبابية تحيط بفرص عقْد جولة خامسة منها في وقت قريب، ولا سيما مع عودة إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إلى إصدار مواقف علنية متضاربة حول سبل التعامل مع الملف النووي الإيراني، ومن ضمنها طرْح شروط لطالما أصرّت طهران على استبعادها من جدول أعمالها التفاوضي.
مواقف متناقضة
فخلال زيارته الأخيرة إلى الخليج، بدا الرئيس الأميركي ميالاً إلى عقد صفقة مع إيران، وهو ما يبدو وفق محلّلين، السيناريو الراجح، لاعتبارات عدّة: منها ما يتعلّق بتجاهل ترامب، إلى الآن، مطالب رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، بضرب المنشآت النووية، وأخرى تتّصل بعدم ممانعة حلفاء واشنطن العرب، وخاصة الخليجيين، تسويةَ نزاعاتهم مع إيران بصورة سلمية.
وفي هذا الصدد، أشارت صحيفة «نيويورك تايمز» إلى أنّ كل القادة العرب، الذين اجتمعوا إلى الرئيس الأميركي، خلال جولته في المنطقة، «دفعوه إلى إيجاد تسوية تفاوضية مع الإيرانيين»، مبيّنة أن تغيّر مواقفهم اليوم من عقد اتفاق نووي جديد مع طهران، قياساً بما كانت عليه في عام 2015، يرجع إلى كَون «البديل كارثياً بالنسبة إليهم… ذلك أنّ سيناريو قصف إيران يساوي سيناريو امتلاكها قنبلة نووية. وفي الحالتين، ستترتّب عواقب وخيمة على المنطقة».
وفي الإطار نفسه، أضافت الصحيفة الأميركية أنّ القرارات التي اتّخذها ترامب حيال عدد من قضايا الشرق الأوسط، بدءاً من اليمن وسوريا، وليس انتهاءً بغزة وإيران، قد أسهمت في «ظهور دينامية جديدة» على مستوى العلاقات بين واشنطن وتل أبيب، وهي دينامية «يتمّ التعامل بموجبها مع (هواجس) إسرائيل، في ظلّ حكومة نتنياهو، على أنها مجرّد مسألة ذات أهمية ثانوية»، مستدركة أن الأمر لا يعني بالضرورة إهمال أميركا روابطها التاريخية مع الكيان، أو وقْف دعمه عسكريّاً واقتصاديّاً.
وعن شكل تلك الدينامية الجديدة، أوضح المستشار السابق لنتنياهو، ناداف شتراوشلير، أنّ علاقة رئيس الحكومة مع ترامب «مختلفة عن تلك التي كانت تربطه بالرؤساء الأميركيين السابقين»، بمن في ذلك الرئيس الأميركي السابق، جو بايدن. وتابع: «في عهد بايدن، كان يمكن نتنياهو تأجيل القرارات» التي تنوي الإدارة اتّخاذها، بينما «في حالة ترامب، فإن القرارات تُفرض بالإكراه على نتنياهو، فيما لو حاول أن ينحو في الاتجاه المعاكس لتوجهات الإدارة». وبحسب شتراوشلير أيضاً، فإنّ «إيران تقع في صلب» هذه التحوّلات في العلاقة، وهو ما «يهدّد الإرث السياسي لنتنياهو»، الذي يضع لجم الطموحات النووية للجمهورية الإسلامية على رأس أولوياته.
«سيناريو قصف إيران يساوي سيناريو امتلاكها قنبلة نووية»
في المقابل، يدفع فريق آخر من المحلّلين نحو ترجيح سيناريو الضربة العسكرية لإيران، في ضوء إصرار الأخيرة على تمسّكها بحقّها في تخصيب اليورانيوم على أراضيها، وعدم وضوح موقف واشنطن إزاء هذه المسألة. وكان المبعوث الخاص للرئيس الأميركي، ستيف ويتكوف، صرّح، قبل يومين، بأنّ لدى بلاده «خطاً أحمرَ واضحاً مع إيران، وهو عدم التخصيب»، مؤكداً «(أنّنا) لن نسمح بذلك، حتى ولو بنسبة 1%». وفي مقابلة مع شبكة «إيه بي سي» الأميركية، قال ويتكوف: «قدّمنا مقترحاً للإيرانيين نعتقد بأنه يعالج قضيّة تخصيب اليورانيوم من دون أن نقلّل من احترامهم»، في ما يبدو أنه إشارة إلى نيّة واشنطن إقناع طهران بالتخلّي عمّا لديها من مخزونات اليورانيوم العالي التخصيب وإرساله خارج البلاد، علماً أن الجمهورية الإسلامية، وفق ما يؤكد مسؤولوها، لا تمانع هذه الخطوة.
وقد ترتّبت عن تصريحات ويتكوف انتقادات إيرانية حادّة، إذ اتّهم وزير الخارجية عباس عراقجي، المبعوث الأميركي بأنّه «بعيد عن واقع المفاوضات»، مؤكداً، في الوقت ذاته، أنّه «إذا كانت مطالب واشنطن غير واقعية، فمن الطبيعي ألّا نصل إلى نتيجة». كذلك، استنكر الوزير الإيراني ما وصفه بـ»تضارب تصريحات المفاوضين الأميركيين مع ما يقولونه في السرّ» وما يصرّحون به في العلن، في شأن مسار المفاوضات مع بلاده، علماً أنّ ويتكوف نفسه سبق أن لمّح، قبل بضعة أسابيع، إلى استعداد إدارة ترامب لقبول اتفاق يسمح لإيران بتخصيب اليورانيوم لأغراض مدنية، عند مستوى 3.67%، كما جاء في «اتفاق فيينا» الموقّع عام 2015.
