- محمد منصور
- 7 حزيران 15:51
لم تتأثر، كما يبدو، خطط البحرية الروسية لاستلام قطع بحرية جديدة وتدشينها، فقد تسلمت أواخر أيار/مايو أول غواصة نووية من فئة “بوري – أيه”، والتي تمت تسميتها “كنياز فلاديمير”.
على عكس الولايات المتحدة و”إسرائيل” اللتين تناولنا في المقال السابق خططهما التسليحية في زمن كورونا، لم تتأثر الصناعات العسكرية في روسيا والصين بتداعيات تفشي الجائحة، بل تلقّت هذه الصناعات دفعة قوية إلى الأمام، وخصوصاً في روسيا.
أسطول المحيط الهادئ.. قطع جديدة بالجملة
لم تؤثر جائحة كورونا في الخطة التحديثية الضخمة التي شرعت فيها البحرية الروسية منذ فترة، من أجل رفع كفاءة أسطول المحيط الهادئ، الذي تأثرت جهوزيته القتالية بشكل متزايد خلال سنوات ما بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، وكان يتذيل دوماً قائمة أولويات التحديث العسكري البحري الروسي، إذ لم يتم تزويده سوى بقطعة بحرية جديدة واحدة خلال العقدين الماضيين.
الخطة الروسية تنقسم إلى قسمين. في القسم الأول، يتم التحديث الشامل لكل القطع البحرية الروسية في الأساطيل المختلفة (بحر البلطيق – بحر قزوين – البحر الأسود – بحر الشمال – المحيط الهادئ). وفي قسمها الثاني، يتم العمل على إدخال نحو 15 قطعة بحرية جديدة إلى هذا الأسطول بحلول نهاية العام الجاري.
يتضمن القسم الأول 3 برامج لتحديث القطع البحرية الأساسية في أسطول المحيط الهادئ، الأول يستهدف ترقية الكورفيتات الصاروخية من فئة “نانوشكا”، واستبدال صواريخها القديمة المضادة للقطع البحرية من نوع “ملاخيت” بالصواريخ الأحدث “أوران”، وهو ما سيضاعف قدرتها على استهداف القطع البحرية المعادية، لتصبح مسافة القتل القصوى 300 كيلومتر، بدلاً من 150 كيلومتراً قبل التحديث.
حالياً، تستمر عمليات تحديث 3 كورفيتات من هذه الفئة، ليتم ضمها إلى الكورفيت “سميرتش” الذي ينتمي إلى الفئة نفسها، والذي انتهت عملية تحديثه في آب/أغسطس الماضي، ويتوقع أن تخضع 7 كورفيتات أخرى من هذه الفئة تعمل في أساطيل البحر الأسود وبحر البلطيق وبحر الشمال لعمليات تحديث مماثلة مستقبلاً.
البرنامج الثاني يتعلق بتحديث المدمرات المضادة للغواصات من فئة “يودالوي”، التي يعمل منها في أسطول المحيط الهادئ 4 مدمرات، و4 أخرى في أسطول الشمال.
تشمل بنود التحديث، إضافة إلى أنظمة إدارة النيران والحرب الإلكترونية والاتصالات، تحديثاً شاملاً للمنظومة التسليحية الرئيسية الخاصة بمدمرات هذه الفئة، فقد كانت تعتمد في السابق على صواريخ “موسكيت” المضادة للقطع البحرية، تُضاف إليها منظومات للدفاع الجوي وإطلاق الطوربيدات وقذائف الأعماق.
التحديث الجاري حالياً يتضمن استبدال صواريخ “موسكيت” بصاروخ “أوران” البحري، إلى جانب صواريخ “كاليبر” الجوالة. بهذه الحزمة التحديثية، تصبح مدمرات هذه الفئة قادرة على ضرب أهداف ساحلية، وفي العمق البري، وهي قدرة لم تكن متوفرة لها سابقاً. وبهذا، أضيف إلى مهماتها كمدمرة مضادة للغواصات، القدرة على شن هجمات صاروخية دقيقة وبعيدة المدى.
في أواخر هذا العام، ستعود أولى المدمرات المحدثة من هذه الفئة، وتسمى “مارشال شابسوشنيكوف”، إلى الخدمة في أسطول المحيط الهادئ، على أن يتم الانتهاء من عمليات تحديث المدمرات الثلاث الأخرى في هذا الأسطول خلال المدى المنظور.
البرنامج الثالث والمهم للغاية هو برنامج تحديث الغواصات النووية من فئة “أوسكار 2″، والتي تعمل منها حالياً 8 غواصات في الخدمة بالبحرية الروسية، منها 5 غواصات في أسطول المحيط الهادئ.
