الرئيسية » ثقافة وفن » تراث الأدب المهجري يعود إلى المكتبة … أدباء الأدب المهجري أكثر من الأسماء المشهورة والمعروفة

تراث الأدب المهجري يعود إلى المكتبة … أدباء الأدب المهجري أكثر من الأسماء المشهورة والمعروفة

إسماعيل مروة

 

مذ كنا طلاباً ونحن نسمع ونقرأ أدب المهجر، ولكن المناهج والكتب عززت وجود عدد قليل من الشعراء المبدعين أمثال جبران والقروي ونعيمة وفرحات وعريضة وصيدح، وأزعم أن هذه الأسماء هي المطوّبة في أدب المهجر، وأكثر صفحات هذا الأدب منسية وغير معروفة، وقد تفضّل الدكتور الطبيب حسان قمحية ابن مدينة حمص بإرسال كتبه التي أنجزها عن المهجر وأدبائه، وعلى الرغم من تخصصي وقراءاتي فإن ما وصلني أذهلني بحق، فعدد من الأدباء لم أكن قد سمعت بإنتاجهم، وعدد لم أكن أظن إنتاجهم بهذا الحجم، فأشعرني ما رأيت بالخجل من جهلي الكبير، ودهشت وأنا أتابع أسماء الأديبات المهجريات، فأسهمت هذه الكتب في جلاء صورة الأدباء المهجريين السوريين، ومكانة المرأة الأديبة.

 

العناية وأسبابها

 

حين سمعت باسم واحد من هذه الكتب لم أقابله بما يستحق من حماس، وأنا لم أقرأه، وحين وجدت هذا الكم من الكتب التي تعتني بالأدب المهجري والتي جاوزت العشرين من الدواوين تساءلت عن سرّ هذا الاهتمام، وعن هذا الكمّ من الإصدارات الذي تعجز عنه مؤسسة من الباحثين، وحين تواصلت مع المؤلف الطبيب قال لي: «وضعني ظرف أمام قراءة أطروحة عن الأدب المهجري لزميل لي، فوجدت أن الحديث يدور حول عدد من الأعلام، وكلهم من لبنان الشقيق، وأنا أعرف دور السوريين في المهجر، ما دفعني لوضع خطة بحث عن أعمال الأدباء المهجريين السوريين، فتواصلت مع الأسر، ومع المكتبات الكبرى في سورية وخارجها، فوجدت كماً كبيراً من الأدب، إما أنه لم يجمع، وإما جمع جمعاً غير تام، واستعنت بالمجلات والدوريات والأصدقاء، فكانت النتيجة الأولى لهذه الأبحاث ما أصدرته من إنتاج المهجريين السوريين.. وعرفت في بحثي أهمية المرأة الأديبة السورية في المهجر، وجمعت نتاج عدد من الأديبات».

 

ولننظر إلى النتاج الذي أصدره الدكتور قمحية:

 

ديوان حسني غراب- ديوان نصر سمعان- ديوان بدري فركوح- ديوان ندرة حداد- ديوان بترو الطرابلسي- ديوان صبري أندريا- ديوان ميشيل مغربي- ديوان جميل حلوة- ديوان نسيب عريضة- ديوان نبيه سلامة- ديوان موسى الحداد- ديوان يوسف صارمي- ديوان عبد المسيح حداد- ديوان علي محمد عيسى- ديوان عبد اللطيف اليونس- ديوان محمود صارمي- ديوان الشاعرة سلوى سلامة- ديوان أمين مشرق – ديوان توفيق فخر.

 

إضافة إلى أدباء وشعراء مهجريين منسيين (داود شكور- جورج أطلس- حسني عبد الملك).

 

وقد طبعت هذه المكتبة المهجرية في مكانين: حمص دار الإرشاد، اللاذقية دار الحوار، وهما عريقتان في الكتاب ونشره، لكن هذه المكتبة على أهميتها لم تصل إلى الشريحة المستهدفة من قرّاء ومتخصصين ومهتمين، وليتها أخذت حقها من الاهتمام والإعلان والذيوع، وإلا فسيكون هذا الجهد، على ضخامته غير مقدر، ويمكن أن يضيع في صفحات الزمن كما ضاعت أشعاره من قبل في الصحف التي توقفت وضاعت، وفي صدور الورثة والذين بقوا بعدهم، ولم يعملوا على نشر الشعر، والمحافظة على أسماء هؤلاء المبدعين.

