خلال أقل من 48 ساعة، أصدر الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمرا بقصف منشآت نووية إيرانية، وأعلن اتفاقا لوقف إطلاق النار بين الجمهورية الإسلامية وإسرائيل، لكن نجاحه الدبلوماسي لا ينهي حالة عدم اليقين في الشرق الأوسط.
ورأى كل طرف، أي ترامب وإسرائيل وإيران، في إعلان وقف إطلاق النار “انتصارا” لصالحه، بعد 12 يوما من حرب بدأتها الدولة العبرية على الجمهورية الإسلامية، وتخللها قصف أميركي على ثلاث منشآت نووية رئيسية.
وبعدما تعرض لانتقادات، حتى من مناصريه، لنكثه بأحد وعوده الانتخابية بعدم التدخل عسكريا في الخارج، تمكن ترامب سريعا من إيجاد مخرج عبر الاعلان ليل الاثنين الثلاثاء وقفا لإطلاق النار، وتقديم نفسه على أنه صانع للسلام، رغم الضربة لإيران.
وخلال أيام الحرب، شنّت إسرائيل غارات جوية على إيران استهدفت خصوصا مواقع عسكرية ونووية، وردّت طهران بإطلاق صواريخ ومسيّرات نحو الدولة العبرية.
وقال تود ويلمان، الباحث في برنامج الشرق الأوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، “لا أعتقد أن الحكومة الاسرائيلية كانت قادرة على تحمّل حرب طويلة الأمد، لكن أعتقد أن العنصر الأساسي كان ترامب. لم يرغب في رؤية حرب جديدة تندلع” في عهده.
وتابع “هذا ما بدّل الحسابات بالنسبة الى إسرائيل، وإيران كذلك”.
وفاجأ ترامب الحلفاء وحتى مساعديه بإعلانه وقف إطلاق النار عبر منصات التواصل الاجتماعي ليل الاثنين الثلاثاء، بعيد ساعات من هجوم صاروخي إيراني على قاعدة العديد الأميركية في قطر، ردا على ضربات واشنطن على منشآتها النووية. وبدا أن الهجوم الإيراني كان مدروسا بعناية ومنسّقا بين المعنيين. وشكر ترامب طهران على توفيرها “إشعارا مبكرا” قبل تنفيذها.
كان واضحا أن كل من الأطراف الثلاثة المعنيين بالحرب، يحتاج الى مخرج.
اعتبر ترامب الهجوم الإيراني “ضعيفا للغاية”، واختار عدم الرد. وبعدما أعلنت إسرائيل أن إيران أطلقت صواريخ بعد سريان وقف النار وسترد عليها “بقوة”، ضغط الرئيس الأميركي على الدولة العبرية لعدم القيام بذلك.
بدورها، كانت إيران تخوض أقسى مواجهة عسكرية منذ الحرب مع العراق (1980-1988). فهي خسرت خلال أيام معدودة، قادة عسكريين كبارا وعلماء نوويين، وتلقت العديد من مواقعها النووية والعسكرية ودفاعاتها الجوية، إضافة الى منشآت مدنية وسكنية، ضربات جوية لم تتضح الى الآن تداعياتها والمدى الزمني الذي تحتاج لإعادة بنائها.
وبدا أن ترامب أعطى طهران التي يفرض عليها عقوبات اقتصادية، جرعة حوافز من خلال التأكيد الثلاثاء أنه يمكن للصين مواصلة شراء النفط الايراني.
أما إسرائيل، ورغم الضربات القاسية التي وجهتها الى خصومها في المنطقة منذ اندلاع الحرب في غزة في تشرين الأول/أكتوبر 2023، لكنها تواجه ضغوطا على جبهات عدة، وتلقت جبهتها الداخلية خلال الأيام الماضية، ضربات صاروخية لم تعهدها منذ عقود.
وفي حين شكر نتانياهو ترامب على دعمه، رأى تودمان أن الضغط الأميركي الثلاثاء على إسرائيل لعدم شنّ ضربات جديدة على إيران، أظهر لرئيس الوزراء الاسرائيلي حدود الدعم الأميركي للحليف الأبرز للولايات المتحدة في المنطقة.
– ماذا تحقق؟ –
رأى ترامب في الضربة الأميركية نجاحا كبيرا، رغم أن كثرا حذّروا مرارا من أن أي ضربة مماثلة قد تدفع طهران الى تسريع نشاطاتها النووية وصولا ربما الى محاولة تطوير سلاح ذري.
وفي حين يكرر ترامب التأكيد أن الضربة أدت الى “تدمير” البرنامج النووي، أثارت خلاصة تقرير استخباري أميركي أولي شكوكا بهذا الشأن، اذ أفاد بأن الضربات أعادت البرنامج أشهرا فقط إلى الوراء ولم تدمّره.
ورأى الباحث في معهد الشرق الأوسط براين كاتوليس أنه ما زال من المبكر الحكم على ثبات وقف إطلاق النار أيضا.
وأشار الى أن الدول العربية في الخليج، خصوصا قطر، بذلت جهودا دبلوماسية كبيرة بعيدا من الأضواء، سعيا لإعادة الهدوء الى المنطقة.
وقال كاتوليس إن ترامب استخدم تصريحاته ونفوذه في العلن “لمحاولة ضبط ما تقوم به إيران وإسرائيل، لكن أهمية ذلك هي أقل مقارنة بالدور الذي تقوم به هذه الدول (العربية في الخليج) بشكل متواصل”.
ورأى كاتوليس الذي عمل سابقا على ملف الشرق الأوسط في إدارة الرئيس الديموقراطي بيل كلينتون، أن إدارة ترامب الجمهورية اعتمدت مزيجا من العمليات العسكرية التكتيكية و”جرعة كبيرة من التواصل الاستراتيجي”، أثار حيرة الأميركيين والعالم على السواء “بشأن ما نحاول أن نقوم به فعلا”.
– فوائد محليا –
الأكيد أن استراتيجية ترامب عادت عليه بفوائد جلية في الداخل الأميركي، أقله على المدى القصير.
ورأى الباحث في المجلس الأطلسي (أتلانتيك كاونسل) جوناثان بانيكوف إن حملة عسكرية أميركية طويلة “كانت قادرة على أن تزعزع قاعدة الدعم لترامب”، لكن الآن سيبقى غالبية مناصريه “موحدين نسبيا”.
وفي حين أن المتشددين تقليديا في الحزب الجمهوري رحبوا بالضربات الأميركية على إيران، انتقدها خصومهم الديموقراطيون على نطاق واسع، لكن من دون إجماع على ذلك أيضا.
ورأت أنيل شيلين التي تركت إدارة الرئيس السابق جو بايدن احتجاجا على سياساته، وهي حاليا باحثة في معهد كوينسي للحكم الرشيد، أن ثبات وقف إطلاق النار ضروري من وجهة نظر ترامب.
ولفتت الى أن نتانياهو مقتنع بأنه يحظى “بدعم أميركي غير مشروط”، وبناء عليه قامت إسرائيل باستهداف قطاع غزة ولبنان رغم اتفاقات معلنة لوقف إطلاق النار مع حماس وحزب الله.
أضافت “لكن ترامب أظهر أنه قادر على ضبط إسرائيل متى اختار القيام بذلك. الآن عليه القيام بالأمر ذاته والإصرار على اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة”.
اخبار سورية الوطن 2_وكالات _راي اليوم