برنامج التحديث الذي يستهدف إتمام تجهيز 4 غواصات من هذه الفئة على الأقل بحلول العام المقبل، ينص على تحديث التسليح الرئيسي لهذه الفئة من الغواصات، وهو عبارة عن 24 أنبوب إطلاق عمودياً لصواريخ “جرانيت” المضادة للسفن، بحيث تحتوى كل غواصة محدثة على ما يصل إلى 72 أنبوب إطلاق عمودياً تستطيع إطلاق صواريخ “أونيكس” البحرية وصاروخ “تسيركون” الفرط صوتي الجديد المضاد للقطع البحرية، إلى جانب صواريخ “كاليبر” الجوالة.
تتضمن الحزمة التحديثية لهذه الفئة من الغواصات أنظمة جديدة للسيطرة على الحرائق، إلى جانب منظومات مطورة للملاحة والاتصالات، وجهازي رادار وسونار جديدين، وقدرات أكبر على تنفيذ مهمات الحرب الإلكترونية. وتصل التكلفة المقدرة لتحديث كل غواصة من هذه الفئة إلى نحو 200 مليون دولار.
أما في ما يتعلق بالقسم الثاني من هذه الخطة التحديثية، والذي يتعلق بتصنيع وتدشين قطع بحرية جديدة كلياً لصالح أسطول المحيط الهادئ، فقد بدأت هذه العملية فعلياً، إذ تسلمت البحرية الروسية هذا الشهر كورفيت الصواريخ الموجه من فئة “20385”، ويجري بناء كورفيت آخر من الفئة نفسها.
كما أوشكت تجارب الإبحار الخاصة بكورفيتين صاروخيين جديدين من فئة “20385” على الانتهاء، تمهيداً لإدخالهما الخدمة في وقت لاحق هذا العام، بعد تزويدهما بصواريخ “تسيركون” البحرية الفرط صوتية.
إضافة إلى ذلك، تستمر عمليات بناء 5 غواصات من فئة “كيلو” المحدثة، لتنضم إلى غواصة واحدة فقط من هذه الفئة، تعمل حالياً في أسطول المحيط الهادئ، إلى جانب 6 غواصات أخرى في أسطول البحر الأسود، كما تبحث البحرية الروسية في الوقت الحالي في إمكانية تصنيع 5 غواصات من فئة “لادا”، لتدعيم أسطول المحيط الهادئ الذي يمتلك واحدة فقط من غواصات هذه الفئة.
ترسانة “أمور” البحرية، وهي الترسانة الرئيسية لأسطول المحيط الهادئ، تعكف حالياً على تصنيع عدد كبير من القطع البحرية الجديدة لصالح هذا الأسطول، منها 6 كورفيتات صاروخية من فئة “كاراكورت”، و10 كاسحات ألغام من فئة “إلكسندريت”، في حين تعمل ترسانة “يانتار” على إنهاء اختبارات الإبحار الخاصة بسفينتي الإنزال البحري من فئة “أيفان جرين”، بهدف إدخالهما الخدمة في أسطولي المحيط الهادئ وبحر الشمال في حد أقصى خلال العامين 2023 و2024.
قطع بحرية جديدة تنضم إلى الأسطول الروسي في زمن كورونا
لم تتأثر، كما يبدو، خطط البحرية الروسية لاستلام قطع بحرية جديدة وتدشينها، فقد تسلمت أواخر أيار/مايو أول غواصة نووية من فئة “بوري – أيه”، والتي تمت تسميتها “كنياز فلاديمير”.
هذه الفئة المحسنة من الغواصات النووية تعد تطويراً واسع النطاق لفئة الغواصات النووية الحاملة للصواريخ الباليستية “بوري”، التي يعمل منها حالياً في البحرية الروسية 3 غواصات.
الغواصة الجديدة انضمت إلى أسطول بحر الشمال، وتخطط البحرية الروسية خلال الفترة الممتدة بين الأعوام 2020 و2027، لتصنيع 6 غواصات أخرى من هذه الفئة.
تتميز هذه الفئة المحدثة من الغواصات ببصمة صوتية منخفضة مقارنة بالفئة الأقدم، وقدرات أفضل على المناورة، إلى جانب أنظمة حديثة لإدارة النيران، وتسليح ثقيل مكون من 16 صاروخاً عابراً للقارات من نوع “بولافا”، إلى جانب طوربيدات مضادة للغواصات.
سلاح الجو الروسي يستمر في التجارب والتطوير
في ظل تأثيرات جائحة كورونا، لم تتوقف القوات الجوية الروسية عن تنفيذ تجارب التحليق والتشغيل لأنظمتها الجوية والتسليحية، فقد أجرت خلال الأسابيع الماضية تجربة فريدة لتحليق مقاتلة الجيل الخامس “سوخوي 57″، باستخدام نظام “الطيار الآلي” الذي يُستخدم في الطيران المدني.
كذلك، أُجريت تجربة وصفت بالناجحة لصاروخ فرط صوتي جديد لم يتم الإعلان عن ماهيته بالتحديد، وذلك باستخدام القاذفة الاستراتيجية المحدثة “توبوليف-22 أم 3”.
