رفع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون التحدي أمام الرئيس الأميركي دونالد ترامب. خاطبه مباشرة بأن الطريق إلى جائزة نوبل للسلام تمر بوقف الحرب في غزة، وكأنه يشكك ضمناً بزعم الرئيس الجمهوري أنه أوقف فعلاً سبع حروب منذ عودته إلى البيت الأبيض قبل 9 أشهر، وبأن ذلك يعتبر جهداً كافياً لنيل الجائزة.
لكن ترامب قال في مستهل قمة مع قادة دول عربية وإسلامية في نيويورك بعد إلقائه خطاباً أمام الجمعية العامة: “سنبحث في إنهاء الحرب، وربما ننهيها الآن”. كلام لا ينطوي على أية مضامين محددة. وعلى الأرجح لن يتخذ الرئيس الأميركي موقفاً قبل لقائه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض الاثنين.
وبسهولة يمكن الاستنتاج بأن ترامب، الذي اعتبر اعتراف أكثر من عشر دول حليفة، بينها فرنسا وبريطانيا، بدولة فلسطين بمثابة “هدية لحماس”، لا يبدو أنه عاقد العزم على تبني موقف مغاير لموقف نتنياهو. وهذا ما يضعف الرهانات على أن الرئيس الأميركي قد نفد صبره إزاء رئيس الوزراء الإسرائيلي، ولا سيّما بعد الضربة الإسرائيلية التي استهدفت قطر، الحليف المهم لواشنطن، في 9 أيلول/ سبتمبر الجاري.
وصمت ترامب عن الهجوم البري في مدينة غزة يعني قبولاً ضمنياً بخطة إسرائيل لاحتلال المدينة، ومن بعدها كامل القطاع، ناهيك عن اللامبالاة التي قابلت بها الإدارة الأميركية المشروع الاستيطاني الواسع في المنطقة “إي 1” في القدس الشرقية، بما يشطر الضفة الغربية إلى شطرين غير مترابطين جغرافياً، في وقت لا يصدر أي تحذير أميركي من دعوات الوزيرين المتطرفين إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش لضم الضفة الغربية، حتى قبل الاعترافات الأخيرة بدولة فلسطين.
الأمر الواضح هو أن غزة ليست على جدول اهتمامات البيت الأبيض، الذي يتجه أكثر نحو أوكرانيا والصين، ونحو الوضع الداخلي الأميركي بعد اغتيال الزعيم اليميني المتطرف تشارلي كيرك، والمواجهة مع رئيس الاحتياط الفيديرالي جيروم باول، وإنزال الجيش في مدن أميركية رئيسية بدعوى مكافحة الجريمة، والحرب على اللقاحات التي يغذيها وزير الصحة روبرت كينيدي الابن، وصولاً إلى جلاء لغز توقف السلم الكهربائي للأمم المتحدة خلال صعود ترامب عليه الثلاثاء!
إن تذكير ماكرون لترامب بأن غزة هي التي توصله إلى أوسلو، كي يتساوى مع أربعة رؤساء أميركيين آخرين نالوا الجائزة من قبله، وهم في نظره لا يستحقونها أكثر منه، هو محاولة فرنسية أخرى لحض سيد البيت الأبيض على التحرك لوقف الحرب، وإيماناً من ماكرون بأن كل الجهد المبذول أوروبياً لا يعادل مبادرة أميركا نفسها، التي تزود إسرائيل بالسلاح الذي تقصف به القطاع، إلى الطلب جدياً من نتنياهو التوقف.
ترامب يريد نوبل بمعزل عما يحدث أو سيحدث في غزة، التي شهدت تدهوراً مريعاً على الصعيد الإنساني في الأشهر التسعة الأخيرة.
لقد تفوق الأوروبيون في الاختبار السياسي والأخلاقي على ترامب، عندما أعادوا إحياء فكرة حل الدولتين سبيلاً وحيداً لتحقيق السلام في الشرق الأوسط، الذي يواجه مصيراً غامضاً كمصير “أسطول الصمود العالمي” الذي تحلّق فوقه المسيّرات الإسرائيلية لمنعه من إنجاز مهمته الإنسانية في بلوغ سواحل غزة.
أخبار سوريا الوطن١-وكالات-النهار