ريم هاني
يكاد يكون هناك إجماع في أوساط مراقبي رحلة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إلى المنطقة، على أنها تهدف إلى انتزاع صفقات في مجالات حيوية، وتحديداً التكنولوجيا والمعادن النادرة، والتي أصبحت محورية في المنافسة المتصاعدة بين بكين وواشنطن. وقد انعكس ذلك في طبيعة الصفقات التي تمّ الإعلان عنها، جنباً إلى جنب «التطنيش» الأميركي لحكومة بنيامين نتنياهو، والذي يشير إلى أنّ ترامب يحاول تجنب الانجرار إلى صراعات لامتناهية في الشرق الأوسط، تقوّض سياسته الداخلية والخارجية «الخاصة»، حتى ولو كان ذلك على حساب تجاهل رغبات حليفته إسرائيل.
وفي هذا السياق، يرد في تقرير نشره موقع «المجلس الأطلسي»، أنّه رغم أنّ التهديدات الأمنية «ومفاوضات السلام» في الشرق الأوسط لن تختفي عن جدول أعمال ترامب، إلا أنّ المقابلات التي أجراها الموقع مع كبار المسؤولين في الشرق الأوسط المشاركين في التخطيط لرحلة ترامب، كشفت أن «التركيز الساحق يتمحور حول عقد الصفقات»؛ إذ إن الإدارة الأميركية تفضّل الغوص «في بحر من الاستثمارات الخليجية، بدلاً من التورط في المشاكل المستمرة في المنطقة».
وطبقاً للمصدر نفسه، فإنّ معيار ترامب لنجاح رحلته يرتبط بمدى قدرة بلاده على المساهمة في التفوق على الصين، من زاوية تأمين علاقة وثيقة مع ممالك الخليج، التي تُعدّ بكين أكبر شريك لها في مجال الوقود الأحفوري، وثم امتلاك «اليد العليا» في المواجهة التجارية والتكنولوجية مع الصين، والتي تظلّ «الهدف الأسمى» بالنسبة إلى الإدارة الحالية.
وبالفعل، ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» أنّ إدارة ترامب تدرس صفقة يتمّ بموجبها إرسال مئات الآلاف من شرائح الذكاء الاصطناعي الأكثر تقدّماً، والمصمّمة في الولايات المتحدة، إلى «G42»، وهي شركة إماراتية للذكاء الاصطناعي كانت قد قطعت روابطها مع شركائها الصينيين من أجل الحفاظ على علاقاتها بالشركات الأميركية، مشيرةً إلى أنّ «المفاوضات الجارية تسلّط الضوء على تحول كبير في سياسة التكنولوجيا الأميركية قبل زيارة ترامب».
ويأتي ذلك رغم التوتر الحاصل داخل الإدارة بين أولئك الذين يتوقون إلى تعزيز التفوق التجاري والتكنولوجي الأميركي على الصين من جهة، ومسؤولي الأمن القومي الذين يشعرون بالقلق بشأن تسريب التقنيات الحيوية إلى بكين من جهة أخرى. كذلك، كشف البيت الأبيض، الثلاثاء، عن صفقات مع السعودية تشمل التزاماً من شركة الذكاء الاصطناعي الجديدة المملوكة للدولة في الرياض، «هيوماين»، ببناء بنية تحتية للذكاء الاصطناعي باستخدام عدة مئات آلاف من شرائح «إنفيديا» المتقدّمة على مدى السنوات الخمس المقبلة. وأعلنت الشركة، جنباً إلى جنب «أمازون ويب سيرفيسز»، عن خطط لاستثمار أكثر من خمسة مليارات دولار في شراكة استراتيجية لبناء أول منطقة «ذكاء اصطناعي» من نوعها في السعودية.
ترتبط المساعي لكسب «أموال الخليج» بمحاولة واشنطن امتلاك «اليد العليا» في المواجهة مع بكين
وينوّه التقرير الذي نشره «الأطلسي» إلى أنّه خلال ولاية ترامب الأولى، ثمّ عهد جو بايدن، كان هناك جدل طويل الأمد داخل الحكومة الأميركية حول ما إذا كان ينبغي لواشنطن أن تسعى لمنع بكين من الحصول على رقائق متقدّمة، أو الاكتفاء بمحاولة البقاء متقدّمة بجيل أو جيلين على الصين من الناحية التكنولوجية. إلا أنّه تمّت حالياً «تسوية» النقاش، وسط إجماع على أنّ الصين ستجد – كما أظهرت تجربة «ديب سيك» بشكل واضح – طريقة لتجاوز القيود الأميركية والقيام بقفزات كبيرة. وبالتالي، خلصت الولايات المتحدة، بحسب أصحاب الرأي المتقدّم، إلى أنّه كي تتمكن من البقاء متقدّمة بخطوة أو خطوتين في سباق الذكاء الاصطناعي، فسوف يتطلب الأمر استثمارات وشراكات جديدة، فيما يشكل هذا «التحول» جوهر التطورات «التي قد نشهدها في الشرق الأوسط».
