نارام سرجون
هل لازلتم تذكرون برهان غليون؟ .. الرجل الخارق الذي صار بين عشية وضحاها رئيسا لسورية في صكوك أبناء شايلوك .. وصار يتصرف كرئيس دولة وعاش هذه الفانتازيا وأحلام اليقظة لعدة اسابيع وصدق انه صار رئيسا ثم تلاشى وتبخر .. ونسيه الناس ونسيه كل من اعترف به رئيسا .. ولو ذكر الآن في اي محفل لتساءل الناس عنه وظنوا انه نوع من أنواع التنباك الفاخر .. في أوكرانيا نسخة أخرى من التنباك الامريكي الصنع اسمه زيلينسكي الذي تجهد الآلة الغربية في تصويره بطلا على الشاشات .. وهو الذي لم يحمل بندقية ولم يرتد قميصا عسكريا في يوم من الايام .. وأكثر ماحمله في حياته هو مايكروفون الكوميديا والتهريج .. ولكنه في الاعلام الغربي يظهر وكأنه قائد مناضل لاينافسه حتى غيفارا وهو يقود معركة أممية للحرية .. صور عديدة وكاميرات ولقطات ومقابلات ونقل لخطابات وتصفيق حاد له في البرلمانات .. وهي طريقة تسويق المنتج الجديد الفاسد .. مرة بالقميص ومرة بالفانيلا وهو يطلق بيانات لاتنتهي وتهديدات ويتحدث .. ولكن رغم كل الجهد الاعلامي الضخم لتضخيمه ومحاولة تخصيبه ليشع مثل اليورانيوم فانه ظل زيلينسكي الرجل البلاستيكي ونوعا من أنواع الدمى المصنعة مثل اي منتج امريكي في السوق السياسية .. أي انه منتج امريكي جديد ينضم الى سلسلة مطاعم ماكدونالد وسلسلة المعارضين والسياسيين العرب الذين يستخدمون لمرة واحدة مثل برهان غليون .. وسعدو الحريري .. وزهران علوش وابو محمد الجولاني .. يقيني الدائم أن الطبيعة لاتتغير ولاتكذب وكل تلاعب فيها لن يعطي الا العبث .. وكل ماتنتخبه الطبيعة هو الصحيح .. وأكاد اقول ان أية (وماينطق عن الهوى .. ان هو الا وحي يوحى ) تنطبق على قرارات الطبيعة في اختيار اتجاهها بما يتناسب مع دورة الحياة وحاجة الوجود كي يتوازن ويستمر كما فعلت الطبيعة وقررت القضاء على (حضارة) الديناصورات في العصر الجوراسي .. ولذلك فان اي تلاعب في الطبيعة يقضي على الدورة الطبيعية للحياة ويتسبب في أذى شديد للوجود .. وسيدفع الانسان ثمن الهندسة الجينية والتلاعب بشيفرات الفيروسات .. بل والعبث بأسرار الذرة واستقرارها وعلاقة النيوترونات بالبروتونات في نواة الذرة .. لأنه سياتي يوم سيدمر البشر فيه كوكبهم بسبب التلاعب بجينات الذرات .. والطبيعة لاتغضب فقط من التلاعب بمكوناتها وذراتها وقاراتها الوراثية .. بل تغضب عندما نتدخل في انتخابها للاقوى والأفضل .. وهي على مر التاريخ البشري كانت تفرز القادة والزعماء بناء على قدرات استثنائية وليس بناء على عملية نحت ونفخ وحقن بالسيليكون وتفصيل وهندسة وتخصيب حسب الطلب كما هم قادة اليوم .. فكل القادة الغربيين يخضعون لعمليات تسويق ودعاية وتجميل وتخصيب وهرمنة مثل أي منتج في السوق لأن كل شيء في الغرب تحول الى سلعة في السوق حتى رئيس الدولة .. ولذلك تجد شخصيات هزيلة وكاريكاتيرية مثل بوريس جونسون البريطاني والفرنسي ماكرون وكل زعماء اميريكا وخاصة الرئيس المعتوه بوش الصغير والرئيس اوباما الذي كان ديكورا لتجميل اميريكا .. وهؤلاء لايصلحون ليكونوا رؤساء بلديات .. ولكن الاعلام يتدخل في عملية الانتخاب الطبيعي ويتلاعب بعقول الناس .. وربما