لم تغب الجوانب التسويقية عن ذهن المؤسسات الصناعية العسكرية في روسيا، فقد بدأت شركة “في بي كي” للصناعات العسكرية بتسويق منظومة الهاون الذاتية الحركة “أم زد 204″، من عيار 120 مليمتراً، التي انتهت للتو من التجارب الميدانية عليها.
وتتميز هذه المنظومة بأنها أوتوماتيكية بشكل كامل، ما يسمح بتواجد الطاقم داخل العربة، وتحديد الارتفاع وزاوية الإطلاق، مع وجود نظام للتلقيم الداخلي للمدفع، وإمكانية تلقي إحداثيات دقيقة للأهداف، مباشرة من الطائرة المسيرة.
وبسبب هذه الذهنية، لم يكن مستغرباً أن يتم توقيع صفقات تسليحية بين موسكو ودول أخرى، رغم الظروف القائمة حالياً حول العالم، فقد أعلنت وزارة الدفاع الإندونيسية في أواخر آذار/مارس، عن توقيعها صفقة بقيمة 286 مليون دولار أميركي، تزودها موسكو بموجبها بنحو 79 مدرعة برمائية من نوع “بي تي – 3 أف”، لتخدم ضمن قوات مشاة البحرية الإندونيسية.
الصين تحاول اللحاق بموسكو
بكين التي أعلنت عبر مسودة تم نشرها في 22 أيار/مايو أنها ستزيد إنفاقها الدفاعي بنسبة تتراوح بين 6 و7 في المائة، تحاول استغلال نفوذها العسكري في أفريقيا، من أجل تدعيم تموضعها الحالي في مواجهة الولايات المتحدة، فقد سرعت بشكل كبير من تحركاتها في مسار برنامجها لتصنيع أول قاذفة فوق صوتية محلياً، وهو برنامج القاذفة “جيان – أتش 20″، التي يتوقع أن يتم الكشف عن نموذجها الأول في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، وهو موعد مبكر جداً عن التقديرات التي كانت تشير إلى أن هذا البرنامج الذي تم الإعلان عنه بشكل رسمي في العام 2016، لن يصل إلى نتيجة ملموسة إلا في العام 2025.
في حال تم الإعلان بشكل رسمي عن النموذج الأول لهذه القاذفة، فإنه سيمثل إضافة عملاقة إلى سلاح الجو الصيني، الذي سيضيف قدرة الردع النووية الجوية إلى مجمل القدرات التي يمتلكها، وهي قدرة لا تمتلكها حول العالم سوى روسيا والولايات المتحدة.
على المستوى البحري، دخلت إلى الخدمة في البحرية الصينية خلال شهر نيسان/أبريل الماضي غواصتان نوويتان استراتيجيتان جديدتان من فئة “جيان”، من دون أن يتم تدشين ذلك بصورة علنية، وانضمتا إلى 4 غواصات أخرى من الفئة نفسها تعمل حالياً في البحرية الصينية.
تتميز هذه الفئة من الغواصات بقدرتها على إطلاق 12 صاروخاً باليستياً عابراً للقارات من نوع “جي أل – 2″، والتي يبلغ مداها نحو 7200 كيلومتر، وتستطيع حمل ما بين رأس و3 رؤوس نووية.
اللافت في هذا الصدد أن هذه الغواصات ستكون قادرة على إطلاق النسخة الأحدث من هذه الصواريخ، المسماة “جي أل – 2 أيه”، ذات المدى الأكبر، التي ستمتلك القدرة نظرياً على استهداف الأراضي الأميركية، انطلاقاً من القاعدة البحرية في جزيرة هاينان.
بحرياً أيضاً، لم تقم البحرية الصينية بتأجيل اختبارات الإبحار والتشغيل على حاملة الطائرات الثانية في أسطولها (والأولى التي يتم تصنيعها محلياً)، المسماة “شاندونغ”، حيث أبحرت أواخر أيار/مايو من ترسانة “داليان” لبناء السفن في اتجاه عرض البحر، لإجراء اختبارات أخيرة تتضمن إقلاع الطائرات وهبوطها على متنها.
الصفقات الخارجية لم تغب عن الصناعات العسكرية الصينية، فقد تسلم الجيش النيجيري في 8 نيسان/أبريل الماضي دفعة جديدة من الصفقة الضخمة التي أبرمها الجانبان العام الماضي، بقيمة 152 مليون دولار.
وقد تضمنت هذه الدفعة دبابات ثقيلة من نوع “في تي – 4″، ومنظومات مدفعية ذاتية الحركة من نوع “أس أتش – 5″، ودبابات خفيفة من نوع “إس تي – 1”.
تسليم هذه الأسلحة إلى نيجيريا في مثل الظروف القائمة، كان دليلاً ملموساً على أن وتيرة التصنيع العسكري الصيني، وخصوصاً في ما يتعلق بتلبية الصفقات التي تم إبرامها بالفعل، لم تتأثر بتفشي جائحة كورونا في البلاد
(سيرياهوم نيوز-الأخبار)