خالد الجيوسي:
هذه ليست المرّة الأولى، التي يُوحي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، نيّته، أو رغبته تأجيل الانتخابات الرئاسيّة، وهي على مقربة أشهر، حيث الرجل غرّد صراحةً عبر حسابه في “تويتر”، أنه مع التصويت عبر البريد، سيشهد العام 2020، أكثر انتخابات فاسدة، وغير دقيقة، وعلّل ترامب كلامه هذا، بأنّ ما سيحصل سيكون ذلك مُحرجًا للولايات المتحدة الأمريكيّة.
الرئيس ترامب، دعا صراحةً في تغريدته، إلى تأجيل الانتخابات الرئاسيّة، وبرّر ذلك، بحتى يتمكّن الناس من التصويت بشكلٍ صحيحٍ وآمن.
يُجمع المشرّعون الإمريكيّون، أنه لا يُمكن للرئيس ترامب، تأجيل الانتخابات الرئاسيّة، فمواعيد الانتخابات يضعها الكونغرس، وتغييرها يحتاج لتصويت، ثمّة مُعارضة قويّة أيضاً من أعضاء الكونغرس ذاتهم، حيث عضو الكونغرس الأمريكي آدم كينزينغز، أكّد أنه سيُعارض أي محاولة لتأجيل الانتخابات.
هُناك بعض التشريعات الأمريكيّة الدستوريّة، تُشير إلى إمكانيّة تأجيل الانتخابات، ضمن عامل “الظروف القصوى”، الظروف القصوى هُنا، يراها بعض المتخوّفين من سيناريو التأجيل، جائحة كورونا التي لم يسبق لأزمة مثلها أن ضربت أمريكا في ظل تصاعد أعداد الإصابات، إلى جانب عامل استغلال ترامب عامل حالة الطوارئ الفدراليّة في سبيل تحقيق ذلك.
في مُقابل هذه التخوّفات، يقول السيناتور ماكونيل، إنه لم يحدث تأجيل انتخابات خلال الحروب، والكساد والحرب الأهليّة، وقد أشار السيناتور إنه سيكون الحال هكذا من جديد في الثالث من نوفمبر، موعد الانتخاب من جديد.
وبالرغم أنّ تأجيل الانتخابات الرئاسيّة يحتاج لمُوافقة الكونغرس، وتمريره بالمُوافقة القانونيّة القضائيّة، بدا لافتاً أن وزير الخارجيّة الأمريكي مايك بومبيو، خلال إجابته على سؤال الصحفيين، إذا كان بإمكان الرئيس ترامب تأجيل الانتخابات، لم يُجِب، وقال إنّه لن يُصدِر حُكماً قانونيّاً على الفور، وأضاف، أن وزارة العدل ستبحث هذا القرار القانوني، وأكّد نُريد انتخابات يَثِق بها الجميع، وبومبيو هُنا لا ينفي وجود نيّة التأجيل كما واحتمال العمل عليها، وهو ما يطرح تساؤلات حول إمكانيّة وجود مخرج قانوني، قد يُفصّله وزير العدل على مقاس إدارة ترامب في سابقة تاريخيّة، والتي تُريد انتخابات رئاسيّة يثق بها الجميع، وتقول إنها تخشى التزوير عن طريق اقتراع البريد.
ترامب وفق ما يرصد مُعلّقون، لا يخشى التزوير بالانتخابات، ويرغب بتأجليها، قدر ما تُقلقه استطلاعات الرأي التي تُثبت تراجع شعبيّته أمام مُنافسه جو بايدن، وتحديدًا في ظل عجز إدارته عن مُعالجة أزمتيّ كورونا، والتظاهرات الغاضبة لمقتل جورج فلويد، المواطن الأمريكي الأسود بجريمة عنصريّة، ولكن ومع هذا، تخوّفات ترامب من التزوير واردة، فولايات أمريكيّة كنيويورك، سمحت بالتصويت بواسطة البريد، ولكن حدث تأخير في فرز بطاقات الاقتراع، في المُقابل نجحت العديد من الولايات الأخرى استخدام التصويت بالبريد مُنذ زمن.
ويحتاج تغيير موعد الانتخابات، إلى مُوافقة مجلسيّ النواب، والشيوخ أيضاً، ولا يملك الرئيس الأمريكي صلاحيّة في هذا الصدد أبدًا، ولم يسبق لأي رئيس بالأساس أن تحدّث عن نواياه تأجيل الانتخابات، بل امتاز هذا المشهد الأمريكي، بسلاسة، وسلميّة انتقال السلطة.
صحيفة “التايمز” البريطانيّة، عزت نوايا ترامب تأجيل الانتخابات، لحرف الأنظار، عمّا وصفته بأزمة الوظائف بالولايات المتحدة الأمريكيّة، وفي حين بحسب الصحيفة ارتفعت مطالبات البطالة الأسبوعيّة بمقدار 1.4 مليون طلب، كان يقترح ترامب تأجيل الانتخابات، ويرى مُعلّقون على خلفيّة ارتفاع البطالة، أنّ ترامب فشل حتى في الملف الاقتصادي، الذي طالما باهى فيه، وقدّم نفسه على أنه جالب الوظائف للأمريكيين.
تغريدة ترامب حول تأجيل الانتخابات لعلّها سابقة، وشغلت الرأي العام الأمريكي بشقّيه النخبوي، والشعبوي، وهي تُعيد لأذهان المُراقبين، حالة الاستفراد بالسلطة في دول النظام والحاكم الواحد، الفارق هُنا فقط وجود التشريعات والقوانين، التي قد تمنع ترامب الذي كان قد صرّح بأنه سيبقى رئيساً للأبد، ليُطرح السؤال هل يفعلها بالرغم من هذه الموانع الدستوريّة، الإجابة لعلها يستحيل فعلها، لكن المستحيل الغوغائي يُمكن فعله مع ترامب، فالرئيس الذي وصفته صحيفة “ديلي نيوز” على صفحتها الأولى بالطفل دائم الشكوى، يطلب تأجيل الانتخابات خوفاً من النتيجة، لا يُمكن تنبّؤ خطواته القادمة.
سرياهوم نيوز 5 – رأي اليوم 1/8/2020