كان ترامب استثناء لأنه كان مستقلا وتحدى الآلة الدعائية وفاز بالانتخابات ولذلك تمت ازاحته بالقوة والتزوير لأن الشخصيات المستقلة تخيف أصحاب مصانع السلطة والحكم منذ تجربة المواجهة مع جون كينيدي التي انتهت بقتله وتدمير نهجه المستقل .. والغريب ان تعيد شعوب اوروبة الشرقية انتاج نفس التجربة التي عاشتها بعد انهيار الاتحاد السوفييتي .. وكان أكبر مثال على خطأ الشعوب في الانقياد للشخصيات البالونية المنفوخة اعلاميا وتعطي ايحاء انها شخصيات استثنائية هي تجربة البولنديين مع (ليخ فاليسا) رئيس حركة التضامن البولندية الذي صوره الغرب على انه البطل المنقذ للشعب البولندي من الشيوعية وكأنه فيلسوف الحريات وجان جاك روسو .. فقام البولنديون بانتخابه رئيسا ليكتشفوا ان من انتخبوه هو مجرد عامل كهرباء فقط وليست له امكانات القيادة والسياسة بل ولاحتى الحديث بشكل متوازن .. رغم انه في الحقيقة أفضل من زيلنسكي بألف مرة .. فيما يركز الاعلام الغربي على ربط صورة بوتين بستالين والشخص الشرير وأنه رجل لايعرف الرحمة .. العجيب انك لو تابعت الاعلام الغربي لوجدت أن كل أمراض العالم ظهرت فجأة على بوتين وهو قد يفارق الحياة .. فهو متوتر نفسيا ويتناول الكورتيزون لأمراض عضال أصابته .. ولكنه ذهنيا لم يعد مستقرا .. وبدا يفقد السيطرة على الدولة الروسية .. ولو صدقت الاعلام الغربي لصرت تحس بالخوف من النظر الى عيني بوتين لأنه شخص شرير للغاية ومهووس بالقتل . وكلما زاد الاعلام الغربي من شراسته في نهش صورة الرئيس بوتين فانه يدل على ان الغرب يسدد على شخص خطير جدا يهدد الغرب .. وهو يعني ان هناك صراعا للبقاء بين نموذجين للقيادة .. القيادة التي تنتخبها الطبيعة والقيادة التي تنتجها المصانع السياسية وتشبه جدا عملية التعديل الجيني وصناعة الفيروسات الضارة الخطرة .. اي انه صراع بين نموذجين .. نموذج الانتخاب الطبيعي الدارويني للأقوى والأصلح .. وهو تعبير عن حاجة التاريخ والطبيعة البشرية لهذه الشخصيات الاستثنائية .. وبين نموذج من الكرتون المنفوخ ومهجن ومعدل وبلاستيكي ومعدني ويخصب في أجهزة الطرد المركزي للاعلام كي يشع نجاحا وبطولة وبريقا .. الطبيعة اليوم ستقول كلمتها .. وستزول هذه الطاهرة التي يعتبر زيلنسكي آخر منتجاتها .. لأن انتصار بوتين سيعيد الى شعوب الغرب القدرة على انتاج زعامات طبيعية ومسؤولة وقيادات نخبوية لاتنتجها الدولارات والثروات وعمليات التخصيب وحقن السليكون .. وبوتين زعيم عالمي يبدو أنه في طريقه نحو زعزعة هذا الخلل الذي حل بالطبيعية البشرية واعادة الاعتبار للقوى الطبيعية والانتخاب الطبيعي للبشرية في اختيار القادة التاريخيين .. الطبيعة سئمت هذا الغش الغربي وهذا التدخل في الذرات والجينات والفيروسات والزعامات .. والتدخل في العقول والتدخل في الطبيعة .. والتلاعب في حاجة التاريخ ورفض الافراج عن رغباته وهو الذي يقول لنا في هذه المواجهة العظمى .. ان الطبيعة لاتنطق عن الهوى .. وان الاحداث ان هي الا وحي يوحى .. لتصويب ماصار فوق حدود طاقة التحمل البشري من عنجهية وافراط في التدخل في التاريخ والجغرافيا والمنطق ..
(سيرياهوم نيوز-صفحة الكاتب 21-3-2022)