سعيد محمد
لندن | في توقيت بدا مريباً، أفادت مصادر صحافية أميركية متطابقة بأن الرئيس المنتهية ولايته، جو بايدن، قرّر منْح أوكرانيا صلاحية استخدام صواريخ أميركية طويلة المدى ضد أهداف في العمق الروسي، ما سيضع جميع الأطراف أمام إمكانية اتساع نطاق الحرب المستمرّة منذ ألف يوم، وربّما تحوّلها إلى حرب نووية بين قوى عظمى. ورغم عدم صدور بيان رسمي من البيت الأبيض في هذا الشأن، إلا أن الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، لم ينفِ، في تصريحات أدلى بها، حصول نظامه على ضوء أميركي أخضر لشنّ ضربات في العمق الروسي باستخدام صواريخ أميركية بعيدة المدى، إذ لفت إلى أن الدليل على تغيير السياسة، سيَظهر في ساحة المعركة عندما يتم استخدام مثل تلك الصواريخ. وقال: «دعوا الصواريخ تتحدّث عن نفسها، وهي بالتأكيد ستفعل». وكان زيلينسكي قد حثّ، على مدى أشهر، الولايات المتحدة والدول الغربية، على رفع القيود المفروضة على استخدام كييف الصواريخ الغربية البعيدة المدى ضدّ أهداف داخل روسيا، وجادل بأن تلك القيود تمنح تفوّقاً إستراتيجياً للجيش الروسي على حساب قواته. وبينما كان البريطانيون والفرنسيون أكثر المتحمّسين لتأييد ذلك، إلا أن تردّد ألمانيا والولايات المتحدة، أصاب زيلينسكي بالإحباط.
ونقلت الصحف عن بيل تايلور، السفير الأميركي السابق لدى أوكرانيا، اعتقاده بأن قرار بايدن «سيفتح المجال الآن أمام الجيش الأوكراني لاستخدام صواريخ طويلة المدى بريطانية (ستورم شادو)، وفرنسية الصنع (سكالب)، وصلته بالفعل، وربّما حتى الحصول على صواريخ من ألمانيا أيضاً»، علماً أن هذه الأخيرة تنتج صواريخ مجنّحة من طراز «توروس»، يبلغ مداها 500 كيلومتر. وبرّر مطلعون على عملية صنع القرار في واشنطن، بأن إدارة بايدن أقدمت على هذه الخطوة بعد تردّد طويل حسَمه نشر آلاف من الجنود الكوريين لدعم روسيا في الحرب، وبعد وابل من الضربات الروسية المركّزة، نهاية الأسبوع، على المدن الأوكرانية وشبكات الطاقة، ما تسبّب في انقطاع التيار الكهربائي عن مناطق واسعة في جميع أنحاء البلاد. وتخشى الاستخبارات الأوكرانية من أن بيونغ يانغ قد تكون في وارد إرسال ما قد يصل إلى 100 ألف جندي لدعم القوات الروسية التي تتقدّم بشكل مطرد على طول جبهات القتال شرق أوكرانيا، في وقت تتعثّر فيه حملات نظام كييف للتجنيد، وتعاني قواته من نقص في الكوادر والعديد، وتردٍّ في المعنويات.
وكان الرئيس الأميركي قد سمح سابقاً للجيش الأوكراني باستخدام نظام صواريخ المدفعية قصيرة المدى، من طراز «هيمارس»، لضرب أهداف محدودة وراء الخطوط الروسية إلى جوار مدينة خاركيف الأوكرانية، لكن الحديث يدور الآن عن نظام الصواريخ التكتيكية الطويلة المدى (ATACMS)، والتي يصل مداها إلى حوالى 300 كيلومتر، ما سيضع مراكز القيادة والسيطرة الروسية والدفاعات الجوية والمطارات على الخطوط الأمامية في مرمى النار. ويرجّح خبراء أن نظام كييف سيستخدم هذه الصواريخ فور انطلاق هجوم تعدّ له موسكو لاستعادة منطقة كورسك الروسية التي نجحت القوات الأوكرانية في احتلال أجزاء منها، بعد اختراق في آب الماضي. وبحسب مصادر غربية، فقد حشدت روسيا ما يقرب من 50 ألفاً من قواتها، إضافة إلى حوالى 10 آلاف جندي كوري، لإنهاء الاختراق الأوكراني بصفة حاسمة.