ولاحقاً، وبعد مشاركته في اجتماع مع نظيرَيه القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، والعماني، بدر البوسعيدي، على هامش «منتدى الحوار» في طهران، لمناقشة مستجدّات المحادثات الأميركية – الإيرانية، جدّد عراقجي التأكيد على أنّ عملية تخصيب اليورانيوم ستستمرّ في إيران، موضحاً أنه «إذا رغب الجانب الأميركي في التأكد من عدم تصنيعنا السلاح النووي، فنحن مستعدّون لذلك».
بدوره، أبدى البوسعيدي ترحيب بلاده بـ»المبادرة القطرية» لتقريب وجهات النظر بين الإيرانيين والأميركيين حيال المسألة النووية، مشيراً إلى بروز «مؤشرات إيجابية خلال الأشهر الماضية من جانب واشنطن»، فيما أعرب وزير الخارجية القطري عن أمل بلاده في «توصّل الولايات المتحدة وإيران إلى اتفاق منصف ودائم وملزم». المضمون نفسه عاد وعبّر عنه الناطق باسم الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي، حين لفت إلى أنّ طهران لا يمكنها معرفة «نوايا الولايات المتحدة من وضع شرط تصفير التخصيب في البلاد»، معتبراً أنّ أيّ مراقب محايد، بإمكانه أن يصل إلى نتيجة مفادها أنّ المشرّعين الأميركيين يخضعون بشكل تدريجي لضغوط التيارات التي لا تؤمن بالدبلوماسية، ونواتها الأساسية «كيان الاحتلال الإسرائيلي، الذي لا يؤمن بأيّ طريقة للسلام والمحادثات».
وبحسب وسائل إعلام أميركية، فإن تراجع إدارة ترامب عن مواقفها السابقة، والتي كانت تقتصر على ضمان عدم السماح لطهران بامتلاك أسلحة نووية، مع الاعتراف بحقّها في تخصيب اليورانيوم في منشآتها لأغراض سلمية، يعود إلى ضغوط متشدّدة داخلية تمارَس على الرئيس، سواء من تيار داخل إدارته يؤيّد تفكيك البرنامج النووي بالكامل، أو من «صقور» الحزب الجمهوري في الكونغرس، عقب رسالة توجّه بها أكثر من 200 منهم لحثّ الرئيس على «الحزم» في شأن المطالب النووية للإيرانيين.
في هذا الإطار، أشارت الخبيرة في الشؤون الإيرانية ومديرة برنامج السياسة الخارجية في «معهد بروكنغز»، سوزان مالوني، إلى نية إيران البناء على خطوة ترامب المتمثّلة في إعلانه رفع العقوبات على سوريا، من دون العودة إلى المؤسسة التشريعية، وترقّب مدى جدّيتها، مضيفة أنّ الإيرانيين «سيراقبون عن كثب، ما إذا كان سيستطيع استكمال خطوته» من خلال التعاون مع الكونغرس، أو عبر الصدام معه. وأكّدت مالوني حماسة ترامب للاتفاق مع إيران، مرجّحة أن يعمد الرئيس الأميركي إلى «القبول بصفقة معها تشتمل على ما هو أقلّ» ممّا يطالب به التيار المتشدّد في الكونغرس، وخصوصاً المحسوب على الحزب الجمهوري.
فرص النجاح والفشل
وفقاً لمحلّلين غربيين، فإن التداول بصيغ مختلفة جرى التباحث في شأنها بين الإيرانيين والأميركيين للتوصّل إلى اتفاق نووي جديد محتمل، لافتين إلى أن أيّ اتفاق «لن يكون صفريّاً في المحصّلة»، بحيث سيعمل على «مراعاة التوقّعات في الداخل الأميركي» حول مسار المفاوضات، والمنسجمة مع مطالب إسرائيل بتفكيك البرنامج النووي الإيراني من جهة، كما على «رغبة ترامب في إبرام صفقة» مع إيران، من جهة ثانية.
وبحسب هؤلاء، فإن من جملة البنود المطروحة على طاولة المفاوضات، ما يقوم على إبرام اتفاق ثنائي يتضمّن تأسيس «كونسورتيوم إسلامي» يتيح لدول المنطقة الاستفادة من الخبرات الإيرانية في التكنولوجيا النووية المدنية، في موازاة رفع العقوبات على مراحل ضمن خيارات تشمل تعزيز الاستثمارات الأميركية داخل إيران كشكل من أشكال ضمان عدم وقوع أيّ نزاع عسكري مع الجمهورية الإسلامية، وهو خيار تفضّله طهران؛ وأخرى تقوم على بلورة صيغة اتفاق، يشمل تجميداً طويل الأمد لأنشطة تخصيب اليورانيوم تحت إشراف دولي معزّز، إضافة إلى التخلّص من مخزونات اليورانيوم الإيراني العالي التخصيب، على أن يكون مرفقاً بضمانات تسمح للحكومة الإيرانية بشرائه من السوق العالمية، وهو خيار تحبّذه واشنطن.
أخبار سوريا الوطن١-الأخبار