| علي عبود
مهما أجاد المنظرون والمحللون بتبرير، أو بانتقاد قرار المصرف المركزي، برفع سعر صرف الدولار من 2814 ليرة إلى 3015 ليرة، فإن الترجمة الفعلية لهذا القرار بالنسبة للعاملين في الجهات العامة أو الخاصة هو تخفيض جديد لرواتبهم وأجورهم!
لقد أجادوا بوصف تحريك المصرف المركزي لسعر صرف الدولار مقابل الليرة السورية بالقرار الصحيح وبأنه خفّض الهوة والهامش بين السعر الرسمي والسعر في السوق الموازية، بل وأكدوا أن التخلص من تعدد أسعار الصرف في السوق المحلية ضروري جدا لأنه يربك العملية الاقتصادية في البلد، لكنهم تجاهلوا ماسبّبه هذا القرار من إرباك لحياة الناس!
ونؤيد بشدة ماقاله البعض حول ضرورة ردم الفجوة بين السعرين الرسمي والموازي للدولار، ولكن لماذا لايتحدث هؤلاء عن قرارات حكومية ضرورية أيضا، لكنها لم تصدر خلال السنوات العشر الماضية لردم الفجوة بين الأجور والأسعار، والتي تزدادا اتساعا مع كل تعديل جديد لسعر الصرف!
ولم يسأل أحد: هل يتحمل المواطن المزيد من تدهور قدرته الشرائية؟
لقد كان الباعة والتجار جاهزون لاستغلال قرار المركزي واستغلوه كشماعة لرفع أسعار سلعهم في السوق متجاهلين قدرة الناس الشرائية الضعيفة وحالتهم المعيشية المتدهورة!
وبعد ساعات من صدور قرار المركزي ارتفعت معظم السلع في الأسواق والبقاليات والمولات بين 300 ـ 500 ليرة للمادة الواحدة، فإذا اكتفى المستهلك بثلاث سلع يوميا، فهذا يعني إن تعديل سعر الصرف شفط بالحد الأدنى 30 ألف ليرة من راتبه الشهري!
ومع تعديل سعر الدولار الجمركي فإن المواد الأساسية التي تعتمد في صناعتها على القمح المستورد مثلا سترتفع سريعا لتشفط المزيد من دخل ملايين الأسر السورية بعد تخفيضها بقرارات حكومية بمنتهى القسوة، بل وظالمة!
نعم، لقد انخفض راتب الحد الأدنى للأجور والبالغ 92970 ليرة فور صدور قرار المصرف المركزي بتاريخ 19/9/2022 من 33 دولارا إلى 30.8 دولارا، وانخفض راتب بدء التعيين لحامل الدكتوراة البالغ 112116 ليرة من 39.84 دولارا إلى 37.1 دولارا!
أما من يتقاضى سقف الراتب من الدرجة الأولى والبالغ 156470 ليرة فقد انخفض من 55.6 دولارا إلى 51.89 دولارا.
وإذا اضفنا إلى الرواتب المتممات والحوافز وطبيعة العمل، فإن الإنخفاض الإجمالي لدخل العامل في الدولة سيكون أكبر، وهذا سيؤثر حتما على الوضع المعيشي سلبا أكثر فأكثر على ملايين الأسر السورية!
وكالعادة ستقوم الحكومة باعتماد سعر الصرف الجديد في موازنة 2023 ، وستقوم الجهات الحكومية بتعديل أسعار معظم السلع والخدمات التي تنتجها، ومن المتوقع أن ترفع اللجنة الإقتصادية أيضا أسعار المحروقات لتخفيض عجز وزارة النفط!
ولم ينتظر القطاع الخاص الذي يقوم بتسعير السلع والمواد المستوردة أوالمصنعة محليا حسب الدولار الأسود، فهو أقدم فورا على حجز الكثير من المواد في مستودعاته، وقام برفع أسعار المتداول منها، متجاهلا كالعادة تحذيرات وتهديدات ونشرات وزارة التجارة الداخلية!
الملفت دائما وأبدا أن الحكومة لم تعدّ أي مشروع قانون أومرسوم تشريعي لتعديل الرواتب والأجور وفق سعر الصرف الجديد، وكأنّها مصرة على التخفيض المستمر للقوة الشرائية لملايين الأسر السورية!
والسؤال الذي لم تجب عليه أي حكومة منذ عام 2011: لماذا لاتُعدّل رواتب العاملين مع كل تعديل لسعر الصرف؟
كان الحد الأدنى للأجر بتاريخ 24/3/2011 يبلغ 9765 ليرة وكانت قوته الشرائية توازي 208 دولارات (نعم أكثر من 200 دولار) وبدلا من أن ترفع الحكومات المتعاقبة رواتب العاملين خلال السنوات الـ 11 الماضية بما يتناسب مع تعديلات أسعار الصرف فإنها تعمدت وبقسوة بالغة تخفيضها إلى 37 دولارا وبما لايتجاوز 52 دولارا لمن بلغ السقف… ترى ماخلفيات هذا التخفيض المتعمد؟!!
الخلاصة: لقد أدي استثناء العاملين في الجهات العامة والخاصة من تعديل أجورهم وفق تعديلات سعر الصرف المتلاحقة إلى كوارث معيشية زادت من نسب الفقر المدقع إلى مستويات خطيرة بدأت تهدد صحة الناس والإقتصاد!!
(سيرياهوم نيوز3-خاص بالموقع25-2022)