تحقيق – بشرى فوزي:
لاتخلو مجتمعاتنا من ظواهر دخيلة وغريبة ظهرت بشكل لافت في الآونة الأخيرة ولابد من الإشارة الى ظاهرة ترك الأهل لأولادهم أو تخليهم عنهم، والتي تكررت في جميع المدن وتنوعت بين أطفال تتراوح أعمارهم من ساعات إلى آخرين أكبر بأسبوع أو سنين وجميعهم صغار وبحاجة لعناية واهتمام ورعاية من قبل الأهل، وكانت إحداها طفلة عمرها أيام قليلة تركتها والدتها في رحاب الجامع الأموي بدمشق ثم اختفت ولم تعد، وحينها قامت الجهات المسؤولة بعد إبلاغها بايداعها في دار للأيتام (لحن الحياة) بدمشق لرعايتها والاهتمام بها.
*جريمة بحق الانسانية..
وكالعادة لاقى هذا الموضوع اهتماماً وتعاطفاً على وسائل التواصل الاجتماعي واستنكاراً من قبل كل من سمع أو قرأ هذا الخبر الذي تعتبره “خولة” وهي أم لطفلتين بأنّه جريمة بحق الإنسانية متسائلة كيف يمكن لأم أن تتخلى عن قطعة من قلبها حسب وصفها مؤكدة أنّ من تقوم بهذا الفعل مجردة من العاطفة التي خص الله تعالى بها الأمهات والآباء.
*ظاهرة دخيلة..
وتوافقها الرأي “سليمة” التي تعتبر أنّ ظاهرة دخيلة تغلغلت في مجتمعنا المحاط بالحب والرعاية وبدأ الناس يكررون هذا التصرف اللاأخلاقي حسب قولها.
ولم يكن سلوك الأم في التخلي عن طفلتها هو الوحيد ،بل وسبقه قبلها حالات كثيرة وكان للآباء الذكور دور.. وعلى سبيل المثال “ثلاثة أطفال” تركهم والدهم في مدخل أحد الأبنية في حي “كفرسوسة” بدمشق بحجة أن والدتهم تركتهم بسبب سوء الأوضاع المعيشية ولايوجد من يساعده فقرر ترك أطفاله في الشارع ليلاقوا مصيراً مجهولاً لولا تدخل أحدهم واتصاله بالجهات المختصة لاستلام الأطفال ورغم معرفة الأب واحضاره وتأمين سكن وعمل له وجمعه مع الأم للتكفل برعاية أبناء تخلوا عنهم بكامل إرادتهم، إلا أنّ ذلك لايبرر تصرفاتهم وتخليهم عن فلذات أكبادهم بحجج متنوعة.
*لايعرف وجه امه..
وبالرغم من المحاولات لتنمية شعور الناس بالأسرة التي تعتبر نواة المجتمع الأولى والأهم وربطها بالمدرسة والتي تعتبر ثاني أهم مرحلة في حياة الطفل، ولكن مازلنا نشاهد ظواهر مدهشة لاتمس للانسانية بصلة ولاتقارب المشاعر الانسانية والعواطف الأبوية.
“سمير” طفل في الثامنة من عمره يشكو دائماً أنّ أمه تخلت عنه وهو لايتجاوز سبعة عشر يوماً ومنذ ذلك اليوم لم يرها ولم تتواصل معه حتى اليوم مردداً وبحرقة جدتي تهتم بي لأن أبي متوفى أيضاً متمنياً وبطفولته البريئة أن يشاهد وجه أمه ويتعرف إليها .
* “طفلة البئر” ..
و لابد من ذكر “طفلة البئر” كما ورد اسمها والتي تركت أثراً كبيراً حيث لايمكن تخيل أو تصور ماحدث وكيف حدث.. وتبادر رشا بالسؤال والاستهجان كيف تفعل من تسمى أمّا ذلك؟ كيف طاوعها قلبها لرمي فلذة كبدها في البئر ؟مستنكرة هذا الفعل الشنيع حسب قولها قائلة مهما كانت الأسباب لايوجد مبرر لرمي طفلة لم يتجاوز عمرها ساعات في بئر للتخلص من العار الذي ستحمله للأهل والأسرة.. وهو ماأكده “أمجد” وهو شاب جامعي استهجن هذه الأفعال التي تدمر المجتمع ولبنته الأساسية وهم الأطفال مؤكداً وجود حلول أخرى غير هذه التي نشاهدها ونسمع عنها عن وجود أطفال في الشوارع تًركوا ليلاقوا مصيراً مجهولاً.
*تعددت الاسباب..
كثرت الأسباب والنتيجة واحدة ظاهرة تكررت وبكثرة في الفترة الماضية القريبة وهي ترك الأهل لأطفالهم والتخلي عنهم لأسباب كثيرة ومتعددة
المرشدة الاجتماعية “غادة الهلال” أكدت أنّ أسباب هذه الظاهرة هي اجتماعية وأخلاقية فقد تكون لأسباب اقتصادية او بسبب علاقة عابرة تخلى وتنكر فيها الشريك عن وعوده بالزواج وخوفاً من القتل والتشهير تتخلص الأم من طفلها كي لايُفتضح أمرها إضافة إلى انعدام الأمن المالي وظاهرة تزويج القاصرات التي تكون فيها الفتاة غير مؤهلة للانجاب وللتربية فتلجأ للتخلي عن طفلها بكل سهولة عند أول عثرة في حياتها.. وتؤكد “الهلال” أنّ هذا السلوك (تخلي الأهل عن أطفالهم) موجود منذ القدم ولكن نتيجة للانتشار الواسع للتكنولوجيا وسهولة الوصول إليها بات الموضوع يبدو وكأنه جديد ولم يحدث من قبل مضيفة أنّ ذلك لايبرر هذا السلوك الذي يهدم روابط من الصعب توصيفها.
