دخلت القوات الأميركية إلى سوريا عام 2015 بموجب تفويضات استخدام القوة العسكرية لعامي 2001 و2002، وبهدف مواجهة “داعش”، لكن اليوم وبعد رحيل النظام السوري وانحسار نفوذ التنظيم الإرهابي، يتردد الحديث كثيراً عن الأهداف ومصالح أميركا وفرنسا والتحالف الدولي من البقاء في سوريا، حتى إن الرئيس الأميركي دونالد ترامب عاد وتراجع بشأن انسحاب محتمل لقوات بلاده، أقله في المستقبل القريب.
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون دعا أيضاً السلطات السورية الجديدة إلى “التعاون مع التحالف الدولي لمحاربة داعش ومنع سوريا من أن تصبح مرة أخرى منصة للميليشيات الإيرانية لزعزعة استقرار المنطقة”.
الحديث الأميركي الفرنسي الحالي عن ضرورة مواجهة “داعش”، يطرح أسئلة بشأن حقيقة خطورة التنظيم لجهة أعداده وانتشاره وإمكانية تحركه، كذلك بشأن دوافع وأهداف تأخير الانسحاب الأميركي، وقدرة السلطة السورية الجديدة على إضعاف “داعش” والتنظيمات الإرهابية.
التنظيم “لا يشكل خطراً مباشراً حالياً”، هذا ما يؤكده الخبير في الحركات الراديكالية حسن أبو هنية لـ”النهار”، لكنه يذكّر أيضاً بأن “داعش سيطر عام 2014 على مساحات واسعة في العراق وسوريا، وهو ساهم وفق المنظور الأميركي بالحد من النفوذ الإيراني في ذلك الوقت”.
وينشط “داعش” في شمال شرق سوريا، وبعد انهيار نظام الأسد، أصبحت الأمور معقدة جداً، وبحسب أبو هنية فإن التنظيم عاد وبدأ يتحرك بقوة أكبر، وهو يعمل بشكل لامركزي، لا سيما في البادية السورية، وتحديداً في دير الزور وحمص والرقة ومنطقتي القائم والبوكمال.
مواجهة “داعش” فقط؟
يُقدّر عدد عناصر “داعش” بـ5000 بين فاعلين وخلايا نائمة، وقد عادوا للتحرك منذ أشهر، ونفذوا نحو 700 هجوم في سوريا عام 2024، وهناك مخاطر في شمال شرق سوريا من جهة السجون ومخيمات النزوح، إذ هناك 10 آلاف مقاتل، منهم ألفا أجنبي، تشرف عليهم أميركا و قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وفي المخيمات نحو 45 ألف من عوائل “داعش”، منهم آلاف الأشبال والأطفال، من عراقيين وسوريين، وهم جيش احتياط خطير جداً، يحذّر أبو هنية.
هدف التحالف الدولي المعلن هو محاربة “داعش”، يقول أبو هنية، ولكن الأهداف الأخرى ترتبط بثلاثة عوامل هي:
أولاً: الخشية من عودة إيران وما يسمى محور المقاومة، واستمرار الحد من النفوذ الإيراني.
ثانياً: مخاوف من فرض “داعش” سيطرة جغرافية مجدداً كما حصل عام 2015.
ثالثاً: تأمين المصالح الإسرائيلية، وحين يتم الحديث عن تهديد وخطر “داعش” على دول الإقليم، فهو تهديد إسرائيل قبل أي دولة أخرى.
يرجّح أبو هنية إقدام ترامب على اتخاذ قرار الانسحاب من سوريا، لكن فرنسا لن تنسحب وقالت إنه حتى لو انسحب الأميركيون فهي لن تفعل ذلك، وكل هذا بانتظار قرار ترامب النهائي، وعلى الرغم من أنه متحمس للانسحاب إلا أن الخشية هي من استغلال إيران للخطة الأميركية وعودتها إلى سوريا، وإسرائيل تضغط لمنع ذلك.