 

منهج هذه المكتبة

 

مكتبة مهجرية متكاملة يقوم عليها شخص واحد، بجهد كبير ليضع هذه الكنوز الأدبية والمعرفية بين أيدي الباحثين، وقد وضع في الكتب كلها عبارة موحية دالة: الجمع والاعتناء والضبط، ولم يدّع الدكتور حسان فوق ما قدمه، مع أنه في أغلب هذه الكتب قدّم دراسات ذات قيمة عن حياة كل أديب أو أديبة وموضوعاته، وبعض الشعراء خصهم بدراسات في أشعارهم وقد عبّر عن صنعه بقوله: «هناك دواوين متفرقة لم تجمع من قبل، قمت بجمعها، واستدركت عليها ما وصلت إليه من أدب وشعر نشر في مرحلة تالية للدواوين المفردة لتكون الأعمال كاملة، والذين لم يسبق جمع أشعارهم قمت بجمعها من الصحف والمجلات، وعززت نسبة أشعار لأصحابها وإن كانت منشورة مغفلة من الاسم لأسباب عديدة» وفي كل ديوان من الدواوين التي جمعها وضع فهرساً مميزاً لمطلع كل قصيدة من القصائد مبيناً الوزن العروضي لهذه القصيدة وما فيها من جوازات وغير ذلك.. وقد يقف واحد عند هذا الكم فيستغربه لكثرته، ولأنه يحتاج إلى جهود دارسين كثر، ولكن قضية الجمع تسوّغ للباحث ما قام بصنعه، فهو لا يدّعي صنعة الدواوين، وإنما قام بجمعها وضبطها والاعتناء بها، ويشير في عدد كبير من القصائد إلى أن شعراءها لم يعنونوها، واختار لها عنواناً يناسب سياق القصيدة.

 

الأهمية لهذه المكتبة

 

من خلال العمل واحتكاكي بطلاب الدراسات العليا الذين يختارون موضوعاتهم، أجد الحيرة كبيرة بينهم حول الموضوع والأديب الذي سيبنون الدراسة حوله، وفي الأدب المهجري أؤكد ما قاله الدكتور حسان قمحية بأن الأفكار تدور حول عدد محدد من الأدباء لا تغادرهم، فعشرات من الأبحاث أُنشئت حول جبران ونعيمة، وهما يستحقان أكثر، وأكثر التمثيل للأدب المهجري يكون من خلالهما، ولكن هذه المكتبة الفنية الموثقة تضع بين أيدي الدارسين كنزاً من الأدب والشعر خاصة، وتفتح المجال واسعاً أمامهم لاختيار موضوعات لم تدرس، وما تزال أرضها بكراً، ولن يجد الباحث صعوبة في بحثه، فالمصدر الأول وهو شعر الشاعر وحياته موجود أمامه وموثق، ما يحرق مسافات قد تضيع من عمره في جمع ما تفرّق في الصحف والمجلات.. وللحقيقة، وكما أسلفت فإن هذه المكتبة تمثل إضافة مهمة لأن المصدر الأساسي موجود، ولا يستطيع واحد أن يكابر بما في ذلك الذين تخصصوا في الأدب المهجري بأن أسماء وأشعاراً ودواوين تطرق أسماعهم للمرة الأولى ضمن هذه المكتبة.

 

ومن أهميتها التي وقفت عندها بعد استعراض الكتب التي وصلتني:

 

1- إعادة الاعتبار للأدباء السوريين الذين شاركوا في النهضة الأدبية في المهجر.

 

2- إثبات وجود الثقافة واللغة لدى كثيرين منهم، وقبل مغادرتهم أرض الوطن إلى المهجر، وليس صحيحاً ما يشاع عن غياب الثقافة والاقتراب من الأمية.

 

3- تأكيد الهوية العربية والسورية لهؤلاء الشعراء الذين ارتبطوا بقضايا الأمة وهمومها، وهم في المهجر بعيداً عن أوطانهم.

 

4- وضع المرأة السورية الأديبة في مكانتها، وإظهار تفوقها.

 

5- بيان دور الإعلام في التحفيز على الإنتاج والنشر وإيصال الأدب إلى مراتب عليا.

 

6- دور الصحف والدوريات في الإبقاء على جذوة الأدب، وفي الاحتفاظ به ليكون للأجيال القادمة.

 

هذه الأشياء وغيرها مما لم أعرفه تظهر أهمية المكتبة المهجرية، وأهمية إخلاص الدكتور قمحية للمهجر دون سواه، ومع تشعب جهوده وأعماله، إلا أن السمة المهجرية هي التي صبغته بصبغتها، وقد أشار إلى أن هذا المشروع لا يزال في أطوار لم تكتمل، إذ لديه مشروعات أخرى عن أدباء المهجر يعمل على إعدادها وتوثيقها لتصدر وتكمل صورة الأدب المهجري الذي لم يحظ بالإنصاف والدراسات الجادة إلى يومنا هذا.

