آخر الأخبار
الرئيسية » كتاب وآراء » ترامب – إردوغان – نتنياهو.. بين التكتيك والاستراتيجية

ترامب – إردوغان – نتنياهو.. بين التكتيك والاستراتيجية

 

حسني محلي

 

مع اختلاف التحليلات الخاصة بنتائج زيارة نتنياهو المفاجئة إلى البيت الأبيض ولقائه الرئيس ترامب حقّق الكيان العبري اختراقاً مهماً في المنظومة القانونية الدولية بزيارة نتنياهو إلى العاصمة الهنغارية بودابست (مع التذكير بدورها في عملية بيع البيجر لحزب الله)، وبدعوة خاصة من رئيس وزرائها فيكتور آوربان.

 

وتهرّبت أنقرة من التعليق على هذه الزيارة المهمة وكأنها لم تحدث طالما أن آوربان صديق مقرّب جداً للرئيس إردوغان ومن أهم حلفائه في أوروبا التي “تكنّ العداء لتركيا” لأسباب عديدة أهمها الذكريات التاريخية.

 

يضاف إلى ذلك أنّ آوربان يفتخر بأنه وغالبية الشعب الهنغاري من أصول تركية، ليكون ذلك سبب انضمامه لمجموعة الدول الناطقة بالتركية بصفة مراقب، ليحضر كلّ سنة قمة دول المجموعة وهي تركيا وتركمنستان وقرغيزيا وأوزبكستان وأذربيحان بالإضافة إلى كازاخستان وجمهورية شمال قبرص التركية التي لا تعترف بها حتى هذه الجمهوريات ذات الأصل بل لها سفارات في جمهورية قبرص المعترف بها دولياً ويمثّلها القبارصة اليونانيون.

 

وأما تحالف الرئيس الأذربيجاني إلهام عالييف ذي الأصل التركي مع الكيان الصهيوني فهو الأهم طالما أنّ أذربيجان تغطي كلّ احتياجات “إسرائيل” من البترول الذي يصل حيفا بواسطة السفن التركية التي تنقل هذا البترول من جنوب تركيا ويصله البترول الأذربيجاني بواسطة الأنابيب الممتدة من باكو إلى ميناء جيهان على الأبيض المتوسط.

 

وتتنافس أنقرة بعد سقوط النظام في دمشق مع “تل أبيب” على سواحله الغنية بالبترول والغاز الموجود قبالة “إسرائيل” وسوريا ولبنان وجزيرة قبرص التي سبق لها أن وقّعت ومعها اليونان على العديد من اتفاقيات التحالف العسكري والاستخباراتي مع الكيان الصهيوني. وبات واضحاً أنّ رئيس وزرائه نتنياهو قد بحث مع الرئيس ترامب مجمل التفاصيل الخاصة بالمرحلة المقبلة الخاصة بتقاسم الأدوار بين أنقرة و”تل أبيب” في سوريا ولاحقاً المنطقة عموماً.

 

وهذا ما أشار إليه ترامب حيث قال مخاطباً نتنياهو “يا بيبي إذا كانت لديك أيّ مشكلة مع تركيا أعتقد أنني أستطيع حلّها. وأتمنى أن لا تكون هناك أي مشكلة مع إردوغان وعليك أن تتصرّف منطقياً، “وبعد أن تطرّق إلى علاقته الشخصية مع الرئيس إردوغان حيث قال مفتخراً” لديّ علاقة رائعة مع رجل يُدعى إردوغان، أنا معجب به وهو معجب بي. وقد سبق لي أن هنّأته بعد أن استولى على سوريا بواسطة وكلائه وقلت له ‘لقد حقّقت ما عجز الآخرون عن فعله طيلة ألفي عام وأخذت سوريا وأياً كان اسمها في الماضي. وهو نفى ذلك لكنني قلت له كلا أنت من أخذها، إنه رجلٌ قويٌّ وذكيٌّ للغاية، لقد فعل شيئاً لم يستطع أحد فعله، وعلينا الاعتراف بهذا” .

 

ومن دون أن ينسى الرئيس ترامب تذكير الجميع بقضية الراهب الأميركي برونسون عندما كان معتقلاً في تركيا بتهم الإرهاب والعمالة والتجسس فاتصل مع الرئيس إردوغان بعد أن هدّده بتدمير الاقتصاد التركي مما اضطر إردوغان لإصدار التعليمات لإخلاء سبيله في 12 تشرين الأول/أكتوبر 2018.

 

وقال ترامب “أعتقد أنكم تذكرون جيداً كيف أنني أخذت الراهب برونسون من تركيا وكان ذلك آنذاك عملاً عظيماً”.

 

أقوال الرئيس ترامب بحضور نتنياهو والإعلام اعتبرها المراقبون جزءاً من خطته لإعادة صياغة المنطقة وفق مزاجه الشخصي والمصالح الأميركية التي ستتضح ملامحها بعد زيارته إلى السعودية والإمارات وقطر بداية الشهر المقبل، وبالتالي نتائج المباحثات الأميركية مع إيران التي أعلن عنها ترامب وستبدأ السبت في سلطنة عمان.