الصورة الكاملة ليست فقط في محارية “داعش”، يقول أبو هنية، بل أيضاً بتطورات جيوسياسية، والأميركيون ساهموا في تثبيت نوع من الشرعية لسلطة الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع، وأبقوا في الوقت ذاته على “قسد”، فالانسحاب الأميركي ربما يجعل “داعش” أقوى، وسوريا في حالة فوضى، والإدارة الجديدة للشرع تملك 25 ألف مقاتل ولا تستطيع بسط سيطرتها على المناطق كافة، خصوصا أن “قسد” وحدها لديها 100 ألف مقاتل.
دور للإدارة السورية الجديدة؟
الأكاديمي السوري د. بسام أبو عبدالله، يشير إلى أن “داعش استخدم كأداة في محاولات تقسيم المنطقة، وكان محط خلاف بين الديموقراطيين والجمهوريين في الولايات المتحدة، وما يهم واشنطن هو رعاية الأكراد بشكل أساسي في هذه الفترة وهذا يتعارض مع الجانب التركي”.
ويقول أبو عبدالله لـ”النهار”: “من أتى إلى الحكم في دمشق هم من مشتقات داعش والتنظيمات الجهادية، لذلك اللغة لا تختلف كثيراً”، متحدثاً عن “حقيقة وجود أجانب في القيادات العسكرية والأمنية الجديدة في السلطة، والقرارات الأخيرة خير دليل على ذلك”.
ويذكر أبو عبدالله بأن “سجون ومخيم الهول تحوي ما يقارب 50 ألفاً من تنظيم داعش (منهم أجانب)، وهؤلاء يشكلون خطراً في حال إطلاق سراحهم، وهذه ورقة مهمة بيد قسد، وأوروبا تخشى ذلك”.
وبرأي أبو عبدالله، هناك خلافاً بين إدارة ترامب التي تتحدث عن ضرورة استعادة هذه الدول لمقاتليها، والأوروبيين الذين يرفضون عودتهم، وما يهم الإدارة الأميركية أربع نقاط أساسية هي:
1-أمن إسرائيل.
2- قدرة الإدارة الجديدة على تلبية المطالب التي أتت إلى الحكم في سوريابناء عليها.
3- سكوت الإدارة الجديدة عن دور إسرائيل وما تقوم به في سوريا.
4- تهجير أهالي غزة وإمكانية أن تصبح سوريا أحد البدائل.
5- شرق أوسط جديد تحدث عنه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
ويرى الأكاديمي السوري أن “الإرهاب ومكافحته موضوع إشكالي في النظرة الغربية، فهم دعموا التنظيمات الإرهابية لإسقاط الأسد، ومن ناحية أخرى يتحدثون عن مكافحة الإرهاب، وهي إحدى أدوات اللعبة الجيوسياسية في المنطقة”.
ويتساءل أبو عبدالله بشأن “قدرة السلطة الجديدة على مواجهة داعش، فجبهة النصرة هي من مشتقات القاعدة، ورغم كل محاولات تقديمها بشكل جديد إلا أنها في الأداء على الأرض والقاعدة الاجتماعية لها تُظهر أنها تنظيم متطرف دينياً و تريد إقصاء الآخرين”.
وإذ يلفت أبو عبدالله إلى أن “الإدارة الجديدة لم تحصل بعد على دعم دولي كاف لتقديم رواتب وخدمات أساسية رغم كل هذا الحراك الدولي”، يُحذّر من أن الواقع في سوريا مرتبك ومعقد، وربما يتوسع تنظيم “داعش” إذا تدخلت قوى إقليمية ودولية ودعمته، وفي ظل عدم قدرة الإدارة الجديدة على تقديم الخدمات وحفظ الأمن، مع تسجيل نسبة فقر تجاوزت 90 في المئة.
اخبار سورية الوطن 2_النهار