زياد غصن
بكل آسف، يعترف الدكتور شفيق عربش أنهم في كلية الاقتصاد خرّجوا أشخاصاً فاشلين.. بدليل “الأمية” الاقتصادية المتبعة في التعاطي مع الأوضاع الاقتصادية الراهنة… وهؤلاء أضروا بسمعة الكلية وخريجيها!
في هذا الكلام ما يستوجب بالفعل التوقف والنقاش…
إذ إن وجود البعض من حَمَلة شهادة الاقتصاد في الكثير من مواقع المسؤولية، لم يغير شيئاً في طريقة إدارة الملف الاقتصادي في البلاد.. ولا حتى على مستوى إدارة بعض المؤسسات؛ فهل هذا عائد إلى نوعية الكوادر التي جرى اختيارها لشغل بعض المناصب؟ أم إن الأمر له علاقة بتعدد مصادر التأثير في القرار الاقتصادي، من أصحاب المصالح ومراكز القوى إلى المجموعات المقاومة للتغيير؟
باعتقادي أن كلا الاحتمالين صائب…
فالأول صحيح بالنظر إلى آليات الاختيار والترشيح القائمة، والتي أوصلت إلى مواقع المسؤولية الإدارية شخصيات ضعيفة علمياً ومعرفياً. وللأسف، فقد تحول هذا إلى ظاهرة تجتاح كل القطاعات والاختصاصات، إلى درجة “تسخيف” العديد من المناصب…!
لذلك كان من الطبيعي أن يقول الدكتور عربش إن الكلية خرّجت طلاباً فاشلين… وربما الأصح أن جامعاتنا جميعها خرّجت الكثير من الفاشلين… ومؤسساتنا العامة تلقفتهم!
لكن علينا الاعتراف في المقابل أن هناك كوادر تخرجت من الكلية المذكورة، وهي على مستوى متميز من العلم والمعرفة والاجتهاد، معظمها أبدع بعمله في القطاع الخاص، والبعض الآخر قاده القدر إلى المؤسسات الحكومية، ليجد نفسه في مواجهة “تركة” ثقيلة من الجهل والأمية يصعب تجاوزها في ظل بيئة العمل الحالية… وهذا ما يجعل الاحتمال الثاني صائباً.
واليوم نحصد “ثمن” تخريج الفاشلين من جامعاتنا… واحتوائهم في مؤسساتنا وترقيتهم ليصبحوا في مواقع إدارية تؤهلهم لصناعة قرار أو اتخاذه… وأياً كان هذا القرار!
وإذا كان ما أنفقته الدولة على هؤلاء الفاشلين، ليس في حساب البعض أو غائباً عن أذهانهم، فإن ما تخسره البلاد بسببهم يجب ألا يمر مرور الكرام، فعلى الأقل يجب أن يتم تصحيح وتصويب المسار كي لا تتعمق الخسائر أكثر…!
والمطلوب إذاً؟
في مثل هذه الأوضاع الصعبة التي تواجهها البلاد، وما ينتظرها من تحديات قد تكون أخطر، فإن هناك حاجة لخطوات نوعية على محورين:
-إبعاد من ثبت فشله وتقصيره في عمله، بحيث تكون البداية مع شاغلي المناصب في الوزارات والمؤسسات المعنية بالشأن المعيشي وبالخدمات الأساسية، والاستعانة بالكفاءات والخبرات من داخل المؤسسات الحكومية أو خارجها، ومنحهم صلاحيات واسعة، وصد الهجوم المرتقب عليهم من أصحاب المصالح وأثرياء الحرب.
ومثل هذا الإجراء سيسهم في تخفيف الاحتقان الشعبي من جهة، ومعالجة الأسباب الداخلية التي تتسبب بزيادة وطأة العقوبات والحصار من جهة ثانية.
-إطلاق سلسلة حوارات واسعة داخل الجامعات العامة والخاصة، لوضع استراتيجية وطنية لتطوير التعليم العالي بغية رفع مستوى المخرجات الجامعية، وربطها باحتياجات المرحلة القادمة، إذ لا يعقل أنه بعد عشر سنوات حرب مدمرة تبقى جامعاتنا كما هي… تقبل الأعداد نفسها من الطلاب، تدرس مناهج ما قبل الحرب، تبقى على عزلتها مع المجتمع، وحضورها الثقافي والفكري في أدنى مستوياته!
وفي كلية الاقتصاد وغيرها من الكليات أساتذة على درجة من العلم والخبرة، وإن كان عددهم للأسف يقل تدريجياً لأسباب عدة!
أعرف أن ما أطرحه قد يكون صعباً في مثل البيئة والظروف التي وصلنا إليها… لكن هل يجب أن نستكين لاستمرار هذه الظاهرة؟ وهل علينا أن نتحمل كمواطنين تبعات وجود أشخاص غير مؤهلين وفاشلين في مناصب يختلف تأثيرها من مستوى إداري إلى آخر؟
(سيرياهوم نيوز-المشهد11-1-2021)