من جهتها، نقلت صحيفة «واشنطن بوست» عن شاهال خان، الرئيس التنفيذي لشركة «بورخان وورلد إنفستمنتس»، وهي شركة أميركية مشاركة في الصفقة، أنّ إدارة ترامب وافقت على مذكّرة تفاهم بقيمة 9 مليارات دولار بين شركة أميركية وشركاء سعوديين لاستخراج ومعالجة المعادن الحيوية المستخدمة في قطاعات التصنيع المتقدّم والطاقة والدفاع، والتي تشكّل نقطة رئيسية في المنافسة الصينية – الأميركية.
وبناءً على ما تقدّم، يرى مراقبون أنّ الحجة الإماراتية – السعودية، والتي تقول إنه في حال أرادت واشنطن من الدولتين الخليجيتين تقييد علاقاتهما التكنولوجية المتقدّمة مع الصين، في سباق التسلح العالمي بالذكاء الاصطناعي، يجب على الولايات المتحدة، تأدية «دورها وإزالة القيود المفروضة على تكنولوجيتها». وهي تعكس أيضاً قناعة أميركية بأنّه من غير الممكن «الفصل» بين تلك الدول التي تسعى لـ«تنويع علاقاتها مع القوى العظمى» وبكين.
تضارب مع نتنياهو؟
وبصورة أعمّ، وعقب تكشّف محدودية الحرب التجارية التي شنتها الولايات المتحدة في ما يتعلق بانتزاع تنازلات من الصين، اتّخذ ترامب، على ما يبدو، القرار بـ«إنقاذ صورته وسياسته»، مستغلاً زيارته إلى دول الخليج لتحقيق ذلك الهدف، وإن كان على حساب الاستمرار في إرضاء طموحات نتنياهو. وتعقيباً على ما تقدّم، يرد في تقرير نشرته وكالة «بلومبرغ» أنّ الأسبوع الأخير كان «سيئاً» بالنسبة إلى إسرائيل، فيما يبدو ترامب «راضياً عن ذلك». وتشير الوكالة إلى أنّ الرئيس الأميركي سعى، من خلال جملة من الخطوات، لإرسال رسالة واحدة، مفادها أنّه «سيفعل كل ما يمكن أن يرسّخ مجده، ولو كان هذا يعني (تجميد) نتنياهو».
ويردف التقرير أنّ إطلاق «حماس» سراح آخر «رهينة» على قيد الحياة يحمل جواز سفر أميركياً، بالتزامن مع رحلة ترامب إلى الشرق الأوسط، لا يأتي من قبيل «الصدفة»، علماً أنّ إدارة الأخيرة رفضت، في آذار، عرضاً مماثلاً من «حماس»، نزولاً عند مخاوف إسرائيل من «استبعادها من المفاوضات وإلحاق الضرر بالعشرين رهينة الآخرين والذين لا يزال يُعتقد بأنهم على قيد الحياة».
وفي حين يصر نتنياهو على تفكيك العمليات النووية الإيرانية بالكامل ويريد قصف أجهزة الطرد المركزي والمرافق الأخرى، بمساعدة الولايات المتحدة، فقد فاجأه ترامب مجدّداً، الثلاثاء، مكرّراً نيته عقد صفقة مع طهران، وتجنب الحرب، وربما تلقّي «التكريم وجائزة (نوبل)»، باعتباره «صانع سلام». وفي خضمّ «الإطراءات ومحاولات الاسترضاء» من جانب دول الخليج لترامب، بدءاً من بناء «أبراج ترامب» جديدة، وجلب بطولات الغولف إلى ملاعبه والقيام بأعمال تجارية نشطة مع عائلته ومشاريع العملات المشفّرة، وصولاً إلى التبرع بـ«الطائرات»، قد يمضي ترامب قدماً في عرض التكنولوجيا النووية المدنية على السعوديين، إنّما من دون مطالبة المملكة بالاعتراف بإسرائيل هذه المرة.
وتردف الوكالة أنّ ترامب اكتشف أنّ ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، غير قادر على «احتضان إسرائيل، حتى لو أراد ذلك»، في ظل تمسك حكومة نتنياهو بخططها لـ«تعذيب الفلسطينيين وضم الضفة الغربية واحتلال غزة وترحيل سكانها».
أخبار سوريا الوطن١-الأخبار