*عقوبات بالحبس ..
أمّا رأي القانون بذلك فقد تحدث عنه المحامي “عمار الخمري” وأكد للثورة أنّ قانون العقوبات العام وتحت بند الجرائم الواقعة على الأسرة حيث تنص المادة ٤٨٤ أنّه:
أ- من طرح أو سيّب ولداً دون السابعة من عمره أو أي شخص آخر عاجز عن حماية نفسه بسبب حالة جسدية أو نفسية عوقب بالحبس من ثلاثة أشهر وحتى سنة
ب-إذا طُرح الولد أو العاجز أو سيّب في مكان خطر كان العقاب بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات
كما تنص المادة “٤٨٦”حسب ما أوضح الخمري أنّه إذا كان المجرم أحد أصول الولد أو العاجز أو أحد الأشخاص المولين حراسته أو مراقبته أو معالجته أو تربيته شددت العقوبة على نحو مانصت عليه المادة “٢٤٧”التي تضاعف كل عقوبة من الثلث إلى النصف كما تضاعف الغرامة المالية.
وبيّن “الخمري” أنّ الفقرة الثانية من المادة “٤٨٦” نفسها استثنت عدم تطبيق التشديد في حال أقدمت الوالدة محرضة أو فاعلة أو متداخلة على طرح مولودها أو تسييبه صيانة لشرفها موضحاً أنّها تعاقب لكن تعفى من التشديد.
* برعاية الشؤون الاجتماعية..
دور وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل وعلى لسان مديرة مجمع لحن الحياة “هنادي خيمي” ينحصر على الرعاية التي تقوم بها لهؤلاء الأطفال من خلال الدور المخصصة لرعايتهم ومتابعتهم بكافة النواحي التعليمية والاجتماعية والصحية والترفيهية وغيرها مؤكدة أنّ لاسلطة رادعة للوزارة في هذا المجال.
*اجتماعية واقتصادية..
وبينت “خيمي” أنّ الأسباب الرئيسة لهذه الظاهرة هي اجتماعية واقتصادية بشكل عام مؤكدة أنّ عدد الأطفال المتروكين في الشوارع من قبل ذويهم لم يزداد عن السنوات السابقة وإنّما ازداد تسليط الضوء عليه من خلال وسائل التواصل الاجتماعي.
وأضافت “خيمي” أنّ عدد الأطفال المتخلى عنهم منذ بداية عام ٢٠٢٢ وحتى الآن لم يتجاوز /١٠/حالات موضحة أنّ إحصائية عام ٢٠٢١ /٥٠/ حالة تقريباً وتشمل جميع المحافظات.
*إلحاقهم بأسر أخرى..
وفيما يخص مصير هؤلاء الأطفال المتخلى عنهم وطريقة التعامل معهم من قبل وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل أوضحت “خيمي” أنّ هؤلاء الأطفال يتم إلحاقهم بأسر أخرى تقوم برعايتهم والعناية بهم وذلك تحت إشراف مجمع لحن الحياة.
*يحصل على قيد مدني..
وبخصوص آلية إحضار الأطفال المتخلى عنهم بينت مديرة مجمع لحن الحياة بأنه يتم إحضار الأطفال بموجب ضبط للشرطة ليتم تسجيله بالسجل المدني ويحصل على قيد مدني فيما بعد وذلك بعد أن يتم اختيار الاسم الأول للطفل، ويتمكن الزوجان من إعطائه لقب العائلة إذا رغبا بذلك بدون أن يترتب عليه أي أثر (كالتسجيل في دفتر العائلة والإرث)، مؤكدة أنّ الطفل مجهول النسب المسجل يمتلك كل الحقوق التي يمتلكها المواطن السوري، مشيرةً إلى أنّه يتم إلحاق كل الأطفال الرضع وخلال فترة قصيرة من تواجدهم بالمجمع بأسرة ترعاهم وفق عقد إلحاق مؤكدة أنّه يتم إجراء دراسة اجتماعية عن الزوجين اللذين يجب أن تنحصر أعمارهما بين (٣٠-٥٠) سنة موضحة أنّ الأفضلية للزوجين غير القادرين على الانجاب .
* ٤٥ طفلا العام الماضي..
وفيما يخص اختيار الأسرة لطفل دون آخر أكدت “خيمي” أنّه لايمكن اختيار طفل دون سواه عند الإلحاق مشيرة إلى أنّه يوجد بالحد الأدنى عشرات الأسر قيد الانتظار أمام عدد قليل جداً من الأطفال وبالتالي لايلبث الطفل الرضيع في المجمع حتى يتم إلحاقه مؤكدة أنه يوجد حتى /٣٠-٤٠/ أسرة ترغب بإلحاق أطفال بها مضيفةً أنّه تم إلحاق /٤٥/طفلاً في العام الماضي.
*كلمة اخيرة..
وفي النهاية هناك حالات متنوعة لأطفال تخلى عنهم ذووهم نتيجة ظروف لايمكننا اعتبارها طبيعية مهما كانت الأسباب ولكن الأهم هو وجود حماية لهؤلاء الأطفال وأسر ترعاهم وتحميهم حتى يتمكنوا من بناء المجتمع الذي هم عماده.
سيرياهوم نيوز 6 – الثورة