سعيد محمد
لندن | أفادت مصادر في مجلس العموم البريطاني بأن الحكومة بدأت بتعليق إصدار تراخيص تصدير السلاح إلى إسرائيل، وذلك ريثما يقوم الوزراء المعنيون بمراجعة السياسة الرسمية في هذا الشأن. وفي حين أن ديفيد لامي، وزير الخارجية في الحكومة الجديدة التي شكّلها «حزب العمل»، لم يتّخذ بعد قراراً نهائياً، فإن صحيفة يهودية تصدر في لندن ادّعت بأن إدارات حكومية توقّفت بالفعل عن منْح التصاريح بصفة غير معلنة، فيما يتلقّى مقدّمو الطلبات إجابة مؤتمتة تقول: «هذا الطلب معلّق في انتظار مراجعة السياسة». وكان لامي قال، في أول يوم له في منصبه وزيراً للخارجية، الشهر الماضي، إنه طلب تقديم مشورة قانونية جديدة في شأن التزام إسرائيل بالقانون الدولي، وأبلغ نواب مجلس العموم بأن «إعداد تلك المشورة قيد الإنجاز»، متعهّداً بإطلاعهم في أقرب وقت ممكن على هذه «المسألة الخطيرة للغاية».لكنّ ناطقاً باسم وزارة التجارة والأعمال علّق على الأمر، بالقول: «لم يطرأ أيّ تغيير على نهج الحكومة تجاه إصدار تراخيص التصدير إلى إسرائيل»، مشيراً إلى أن وزارته «تواصل مراجعة الطلبات على أساس كل حالة على حدة، ودائماً وفقاً لمعايير ترخيص التصدير الإستراتيجية»، مع تشديده على «ضرورة الوفاء بالتزاماتنا القانونية المحلية والدولية، عندما يتعلّق الأمر بصادرات السلاح تحديداً». ومن جهتهم، يدعم نواب في مجلس العموم عن «الحزب القومي الإسكتلندي» و»الديمقراطيون الليبراليون»، وكذلك نواب مستقلون، وقف تصدير السلاح إلى إسرائيل، في ظلّ استمرار حرب الإبادة على قطاع غزة. وتقود منظمات مدنية مِن مِثل «الحملة ضدّ تجارة الأسلحة»، وأيضاً منظمة «عالم أكثر أماناً»، ضغوطاً إعلامية على الحكومة، إذ تخشى خطر «تورّط» المملكة في انتهاكات للقانون الإنساني الدولي.
وتفرض المملكة المتحدة حظراً على تصدير السلاح إلى كل من إيران وكوريا الشمالية، وتلتزم أيضاً بالعقوبات الدولية والأميركية على سوريا وفنزويلا وروسيا، والتي تتضمن حكماً حظراً على بيع السلاح وشرائه. وكانت حكومة «حزب المحافظين» السابقة تجاهلت الضغوط المحلية والشعبية، وقررت في مراجعات سابقة (كانون الأول 2023، ونيسان 2024) عدم تعليق التصاريح القائمة، أو تعليق تصدير تراخيص سلاح جديدة إلى إسرائيل. وفي هذا الجانب، دافع وزير التجارة والأعمال السابق، كيمي بادينوش، عن قراراته تلك على أساس أنه «لا يوجد في الوقت الحاضر أيّ خطر واضح من أن المواد المصدّرة إلى جيش الدفاع الإسرائيلي قد تُستخدم لارتكاب أو تسهيل انتهاك خطير للقانون الإنساني الدولي».
صدَّرت المملكة المتحدة، منذ عام 2008، أسلحة تزيد قيمتها على 576 مليون جنيه إسترليني إلى إسرائيل
وبحسب تقرير صادر عن لجنة متخصّصة في مجلس العموم البريطاني، فإن المملكة صدَّرت، منذ عام 2008، أسلحة تزيد قيمتها على 576 مليون جنيه إسترليني إلى إسرائيل، فيما منحت لندن بين 7 تشرين الأول من العام الماضي ونهاية أيار من هذا العام، 42 ترخيصاً لتصدير السلاح إلى إسرائيل، وفقاً لأرقام رسمية. لكنّ انخفاضاً حاداً في قيمة تصاريح بيع السلاح إلى إسرائيل حدث بداية من حزيران الفائت، وهو «أدنى مستوى لها منذ 13 عاماً». ولعل مردّ ذلك، إلى الكشف عن تلقّي حكومة ريشي سوناك السابقة مشورة قانونية من محاميها خلصت فيها إلى أنه في حال ثبت ارتكاب الكيان الإسرائيلي لجرائم حرب في غزة، فسيتعيّن تعليق تراخيص التصدير لتجنب خطر اتهام المملكة بالتواطؤ في انتهاكات للقانون الدولي.
ولا تتوفّر للعموم معلومات عن حجم الصادرات قبل عام 2008، كما أنها لا تشمل صادرات غير تجارية قد ينقلها الجيش البريطاني مباشرة من مستودعاته إلى قواعد الجيش الإسرائيلي، وهو ما تكرّر في أوقات مختلفة منذ السابع من أكتوبر. لكنّ مصادر متخصّصة قالت إن بريطانيا تصدّر بشكل دوري إلى إسرائيل قطع غيار للطائرات المقاتلة الأميركية الصنع من طرازات «إف-15» وإف-16» و»إف-35»، فضلاً عن تقنيات رادار عسكرية متقدّمة، ومعدات للحرب الإلكترونية. ويستخدم سلاح الجو الإسرائيلي، طائرات «إف-35» الأكثر تطوراً في العالم لقصف أهداف مدنية في القطاع بقنابل تزن أكثر من 2000 طن، فيما تخترق طائرات «إف-15» و»إف 16» سماء لبنان وسوريا واليمن والعراق بشكل روتيني.
وعلى الرغم من تفاؤل بعض الجهات بتعاطف قطاعات في «حزب العمل» الحاكم مع الدعوات إلى وقف تصدير السلاح إلى الكيان، حتى زعم البعض بأن الحكومة الجديدة قد تصدر قراراً في ذلك الاتجاه في وقت لا يتجاوز نهاية الصيف الحالي، فإن مطّلعين على مداولات داخل قيادة الحزب، تحدّثوا عن جدل بين مختلف التيارات حول ضرورة التفريق بين أسلحة دفاعية وأخرى هجومية، عند نظر الفريق الحكومي في اتخاذ هكذا قرار. واتّهم نشطاء مناهضون لحرب الإبادة التي تشنها إسرائيل ضد الفلسطينيين، الحكومة البريطانية بتعمّد تأخير اتخاذ القرار، ليتسنّى لتل أبيب استكمال أهدافها في غزة.
وندّدت «الحملة ضد تجارة الأسلحة» بما اعتبرته فشل الحكومة في التعبير بوضوح عن الموقف الحالي لنظام ترخيص تصدير الأسلحة في المملكة المتحدة في شأن مبيعات السلاح للكيان، «ما يسهّل فرص الإفلات من العقاب على جرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين، وبما يتعارض أيضاً مع المصلحة العامة لبريطانيا، ويتناقض مع مسؤولياتها الأخلاقية والقانونية الواضحة في ضرورة حجب العون عن مرتكبي الإبادة الجماعية الإسرائيلية في قطاع غزة، كما الاحتلال العسكري غير القانوني للضفة الغربية – بما في ذلك القدس الشرقية -، ونظام الفصل العنصري ضد جميع الفلسطينيين»، وفق بيان صدر عن الحملة.
سيرياهوم نيوز١_الاخبار