قرأ كثيرون قرار بايدن بوصفه مناورة خبيثة من الإدارة الديموقراطية
وجاء أول تعليق من موسكو على القرار الأميركي، على لسان النائب الأول لرئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس الشيوخ الروسي، فلاديمير دزاباروف، الذي اعتبر الأمر «قفزة كبيرة جداً تجاه إشعال حرب عالمية ثالثة»، محذّراً من أن ردّ بلاده سيكون «فورياً». وفي أيلول الماضي، اعتبر الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أن استخدام أوكرانيا صواريخ غربية الصنع ضد أهداف روسية، سيعني «مشاركة مباشرة لدول الناتو (في الحرب)… هذا يعني أنهم في حالة حرب مع روسيا، ما سيغيّر بشكل كبير جوهر الصراع وطبيعته. وإذا كان الأمر كذلك، فسنتخذ قرارات بالسويّة نفسها». وثمّة خشية، الآن، من أن يقدِم الروس، على خلفية الخطوة الأميركية، على نقل حربهم إلى مستوى أقرب إلى النموذج الغربي في القتل، والذي يعتمد سياسة أرض محروقة لا توفّر مدنيين أو مباني عامّة أو مستشفيات، وأن يغلق الحدود والمجال الجوي ويقطع خطوط الإمداد. وقرأ كثيرون – بمن فيهم نجل الرئيس المنتخب دونالد ترامب – قرار بايدن، بوصفه مناورة خبيثة من الإدارة الديموقراطية التي استغلّت تردّي الحالة العقلية للرئيس، لاتخاذ قرار متهوّر يتحدّى خطوط روسيا الحمراء، وقد يدفعها إلى تصعيد نوعيّ لعمليتهما العسكرية في أوكرانيا، وربّما توسيع نطاقها ليشمل دولاً أخرى في الإقليم، وذلك استباقاً لتولّي ترامب مقاليد السلطة في الـ20 من كانون الثاني المقبل. وكتب دونالد ترامب جونيور، عبر منصة «إكس»: «يبدو أن المجمع الصناعي العسكري يريد التأكد من اندلاع حرب عالمية ثالثة قبل أن تتاح لوالدي فرصة إحلال السلام وإنقاذ الأرواح. يا لهم من بلهاء!». وكان ترامب قد شكّك، خلال حملته الانتخابية، في جدوى تقديم المزيد من المساعدات للنظام الأوكراني، وتعهّد بإطلاق وساطة لإنهاء الحرب فور انتخابه. وتأتي هذه المناورة التصعيدية أيضاً بعد مكالمة نادرة أجراها المستشار الألماني، أولاف شولتس، مع بوتين، يوم الجمعة الماضي، توقّع المراقبون أنها قد تفتح الباب أمام محادثات في شأن إنهاء الحرب، رغم انتقادات علنية من قِبَل زعماء فرنسا وبريطانيا وبولندا، كما وزير الخارجية الأوكراني، لها.
وفيما رحب وزير الخارجية البولندي، رادوسلاف سيكورسكي، بخطوة بايدن، واعتبرها، في تغريدة له على «إكس»، بمنزلة ردٍّ «بلغة يفهمها بوتين»، قال الرئيس الفنزويلي، نيكولاس مادورو، في خطاب له: «لقد وافقت حكومات تحالف الشرّ المقدس، الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وبريطانيا، لتوّها على السماح للمجرم النازي زيلينسكي باستخدام صواريخ بعيدة المدى لمهاجمة شقيقتنا روسيا. إن العالم يمرّ بلحظة حاسمة. لقد دخلت الإمبريالية الأميركية مرحلة الجنون». ومن جهته، وعلى هامش اجتماع «مجموعة العشرين» في ريو دي جانيرو في البرازيل، قال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، للصحافيين، إن «الأمم المتحدة لديها موقف ثابت جداً في ما يتعلّق بالتصعيد في الحرب الأوكرانية. نحن نريد تحقيق السلام تماشياً مع ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي». لكن رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، بدا عازماً على استخدام الاجتماع ذاته لحشد مزيد من التأييد لنظام كييف، إذ قال للصحافيين على متن طائرته المتّجهة إلى البرازيل، إن «أوكرانيا ستكون على رأس أولوياته في المناقشات مع زعماء العالم الآخرين»، مشيراً إلى أن ظهور جنود كوريين على الجبهة «يُظهر يأس روسيا، لكن أيضاً له تداعيات خطيرة على الأمن الأوروبي، ما من شأنه أن يوسّع دائرة الصراع، لتشمل إلى أوكرانيا المحيطَين الهادئ والهندي. ولذلك، فنحن بحاجة إلى مضاعفة دعمنا لأوكرانيا في هذه المرحلة». وأيده في موقفه الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، الذي قال إن الأولوية تظلّ بالنسبة إلى فرنسا «تسليح أوكرانيا ودعمها ومساندتها في المواجهة الجارية».
سيرياهوم نيوز١_الأخبار