| سرى جياد
بغداد | بعدما بلغ التوتّر مداه خلال الأيام الماضية في العراق، بدا للطرفَين المنخرطَين في المواجهة أنها هي الأخرى تُواجه أفقاً مسدوداً، تماماً مثلما واجهت العملية السياسية انسداداً دفَع الأطراف إلى الشارع. وإذ لم يُسجَّل أيّ تراجع في المواقف، ولا خطوات عملية نحو الحوار، فإن مجرّد انسحاب أنصار «التيار الصدري» من مجلس النواب، وخروج متظاهري «الإطار التنسيقي» في المقابل من محيط «المنطقة الخضراء»، أوحى بإمكانية العودة إلى البحث عن حلّ سياسي، مع أخذ التطوّرات الأخيرة في الحسبان، بمعنى عدم العودة إلى طرح الحكومات التوافقية وفق الصيغ السابقة، ولا حكومة الغالبية، وصولاً إلى تداول تعديلات محتمَلة على النظام السياسي
حتى بعدما اتّضح أن الأحداث في العراق ليست ذاهبة في اتّجاه المواجهة المسلّحة أو الفوضى، سيكون للتطوّرات الأخيرة تأثير كبير على أيّ حوار مقبل لحلّ الأزمة. وربّما يكون ذلك قد أسهم في التهدئة؛ إذ يرى زعيم «التيار الصدري»، مقتدى الصدر، أن موقعه التفاوضي بعد النزول إلى الشارع، تَعزّز عمّا كان عليه قبله، فيما تَراجع موقع خصمه رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، الذي لم تُجارِه كلّ قوى «الإطار التنسيقي»، بل إن بعضها وقف في الوسط، وأسهم في جهود التهدئة. لكن أهمّ ما تشير إليه نتائج تطوّرات الأيام الماضية في بلاد الرافدين، هو فشل الرهان الأميركي – السعودي – الإماراتي على اقتتال داخلي يرمي كرة نار عراقية بين يدَي إيران، التي استطاعت احتواء هذه المحاولة من خلال ترْك الأمر للعراقيين بأنفسهم لحلّ أمورهم العالقة، باعتبار أن جميع الأطراف أدركت بالمحسوس أن أيّ محاولة لتغيير التموضع الإقليمي للعراق، لها كلفة عالية جداً، وغالباً لن تكون في مصلحة مَن يحاول تغيير هذا التموضع.
ويؤكد القيادي في «ائتلاف النصر» الذي يتزعّمه رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، عقيل الرديني، لـ«الأخبار»، أنه «فعلاً هناك هدوء نسبي، بعد موجة التظاهرات والاحتجاجات»، لافتاً إلى «انسحاب المتظاهرين الذين حشدهم الإطار التنسيقي من محيط المنطقة الخضراء، مقابل انسحاب متظاهري التيار الصدري من داخل البرلمان»، مضيفاً إن «مبادرة رئيس الوزراء تضمّنت نقاطاً عدّة لاقت ترحيباً إقليمياً ودولياً وداخلياً، وهي تقوم على تشكيل لجنة من جميع الكتل السياسية، والجلوس إلى طاولة الحوار والتفاوض من أجل حلحلة المشكلات، وإنتاج مشروع سياسي واضح فيه خدمة للعراق وخدمة للجميع». ويشير الرديني، الذي يشارك ائتلافه في جهود التسوية، إلى «أننا ننتظر صلاة الجمعة الموحّدة في ساحة الاحتفالات، وما يتمخّض عنها من مطالب للتيار الصدري».
في المقابل، وعلى رغم استمرار رفعه السقف، بقوله إنه «لا فائدة تُرتجى من الحوار معهم»، أكّد الصدر، في كلمة مساء أمس، أنه لن يريق الدماء «حتى لو أقدموا هم على ذلك. وأنا مستعد للشهادة من أجل الإصلاح»، معلِناً أنه لم يقرّر بعد خوض الانتخابات الجديدة من عدمه. ويقول الباحث السياسي القريب من «التيار الصدري»، غالب الدعمي، لـ«الأخبار»، إن «المشهد بدأ يختلف شيئاً فشيئاً. ونتأمّل أن يكون الحلّ قبل صلاة الجمعة. وقد ينسحب المتظاهرون إذا وصلنا إلى حلّ مناسب، بتحديد موعد انتخابات جديدة. وهذا ما نحن في أمسّ الحاجه إليه»، مضيفاً إن «السيد هادي العامري الآن مخوّل من الإطار التنسيقي، وهو يملك رؤية أفضل من الجميع في الإطار. وبما أنه تمّ تخويله، فأعتقد أنه سيتم حلّ الإشكال قريباً. التيار الصدري يرى أنه خسر الكثير من حقوقه كونه كان يمتلك الكتلة الأكبر، ولكن ضغط أجزاء من الإطار دفع بالمشهد السياسي إلى التعقيد». وعن موقف المرجعية المتمثلة بآية الله السيد علي السيستاني من التطوّرات، يوضح الدعمي أن «المرجعية تنصح فقط، ولا تتدخّل في العلاقات بين الأحزاب السياسية، وهي مقتنعة بأن هذه الأحزاب لا تصلح لإدارة البلد، ودورها إرشادي لا أكثر، وهي يومياً تدعو إلى الإصلاح، لكنهم لا يسمعون».