يحيى دبوق
هل ثمّة تحوّل جوهري في موقف البيت الأبيض من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، أم أن ما يجري لا يعدو كونه تكتيكاً على شكل ورقة ضغط قصيرة المدى، ينتهي مفعولها عاجلاً ليعود كل شيء إلى سابق عهده؟ تطرح هذه الأسئلة نفسها، مع وجود رئيس حكومة العدو، بنيامين نتنياهو، في واشنطن، وفي ظلّ ما يبدو أنها إشارات إلى تغيير ما في واشنطن تمظهر في الإعلان عن خطّة الـ«21 نقطة»، المنسوبة إلى الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لإنهاء الحرب؛ علماً أن الخطّة المذكورة تتطرّق، وإنْ بشكل غير مباشر، إلى ترتيبات قد تشمل، في أفق ما، إمكانية قيام دولة فلسطينية.
ووفقاً للتسريبات، فقد عملت إسرائيل على جزء من المشروع الجديد، فيما ستكون معنيّة بأن تُدخِل «تعديلات» على الجزء الآخر منه، تتناقض مع الخطاب الذي تتبنّاه، وتفتح الباب واسعاً أمام سيناريوات لم يَعُد مركزها الأوحد «القضاء على حركة حماس»، كشرط وحيد ونهائي، لإنهاء الحرب. إلّا أن التجارب مع الأميركيين في العام الأخير، من شأنها أن تبعد أيّ مراقب عن الاستنتاجات المتسرّعة، إذ بلور ترامب، في السابق، عبر تصريحات صادمة جدّاً عن الحرب ومجرياتها وأهدافها، خططاً وتطلّعات وأهدافاً لم يستطع لا هو ولا إسرائيل تحقيقها، رغم إصرارهما عليها، ليعاد التراجع عنها على «مفترق أيّ طريق سياسي».
فهل يتكرر السيناريو هذه المرّة، وإنْ بمضمون عكسي؟
الواقع أن ترامب منح كل الوقت اللازم، وبما فاق التوقّعات والمنطق السياسي والأمني والعسكري، لحليف أراد فعل ما لا يستطيع؛ ولو أنه استطاع لما كان الرئيس الأميركي ليبلور خطّة تسووية، لا تقدّم لإسرائيل نصراً حاسماً وبيّناً، وتحمل تأويلات وتفسيرات مختلفة. لكن العجز، وتراكم الضغوط، وخسارة الرهانات… كلها عوامل تدفع ربما الولايات المتحدة أكثر من أي وقت مضى نحو تغيير مقاربتها حيال الحرب، والطلب إلى إسرائيل «مراجعة» حساباتها.
سيوضَع نتنياهو أمام اختبار وتحدٍّ هائلَين، لأن عليه أن يواجه ما عمل على تجنّبه منذ بداية الحرب
مع ذلك، ثمة من يرى أن الخطة المطروحة حالياً تستهدف امتصاص الانتقادات الدولية التي لمسها ترامب خلال لقاءاته مع الوفود الدولية على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث كانت الحرب في غزة وضرورة إنهائها، ثابتة في كل تلك اللقاءات. لكن مع انتهاء «الحرج المباشر»، قد تعود المقاربة الأميركية إلى مسارها المألوف: دعمٌ غير مشروط لإسرائيل، وتغييب لأيّ ثمنٍ سياسي للاستمرار فيها.
على أن الجواب الحاسم بين الاتجاهَين، لن يظهر في لقاء ترامب ونتنياهو اليوم في واشنطن، حتى وإنْ عمدا إلى إطلاق تصريحات توحي بقبول المسار التفاوضي والتسويات. ومهما قيل قبل اللقاء وخلاله وفي أعقابه، فإن الحسم سيكون معلَّقاً حتى عودة رئيس الحكومة الإسرائيلية إلى تل أبيب، ليتبيّن ما جرى «الاتفاق» عليه. ففي حال كانت الخطّة الأميركية جادّة، وكان ترامب معنيّاً بتنفيذها، ولو بعد إدخال تعديلات عليها تراعي الحدّ الأدنى من المطالب الإسرائيلية، فستكون زيارة نتنياهو إلى واشنطن، وهي الرابعة خلال عام واحد، مختلفة تماماً عن سابقاتها.
إذ سيوضَع أمام اختبار وتحدٍّ هائلَين، لأن عليه أن يواجه ما عمل على تجنّبه منذ بداية الحرب، وهو إنهاؤها بلا تحقيق أهم أهدافها: هزيمة دائمة لا رجعة فيها للقضية الفلسطينية، مع الاستيلاء الكامل على قطاع غزة بلا سكانه؛ وليس ذلك فحسب، بل إن في مدرجات الخطّة نفسها، ما يشير إلى احتمال قيام دولة فلسطينية، ضمن أفق طموح، وفي سياقات ترتيب أمني وسياسي إقليمي أوسع.
لكن ذلك لا يعني أن واشنطن تخلّت عن تل أبيب، ولا أن ترامب انقلب على نتنياهو، ولكنه يشير إلى أن إسرائيل استهلكت كل ما يمكن وأزيد من الدعم الأميركي لإنهاء حربها بـ«الانتصار المطلق». ومع هذا «العجز العملي»، كان لا بدّ للراعي الأكبر من أن يعيد حساباته، وألّا ينتظر نتائج تطلعات لم تَعُد ممكنة ومجدية، ووصلت إلى حدّ تحميل الولايات المتحدة أيضاً كلفة استمرار حرب بلا نهاية.
ومن هنا، سيكون على نتنياهو، إن صدقت نوايا الولايات المتحدة هذه المرة، إمّا أن يُظهر مرونة مع المطالب الأميركية لتجنّب مواجهة مع واشنطن، وهو ما قد يُفقده شركاء الداخل ثم الحكم في تل أبيب، أو أن يتمسّك بـ«الانتصار المطلق»، فيخاطر بالدعم الأميركي له، ويدفع نحو تحوّل الشعار المذكور من ركيزة أساسية في دعم سياساته، إلى ضغط لا يمكن مواجهته، ربما يُستخدم ضدّه.
أخبار سوريا الوطن١-الأخبار