 

دعوة للكشف والإنصاف

 

في إحدى مقدماته لدواوين الشعراء يذكر الدكتور قمحية غايته بقوله:

 

«لاشك عندي أن عدد الأدباء والشعراء المهجريين السوريين أكبر بكثير مما ذكره الأديب والشاعر جورج صيدح في كتابه أدبنا وأدباؤنا في المهاجر الأميركية، فقد ذكر أن عدد الذين درسهم في ذلك الكتاب ثلاثون أديباً، ويمكن الاطلاع على بعض المجلات والصحف المهجرية، وهي كثيرة تصل إلى نحو 180 مجلة، ليتبين مصداق ذلك، كما أن بعض كتب المهجر تشير إلى أدباء لم يذكروا أو أغفلوا في ذلك الكتاب».

 

هذا النقل فيه ما فيه من النيات الحسنة في إنصاف الأدباء السوريين، ويؤكد أن الأديب السوري على الزمن لا يلقى هذا النوع من الإنصاف، لأن الترويج تمّ في خدمة عدد من الأدباء اللبنانيين بالدرجة الأولى، بينما ضاع أغلب الأدباء المهجريين السوريين في صفحات النسيان، وهو هنا لا يعطي حكم قيمة ولا يفضّل هؤلاء، ولا ينفي عن الذين وصلتنا أخبارهم وأشعارهم صفة التميز، ومما لاشك فيه بأن جبران ونعيمة من الأدباء العالميين المتميزين، وقد لا يدانيهما الأدباء الآخرون، ولكن من الظلم ألا يذكر هؤلاء، وهذا حقهم، ففي تاريخنا المحلّقون والأقل، والطبقات، وشعراء الواحدة، وبالقياس إلى ذلك من حق هؤلاء الذين ارتبطوا بسورية وتاريخها ومجّدوها أن نحفظ أشعارهم من النسيان، وليس ذنب أولئك الأدباء أنهم لم يصلوا إلينا بسهولة، ولم تحصل أسماؤهم على حقها من الذيوع، فأسماء كثيرة وصلت وتعملقت بإبداعها بلا ريب، وبوجود شبكة من العلاقات والمحبين والمريدين، بل المتعصبين لهم على حساب الآخرين، وما من قارئ لا يعرف تلك الخصومة بين أدباء المهجر الجنوبي والمهجر الشمالي ولأسباب وجيهة، ووجد شعراء المهجر الشمالي وتوجهاتهم من يعمل على حملها والسير بها، إضافة إلى أن المناهج الدراسية لم تعمل على نبش الأوراق، واستسهل مؤلفوها تناول المتاح المشتهر.

 

دور الصحافة

 

استوقفتني هذه المكتبة طويلاً لتظهر دور الصحافة في الحركة الأدبية وازدهارها، وفي الحقبة الزمنية نفسها في المشرق، فالصحافة هي الحامل الأساسي للازدهار الثقافي والمعارك الأدبية، ولنشر نتاج الأدباء، وقد رأيت أن عدداً لا يستهان به من أدباء المهجر نشر أشعاره في الصحف لكنه لم يجمعها، أو لم يسعفه الزمن، فشكلت الصحافة الحاضن للحركة الثقافية والأدبية والحافظ لها، فأمكن للباحث أن يجد ضالته فيها ولو كلفه ذلك الوقت والجهد.

 

أخيراً

 

إن ما قدّمه الدكتور حسان قمحية في المكتبة المهجرية هو جهد مؤسسة متكاملة، من حيث الجهد والمتابعة، ومن حيث الطباعة والمادة والتكاليف، ولابد من شكر هذه الجهود والتضحيات التي بذلها ليقدم صورة أولى للدواوين الشعرية المهجرية لشعراء سوريين كانوا متفردين في ثقافاتهم ونتاجاتهم، حبذا لو خضعت هذه المكتبة للنقاش والتقويم والدراسة، لأنها تشكل وبحق مصدراً أساسياً للشعر المهجري، ولا أجد عذراً لدارسي الأدب العربي الحديث، ولدارسي الأدب المهجري بعد أن جاء من جمع هذه الثروة الأدبية ووضعها بين أيديهم ليعيدوا قراءة هذه المرحلة، وليكتشفوا أدباء سورية الذين حاول معاصروهم تجاهلهم في الدراسات التي قدمت عنهم، كما رأينا في إشارة الدكتور قمحية إلى دراسة جورج صيدح.

 

لا يكفي أن نضع خبراً هنا أو هناك عن صدور كتاب، ولابد من الوقوف عند هذه المكتبة الكبيرة بكثير من الدراسة والتمحيص، لنعيد الاعتبار لأدبائنا.

 

سيرياهوم نيوز1-الوطن

x

‎قد يُعجبك أيضاً

وإنّما أولادُنا بيننا.. أكبادُنا تمشي على الأرضِ … في يوم الطفل العالمي.. شعراء تغنوا بالطفولة

  قد تجف أقلام الأدباء وتنضب أبيات الشعراء ولا ينتهي الحديث عن جمال الأطفال وذكريات الطفولة في عمر الإنسان؛ فالطفولة عالم مملوء بالحب والضحك والسعادة، ...