 

 

 

كلّ ذلك مع استمرار التناقض في المواقف الاقليمية تجاه سوريا حيث تعترض معظم الأنظمة الخليجية باستثناء قطر على الوجود التركي في سوريا، ومن دون أيّ ردّ فعل منها على الوجود الإسرائيلي. ويفسّر ذلك استقبال وزير خارجية الكيان الصهيونى جدعون ساعر في أبو ظبي وفي هذه المرحلة الحسّاسة حيث التهديدات الإسرائيلية ضد إيران.

 

ودفع ذلك طهران لتحذير دول الخليج ومعها العراق وتركيا ودعتها للتهرّب من أيّ تعاون مع الكيان الصهيوني وأميركا اللتين تتآمران ضد إيران.

 

وجاءت زيارة رئيس إقليم كردستان العراق ناتشيروان برزاني المفاجئة إلى أبو ظبي ولقائه بمحمد بن زايد بعد ساعات من مغادرة الوزير الصهيوني ساعر للإمارات لتثبت للجميع أهمية الورقة الكردية إقليمياً ودولياً وكلّ من تركيا وسوريا والعراق وإيران.

 

مع التذكير أنّ عائلة البرزاني حليف استراتيجي لتركيا والرئيس إردوغان شخصياً، وأدّت دوراً مهماً في الوساطة بين أنقرة ووحدات حماية الشعب الكردية، ويقول الأتراك إنها الذراع السوري لحزب العمال الكردستاني التركي ولكنهم لم يعترضوا على جلوس مظلوم عبدي إلى طاولة المفاوضات المباشرة مع الرئيس أحمد الشرع في دمشق برعاية أميركية/ فرنسية.

 

وتشكّل كلّ هذه المعطيات تفسيراً منطقياً للزيارة التي سيقوم بها أحمد الشرع إلى أنقرة في الـ 11 من الشهر الجاري بعد زيارته إلى أبو ظبي المعروف عنها اعتراضها على سلوكيّات الحكم الجديد في دمشق حيث تؤثّر أنقرة في مجمل قرارات الشرع بعد أن أوصلته إلى السلطة بضوء أخضر أميركي ويقول البعض إنه إسرائيلي أيضاً.

 

ومع التذكير هنا بالاختراق الإسرائيلي لمنطقة البلقان كما هو في العالمين العربي والإسلامي عبر العلاقات القوية السرية منها والعلنية مع حكّامها كما هو الحال مع اليونان وبلغاريا وألبانيا، فقد كانت كوسوفو المدعومة من تركيا دينياً وقومياً البلد الوحيد الذي أعلن نهاية 2001 عن قراره بفتح سفارته في القدس مقابل دعم أميركي له ضدّ صربيا ورئيسها ألكسندر فوتشيتش وهو الآخر صديق مقرّب جداً من الرئيس إردوغان.

 

ومن دون أن نتجاهل في جميع الحالات تناقضات أنقرة في علاقاتها مع عواصم الاتحاد الأوروبي بحساباتها المختلفة والمعقّدة والمتناقضة في الوقت نفسه مع تركيا التي لشركات هذه الدول فيها استثمارات كبيرة جداً تزيد قيمتها عن 800 مليار دولار، وعلى الرغم من حالات المدّ والجزر في العلاقة بينها وبين تركيا بسبب الذكريات العثمانية التي يتغنّى بها الرئيس إردوغان بين الحين والحين تارة بأنفاس قومية وأخرى دينية تزعج العديد من الأوساط في أوروبا.

 

ويفسّر كلّ ذلك التناقض الملحوظ في مواقف هذه الأوساط وحكوماتها حيال التطوّرات الأخيرة في تركيا بعد اعتقال رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو والحملات العنيفة التي يشنّها حزب الشعب الجمهوري وحلفائه ضدّ إردوغان الذي يتهمه زعيم الشعب الجمهوري أوزغور أوزال “بالديكتاتورية والفاشية والاستبداد”، محذّراً واشنطن والعواصم الأوروبية من “حمايته والدفاع عنه ومنع سقوطه القريب” وهو ما لم يبالِ به الرئيس ترامب عندما قال “إنني أحبّ إردوغان وهو يحبّني”.

 

ويبقى الرهان في نهاية المطاف على ذكاء الرئيس إردوغان السياسي وحنكته في التعامل مع المعطيات الصعبة والمعقّدة على صعيد السياستين الداخلية والخارجية بعد خروج الملايين إلى الشوارع ووصول الاقتصاد التركي إلى حافة الإفلاس المطلق.

 

فيما يعرف الجميع أنّ الرئيس ترامب هو الوحيد الذي يستطيع أن ينقذ إردوغان من جميع مشكلاته ومن دون ان يكون واضحاً مقابل ماذا سيفعل ذلك وما الذي سيطلبه منه تارة تكتيكياً وتارة أخرى استراتيجياً كما هو الحال في العلاقة مع “تل أبيب”!

 

 

 

 

 

أخبار سوريا الوطن١-وكالات-الميادين

x

‎قد يُعجبك أيضاً

هكذا خطط ترامب للشرق الأوسط والعالم

د. باسم المذحجي الحديث عن صانع القرار الأميريكي ذي شجون ، وبالتالي لابد ونفرق بين صناعة القرار السياسي( جماعي) وسكولوجية اتخاذهُ الفردية لشخص ( ترامب)، ...