- الثلاثاء 1 كانون الأول
بناءً على طلب أميركي، مدفوع برغبة إسرائيلية، جرى تأجيل جلسة المفاوضات غير المباشرة بشأن ترسيم الحدود بينَ لبنان وكيان العدو، التي كانت مقررة غداً، من دون تحديد أي موعِد لجلسة لاحقة، بينما جرى التداول بمعلومات عن أن رئيس الوفد الأميركي (الوسيط) جون دو روشيه، سيزور لبنان للقاء المسؤولين فيه، فيما علِمت «الأخبار» أنه سيكون له لقاء أيضاً مع قيادة الجيش. جاء هذا الطلب لافتاً، على وقع مناخات متوترة في الإقليم، علماً بأن مصير التفاوض قد بدأ يترنّح منذ انتهاء الجلسة السابقة، والتي عمدَ الجانب الإسرائيلي من بعدها إلى إطلاق مواقف ضد لبنان يتّهمه فيها بأنه تراجع عمّا تمّ الاتفاق عليه.
غيرَ أن اللافِت أكثر هو ما نقلته أمس هيئة البث الإسرائيلية الرسمية عن مصدر رسمي قوله إن «الوسيط الأميركي قرَّر التركيز على إعداد الأرضية للمباحثات المقبلة». من هذه الجملة يُمكن فهم بعض جوانب الزيارة الأميركية. والمقصود بعبارة «إعداد الأرضية»، توفير أجواء للتفاوض ترتاح فيها «إسرائيل»، من خلال ممارسة المزيد من الضغوط على لبنان للتراجع عن موقفه وسقفه التفاوضي.
وما سيقوله السفير الأميركي الآتي إلى بيروت، مهّدت له زميلته، السفيرة الأميركية إلى لبنان، دوروثي شيا، التي زارت أمس رئيس مجلس النواب نبيه برّي. ورغم أن مصادر عين التنية نفت تطرّق السفيرة الى مسألة المفاوضات في الاجتماع، علمت «الأخبار» أن شيا أبلغت كلاً من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس النواب، وقائد الجيش العماد جوزف عون، أن المفاوضات قد لا تكون مفيدة في حال أصرّ لبنان على موقفه الأخير، داعية الى وضع خطة عمل جديدة قبل العودة الى طاولة المفاوضات.
وذكرت المعلومات أن السفيرة الأميركية تعتبر أن خط هوف هو خط منصف للبنان، وأن محاولة العودة الى نقاط وخطوط أخرى ستنسف المفاوضات وتضيّع فرصة التوصل الى اتفاق يسمح للبنان باستثمار سريع لثرواته النفطية من أجل مواجهة أزمته المالية والاقتصادية الصعبة.
وفيما نُقل عن رئيس وفد لبنان العميد بسام ياسين قوله إنه لن يتراجع أبداً عمّا عرضه، وإنه مستعد للاستقالة من منصبه، قال مصدر دبلوماسي غربي إن قائد الجيش سيدرس الأمر مع الرئيس عون قريباً جداً. وأعربت المصادر عن خشيتها من إدخال الملف ضمن إطار المزايدات بين القوى اللبنانية المتصارعة اليوم، ما يؤدي الى تعطيل المهمة، لافتة الى أن اتصالاتها الجانبية دلّت على أن توجيهات الوفد المفاوض يتولاها قائد الجيش وأحد الضباط المساعدين له ومستشار مدني هو من السياسيين الناشطين في البلاد. ولفتت إلى أن الرئيس عون لم يعد يتدخل بعد جلسة التوجيهات الأولية.
منذ انتهاء جلسة التفاوض الأخيرة، لم يتوقّف الجانب الإسرائيلي عن تمرير رسائِل في إعلامه يهدّد فيها بفشل الترسيم وتحميل المسؤولية للبنان. وكانَ واضحاً أن العدو استفزّه موقف لبنان برفعه سقفه التفاوضي الى حدّ بعيد، مقترحاً استرداد مساحة تتخطى 2190 كلم مربعاً، بدلاً من مساحة 863 كلم مربعاً. يومها، وفور انتهاء الجلسة، استنفرت السفيرة الأميركية، وقصدت برفقة المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيتش قصر بعبدا للقاء الرئيس ميشال عون للتعبير عن استياء أميركي من الموقف اللبناني المستجد، داعية إلى الالتزام بما «جرى الاتفاق عليه سابقاً»، أي التفاوض على الـ863 كيلومتراً.
في هذا السياق، أشارت أوساط مطلعة إلى أن «لبنان تبلّغ بتأجيل الجلسة منذ نحو أسبوع»، لافتة إلى أن «الإسرائيليين يريدون العودة الى نقطة B23 كمنطلق للتفاوض، وهي النقطة التي تم التوافق على ترسيمها بين «إسرائيل» وقبرص بين العامين 2008 و2010، نتيجة خطأ حصل عام 2007 في الترسيم من قبل لبنان واستغلته «إسرائيل» لصالحها. لذا أتى الطرح اللبناني الجديد بالحصول على مساحة 1430 كيلومتراً إضافية الى الـ 863، ما أثار نقمة الوفد الإسرائيلي.
تقول المصادر إن «هناك أجواءً عند الطرف المقابل تتحدث عن أن استكمال جلسات التفاوض في هذه المرحلة سيدور في حلقة مفرغة بانتظار تبلور سياسة الإدارة الأميركية الجديدة بعد وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض». وبالتالي، فإن هذا التأجيل «لن يكون له تداعيات سلبية الا في حال حصول طارئ معيّن». وفيما لم يتأكد بعد إذا ما كان السفير الأميركي سيلتقي مسؤولين إسرائيليين في هذه الفترة، فإن التوقعات تصبّ في خانة أن «الضغوط على لبنان ستتصاعد في المرحلة المقبلة»، إذ يُمكن أن «تكون إدارة ترامب والإسرائيليون يريدون في الشهرين المتبقيين من عمر الإدارة تحقيق خرق ما من خلال دفع لبنان إلى التراجع عن مطلبه وإعادته الى نقطة التفاوض التي يريد العدو الانطلاق منها». وهنا، تقتضي المصلحة، بحسب المصادر، «التزام لبنان بالسقف الذي وضعه، ومقاومة الضغوط وإلزام الأطراف خلال هذين الشهرين بانتظار الإدارة الجديدة أيضاً، حتى لا نظهر بمظهر المتراجع».
هل بدأت السفيرة الأميركية بممارسة الضغوط من عين التينة؟
غيرَ أن مصادر أخرى قالت لـ«الأخبار» إن «التأجيل طلبه الأميركيون لأنهم شعروا بأن الجلسات السابقة لم تحقق أي نتيجة، وأنهم في هذا الوقت المستقطع يريدون الاجتماع مع الطرفين اللبناني والإسرائيلي، كل منهما على حدة، لاستكشاف آفاقهما وسقوفهما»، مشبّهة ذلك «بالوساطة التي حصلت على اتفاق الإطار سابقاً، من أجل وضع أسس جديدة للتفاوض».
وبينما كانت حاجة لبنان كما العدو الإسرائيلي الى هذا الاتفاق كبيرة لحاجة كلّ منهما الى الاستثمار في الغاز، أبدت أوساط سياسية مطلعة تخوّفها من أن يكون تجميد التفاوض عامل توتر، يضاف إلى العوامل الأخرى التي تتصل بمناخات أمنية وعسكرية وسياسية دقيقة في المنطقة.
(سيرياهوم نيوز-الاخبار)