حسين إبراهيم
نظرة سريعة إلى فريق السياسة الخارجية الذي يقوم الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب، حالياً بتشكيله، تكشف بلا أي لبس، ما ستكون عليه سياسته تجاه هذه المنطقة. فالترشيحات كلها تشير إلى أن هذا الفريق لن يكون أقل من حكومة ثانية، في واشنطن، لرئيس وزراء العدو، بنيامين نتنياهو. وإذا كان ذلك يعني انسجاماً تاماً بين حكومتي واشنطن وتل أبيب، إلا أنه قد يعني أيضاً تخريباً في مكان آخر لنظرة اليهود إلى الرئيس الأميركي. فالقاعدة المسيحية القومية للأخير، تُنفّر يهود أميركا – أكثر من غيرهم -، والذين تختلف نظرتهم إلى إسرائيل عن يهود إسرائيل نفسها، بما في ذلك حول السياسة التي يجب اتباعها في الصراع العربي الإسرائيلي، أقله في المنهج. وجميع من شملتهم الترشيحات هم من رموز التيار المسيحي الصهيوني في الولايات المتحدة، ولا يمثّلون القاعدة الأوسع لترامب التي تقوم على تفوّق المسيحيين البيض على باقي البشر.
هذه الفكرة تؤكدها طبيعة نظرة كل من يهود إسرائيل ويهود أميركا إلى ترامب؛ ففي حين أظهرت استطلاعات الرأي رغبة معظم الإسرائيليين في فوزه، صوّتت غالبية كاسحة من اليهود الأميركيين (تُراوح بين 66 و78% بحسب الإحصاءات) لكامالا هاريس، وهذا يفسّر لماذا تنسجم ترشيحات ترامب مع تحالفه مع نتنياهو، وانفصاله عن اليهود الأميركيين. أما الوعود للناخبين من أصول عربية ومسلمة، فأدار الرئيس المنتخب الظهر لها تماماً، بعد أن اجتذب ما أمكن من أصواتهم بوعوده الكاذبة، واستغل غضبهم من دعم إدارة جو بايدن المطلق للعدو في حربه على غزة ثم على لبنان. وبناءً على ما تقدّم، يُتوقّع أن يطلق ترامب يد العدو أكثر من أي وقت مضى، في ظل أكثر الحكومات تطرفاً في تاريخ إسرائيل، والتي سيعطيها ما لم تعطها إياه أي إدارة أميركية في السابق.
ويمثّل ترشيح ماركو روبيو كوزير للخارجية، وإليز ستيفانيك كمندوبة في الأمم المتحدة، ومايك هوكابي كسفير في إسرائيل، وستيفن ويتكوف كمبعوث خاص إلى الشرق الأوسط، وجون راتكليف كمدير لوكالة الاستخبارات المركزية، «فريق حلم» بالنسبة إلى اليمين الإسرائيلي. ويُعدّ روبيو الذي يترأس لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ، حليفاً صريحاً لنتنياهو، وفي أيار الماضي عندما حاول بايدن الضغط على نتنياهو لعدم دخول مدينة رفح في جنوب قطاع غزة، وجّه انتقاداً لاذعاً إلى الرئيس، وشبّه الضغط على العدو بأنه كما لو تم الضغط على قوات الحلفاء لعدم دخول برلين في الحرب العالمية الثانية، إذ قال «إننا كنا نعلم أن هتلر موجود في دشمة ويضع المسدس في فمه. هل كان يجب أن نتوقّف ولا ندخل برلين؟ هذا ما يُطلب من نتنياهو والإسرائيليين القيام به».
أما ستيفانيك، النائبة الجمهورية عن نيويورك، فهي التي قادت الحملة في الكونغرس على رؤساء الجامعات الذين اتُهم عدد منهم بمعاداة السامية، وأقيلوا من مناصبهم لأنهم سمحوا بتظاهرات مؤيدة للفلسطينيين في قطاع غزة في باحات جامعاتهم. وبالمثل، فإن هوكابي، المسيحي الصهيوني، الذي زار مراراً إسرائيل، يعتبر أن حكومة العدو «لديها كل الحق في ضم الضفة الغربية» التي يسميها باسمها التوراتي، يهودا والسامرة، ولا يرى شيئاً اسمه مستوطنات، وإنما جاليات وأحياء ومدن، كما لا يعترف بشيء اسمه احتلال. وفي تصريح له يعود إلى عام 2008، رفض هوكابي الاعتراف بوجود هوية فلسطينية متميزة ضمن الهوية العربية، معتبراً الحديث عنها «أداة سياسية لمحاولة انتزاع أرض من إسرائيل». وبالانتقال إلى ويتكوف، الذي خدم كصلة وصل بين مجتمع الأعمال اليهودي وترامب في الحملة الانتخابية، فامتدح نتنياهو وهاجم الديموقراطيين الذين انتقدوه، وعبّر عن قرفه من أعضاء الكونغرس الذين قاطعوا خطابه أمام جلسة مشتركة للمجلسين في أيلول الماضي. أيضاً، أبدى راتكليف، في تصريح حديث، سعادته بما سمّاه الضربات التي وجّهتها إسرائيل إلى إيران و«حزب الله» و«حماس»، داعياً إلى مساعدتها على مواصلة القيام بذلك.
يهود أميركا ضد يهود إسرائيل: صعود القوميين البيض ليس في مصلحتنا
وفي حين أن سياسة ترامب الشرق الأوسطية، صارت واضحة المعالم، فإنه سيواجه معارضة على خطين، الأول من اليهود الأميركيين الذين لا تناسب حرّياتهم الدينية وليبراليتهم الاقتصادية العودة إلى الوراء في مسألة الفصل بين الكنيسة والدولة في الولايات المتحدة، وتشجيع الثقافة المسيحية المحافظة، بما يمكن أن يعني صعود القومية المسيحية التي تكن الكراهية لليهود، علماً أن ترامب نفسه ليس محباً للأخيرين الذين كان قد قال في الحملة الانتخابية إنه سيحمّلهم المسؤولية إذا خسر الانتخابات، وتعرّض هو نفسه طوال مسار الحملة لاتهامات بمعاداة السامية. أما الخط الثاني، فهو المقاومة التي لا يعود أمامها خيار ورهان سوى القتال، فيما سيواجه الرئيس المنتخب صعوبة في جذب مزيد من الدول العربية إلى تطبيع العلاقات مع إسرائيل، في ظل انفلات العدوان. ورغم دعمه إسرائيل، إلا أن ترامب لم يُظهر، أثناء ولايته السابقة على الأقل، شهية للقتال مباشرة من أجلها، والذي يتعارض مع مبدئه القائل بسحب الجنود الأميركيين من الخارج، وليس إرسال المزيد منهم للقتال هناك. وهو حاول بالفعل سحب القوات الأميركية من سوريا، بما في ذلك قاعدة التنف، لولا ضغط مباشر إسرائيلي وأميركي داخلي أثناه عن هذا القرار.
لن يطول الأمر قبل أن يحوّل ترامب تلك المؤشرات إلى سياسة رسمية. ومع تسلّمه المنصب رسمياً في 20 كانون الثاني المقبل، يأمل متطرفو إسرائيل في بدء تنفيذ مخططاتهم بشكل علني ورسمي. وفي هذا الإطار، يقول وزير المالية الإسرائيلي، بتسليئيل سموتريتش، المسؤول عن ملف الضفة الغربية في حكومة نتنياهو، إنه بعد انتخاب ترامب، سيكون عام 2025، عام البدء في ضم الضفة.
سيرياهوم نيوز١_الاخبار