حسين إبراهيم السبت 29 تشرين الأول 2022
الفيل والقلنسوة والشِماغ: حرب ثُلاثيّة ضدّ بايدن مع اقتراب موعد الانتخابات النصفية للكونغرس الأميركي، صعّد وليّ العهد السعودي، محمد بن سلمان، حربه على الديموقراطيين الأميركيين، والتي كان العنصر الأساسي فيها خفض إنتاج النفط بقرارٍ من «أوبك بلس»، ودخل على خطّها علناً أنصار الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، داخل الحزب الجمهوري، وكذلك رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، بنيامين نتنياهو، الذي يخوض حملة انتخابية للعودة إلى السلطة. وإذ يبدو أن الديموقراطيين بلغوا درجة الغليان في سعيهم للانتقام من ابن سلمان، إلّا أنهم لم يتوصّلوا بعد إلى اتّخاذ أيّ قرارات، في انتظار عودة الكونغرس من العطلة الشهر المقبل، فيما يُسجَّل إقدام وليّ العهد على جملة إجراءات احترازية بهدف حرمانهم من أيّ فرصة لتوجيه ضربات إليه، وهو الذي يعيش حال استنفار دائمة، وما زال بعيداً عن تحقيق استقرار الحُكم وانسيابيّته قدّم جلوس جاريد كوشنير وستيفن منوتشين في الصفّ الأمامي للمشاركين في «منتدى مستقبل الاستثمار» في الرياض، أو ما يُطلَق عليه «دافوس في الصحراء»، مع ثلّة من رؤساء الشركات الأميركية، تفسيراً جزئياً لتمرّد وليّ العهد السعودي، محمد بن سلمان، على الرئيس الأميركي، جو بايدن. الجزء الآخر من هذا التفسير، لعلّه جاء في كلام رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، بنيامين نتنياهو، الذي قال لمحطّة «سي أن أن» قبل أيام، إن اتفاقيات التطبيع مع الدول الخليجية لم تكن لتتمّ لولا موافقة المملكة، ما يعني بشكل أو بآخر أن ابن سلمان هو عرّابها، الأمر الذي أثبتته في الواقع الملموس، سلسلةُ إجراءات تطبيعية سعودية غير رسمية، تَوّجها إلقاء رئيس بنك «ليئومي» الإسرائيلي، سامر حاج يحيى، كلمة أمام المجتمعين في الرياض، وتجوال رجال الأعمال الإسرائيليين معتمِرين القلنسوات، بمنتهى الحريّة، في أروقة المنتدى الذي انعقد في فندق «الريتز كارلتون». هذه الصورة تكشف مرّة أخرى حقيقة التحالف الذي ينتمي إليه ابن سلمان، ويستند إليه، ليس في أدائه بخصوص العلاقات مع الولايات المتحدة بإدارتها الديموقراطية الحالية فقط، وإنّما في سعيه إلى تحقيق أمن النظام السعودي الذي يقوده من خلْف أبيه العاجز، في مواجهة كلّ أنواع التهديدات الداخلية والخارجية. ومع ذلك، لا يستطيع هذا التحالف أن يضْمن لابن سلمان، مسيرة هادئة في الحُكم، على رغم حظوظ جناحَيه الإسرائيلي والأميركي في العودة إلى السلطة خلال الانتخابات في إسرائيل وأميركا. إذ إن مجرّد وجوده على رأس السلطة السعودية، كفيل ببقاء العلاقات مع الولايات المتحدة سيّئة؛ ذلك أن صورة المملكة، وتحديداً وليّ عهدها، لا تزال ملطّخة في نظر الرأي العام الأميركي. وفيما يجاهر الديموقراطيون برغبتهم في تغيير طبيعة تلك العلاقات ويعملون لذلك، ويُشاركهم قسم من الجمهوريين، فإن العلاقة مع ترامب وعائلته وأنصاره في الحزب الجمهوري، تقوم فلسفتها على العمل معهم «على القِطعة»، والحصول على مقابل لكلّ خدمة يجري تقديمها لهم، مع عدم إمكانية توريط الولايات المتحدة في ما لا تريده، وهو ما أكده امتناع الرئيس السابق عن التورّط في الدفاع عن النظام السعودي عند قصف منشآت «أرامكو» في بقيق وهجرة خريص في أيلول 2019. ad ابن سلمان يتخذ إجراءات احترازية لحرمان بايدن من أي فرصة انتقام تُظهر تطوّرات الأحداث أن ابن سلمان تساوَق من هذا التحالف، حين اتّخذ إجراءاتٍ مِن مِثل خفض إنتاج النفط في «أوبك بلس» بمليونَي برميل يومياً، وهو ما لا يستطيع أنصار ترامب الحديث عنه علناً بسبب الضرر الذي يمثّله ارتفاع أسعار النفط للاقتصاد الأميركي، وتأثيره المباشر على جيوب الأميركيين، وكذلك تأثيره المضادّ للعقوبات الأميركية على روسيا بسبب حرب أوكرانيا. أمّا الهدف من تلك الإجراءات، فهو إسقاط الديموقراطيين في الانتخابات النصفية، علماً أن وليّ العهد، الذي يعدّ نفسه لتحقيق نصر على بايدن في هذه الانتخابات، سخر في مجالسه الخاصة بصورة شخصية من «الزلّات» التي يرتكبها الأخير وشكّك في فطنته الذهنية، وفق ما نقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» عن مصادر سعودية مطّلعة. واستدعى تصعيد الحرب على الديموقراطيين في أميركا، من ابن سلمان، اتّخاذ إجراءات احترازية لحرمانهم من أيّ فرصة انتقام، من نوع تدبير محاولة اغتيال له أو انقلابِ قصرٍ من داخل الأسرة – حتى من قِبل إخوته الذين يحتلّ عدد منهم مناصب وزارية مهمة، من مِثل وزارة الدفاع التي يتولّاها خالد بن سلمان، ووزارة النفط التي يشغلها عبد العزيز بن سلمان -، بالاستفادة من الكراهية العميقة له في أوساط الاستخبارات والبنتاغون ووزارة الخارجية. ولذلك، يفضّل الرجل في مِثل هذه الأوقات عدم مغادرة المملكة، وهو ما يفسّر امتناعه عن المشاركة في القمة العربية في الجزائر، بذريعة مشكلة صحّية تمنعه من السفر الطويل بالطائرة. ولا تخلو السيناريوات الكثيرة التي يملأ المعارضون السعوديون بها الفضاء الافتراضي، ولو على سبيل التحليل أو حتى التمنّي، من إمكان عقد صفقة مع أخيه خالد أو أيّ أخ آخر له لإزاحته من طريق العلاقات الأميركية – السعودية. فعلى رغم المشكلات البنيوية بين الطرفَين التي نشأت في السنوات الأخيرة، إلّا أن القادة السعوديين والإدارات الأميركية المتعاقبة وجدوا طُرقاً للمحافظة على ما أمكن من المصالح المشتركة وتحييد الخلافات. هذا ما حدث، مثلاً لا حصراً، بعد 11 أيلول، حين صُدم الأميركيون بكوْن 15 من الانتحاريين سعوديّي الجنسية، ومن ثمّ اخترع مسؤولوهم، بدءاً من إدارة جورج بوش الابن، دوراً للمملكة في ما سُمّي «مكافحة الإرهاب»، واستطاعوا جزئياً تسويقه لدى الرأي العام الأميركي، الذي لم تَعُد السعودية بنظره حليفاً منذ ذلك التاريخ. وكانت تلك الإدارات، في هذه الأثناء، تحاول إحداث تغيير تدريجي في طبيعة السعودية بالاتّفاق مع الملوك (وهو المشروع الذي ضربه أيضاً ابن سلمان باستيلائه على السلطة)، ثمّ بعدها، بدأت واشنطن تعمل على تغيير شكل العلاقة التي صارت تُرتّب عليها أعباء كثيرة، في إطار استراتيجية تخفيف الوجود الأميركي في الشرق الأوسط، إلّا أن العناد السعودي في التمسّك بالحماية الأميركية، وخاصة بعد مجيء ابن سلمان، أجّج الخلافات، وأجبر واشنطن على تسريع إعادة النظر في العلاقات وفتْحها على احتمال فكّ التحالف مِن أساسه. وما زالت إدارة بايدن تتحفّظ على الكشف عن ما تريد فعله للردّ على قرار ابن سلمان خفْض إنتاج النفط، والذي اعتبرته اصطفافاً مع روسيا في حرب أوكرانيا، في انتظار عودة الكونغرس من العطلة للتشاور معه في تلك الإجراءات. وعلى رغم أن السعوديين سعوا إلى فضح بايدن وتقديم ذخيرة انتخابية لـ«الفيل» الجمهوري، من خلال الإعلان أن ابن سلمان رفض طلباً من بايدن بتأجيل خفْض الإنتاج لمدّة شهر، أي إلى ما بعد الانتخابات، في ما اعتبره الجمهوريون استدعاءً لتدخّل أجنبي في الانتخابات الأميركية، إلّا أن التدخّل الحقيقي يحصل في الاتّجاه المعاكس، وبتحريض جمهوري مكتوم. وينسجم ذلك تماماً مع ما كشفته صحيفة «نيويورك تايمز» من أن المسؤولين الأميركيين تلقّوا، قبل أيام قليلة من اجتماع «أوبك بلس»، تأكيدات من ابن سلمان أنه لن يكون هناك خفْض للإنتاج، بموجب اتّفاق سرّي عَقده في أيار الماضي مع وليّ العهد، المبعوثان الأميركيان عاموس هوكشتين وبريت ماكغورك، ويقضي بزيادة الإنتاج في «أوبك بلس» بواقع 400 ألف برميل يومياً حتى أيلول، ومن ثمّ زيادة 200 ألف برميل أخرى من أيلول إلى كانون الأول، وهو الاتفاق الذي قاد بايدن إلى زيارة جدة، إلّا أن ابن سلمان غيّر رأيه بعدما استمع إلى تقييم من وزير نفطه بأن خفْض أسعار النفط سيضرب تمويل المشاريع العمرانية الضخمة في المملكة، ومن ثمّ تولّى الوزير نفسه فرْض رأيه على زملائه الخليجيين، والعمل مع مساعدين للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الذي قال عن ابن سلمان أخيراً إنه «يجب ألا تكون فظّاً معه، حتى لا يردّ عليك بنفس الطريقة». في كلّ الأحوال، يفيد كلّ ما تقدّم بأن وليّ العهد السعودي يتصرّف بدافعٍ من الخوف والتوتر، ويعيش حال استنفار دائمة، وما زال بعيداً عن تحقيق استقرار الحُكم وانسيابيته، اللذين تمتّعت بهما المملكة لعشرات السنين.
(سيرياهوم نيوز6-الاخبار29-10-2022)