النسب التي تظهرها استطلاعات الرأي تجعل حزب الشعوب الديمقراطي مفتاح كل المعادلات الانتخابية التي يسعى إردوغان لتغييرها لمصلحته.
بعد سلسلة من المشاورات الثنائية بين مختلف أحزاب المعارضة التركية، اتفق زعماؤها على عقد لقاء مشترك هذا اليوم (12 شباط/فبراير )، لحسم صيغة التنسيق والتعاون والعمل المشترك خلال المرحلة القادمة، بهدف التخلص من الرئيس التركي رجب طيب إردوغان وحزبه الَّذي حكم تركيا 20 عاماً منذ تشرين الثاني/نوفمبر 2002.
زعماء المعارضة، وهم كمال كليجدار (الشعب الجمهوري)، ومارال آكشانار (الحزب الجيد)، وأحمد داوود أوغلو (حزب المستقبل)، وعلي باباجان (حزب الديمقراطية والتقدم)، وتامال كاراموللا أوغلو (حزب السعادة)، وكولتاكين آويصال (الحزب الديمقراطي)، أعلنوا سابقاً في مناسبات مختلفة ضرورة العودة إلى النظام البرلماني الذي غيّره إردوغان في استفتاء نيسان/أبريل 2017، فأصبح الحاكم المطلق للبلاد، ولم يبالِ باتهامات المعارضة له بتزوير نتائج الاستفتاء، كما لم يبالِ باعتراضها على انتخابه رئيساً للجمهورية في حزيران/يونيو 2018، بحجة أنه لا يحمل شهادة جامعية، وهو ما يشترطه الدستور.
إردوغان الَّذي يسيطر على حوالى 95% من وسائل الإعلام الخاصّة، وعلى الإعلام الحكومي بأكمله، تتهمه المعارضة بالعمل للقضاء على النظام الديمقراطي برمته، بعد أن سيطر على الجيش والأمن والمخابرات والقضاء، الذي يتخذ قراراته وفق تعليماته وأوامره، بحسب كلام المعارضة، وهو يلاحق من ينتقده أو يعارضه أو يهاجمه بتهمة الإساءة إلى رئيس الجمهورية، ويأمر باعتقال الصحافيين والمثقفين والسياسيين وأساتذة الجامعات، بعد أن وضع أكثر من 100 ألف من أنصار الداعية فتح الله غولن وأتباعه في السجون، بعد طردهم من وظائفهم في جميع أجهزة الدولة ومرافقها، وخصوصاً الجيش والأمن والقضاء، وهم جميعاً متّهمون بالتورط في محاولة الانقلاب الفاشلة في 15 تموز/يوليو 2016.
زعماء المعارضة الَّذين يتهمون الرئيس إردوغان بالتورط في قضايا فساد خطرة، يحمّلونه مسؤولية الأزمة الاقتصادية والمالية الخطرة التي أثقلت كاهل المواطن التركي بعد الزيادات المتتالية على أسعار الكهرباء والغاز والبنزين والماء وجميع خدمات القطاع العام، وبنسب عالية جداً، تتراوح بين 100 – 120%.
كما يتحدّثون باستمرار عن تراجع احتياطيات المصرف المركزي إلى ناقص 60 مليار دولار، مع احتمال إفلاس الخزانة، وهو ما يشير إليه زعيم حزب الديمقراطية والتقدم علي باباجان، الذي كان وزيراً للاقتصاد في حكومات إردوغان حتى العام 2016.
يأتي ذلك في الوقت الّذي تتهرَّب قيادات المعارضة من الحديث عن انتكاسات الرئيس التركي في السياسة الخارجية. ويعرف الجميع أنَّ هذه القيادات تختلف في ما بينها على تفسير هذه الانتكاسات، وخصوصاً في سوريا وليبيا، اللتين ما زال داوود أوغلو يؤيد سياسات إردوغان فيهما، ما يدفع بعض الأوساط السياسية إلى التشكيك في معارضته له، رغم الانتقادات التي يوجهها إليه في موضوع الفساد والاستبداد، وهي من النوع الثقيل.
ومع استمرار الرهانات المختلفة على موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة في حزيران/يونيو العام القادم، لا يستبعد الكثيرون للرئيس إردوغان أن يعلنها قبل نهاية العام الجاري، لتكون انتخابات مبكرة، حتى يضمن ترشيح نفسه، فالدستور يمنع الرئيس من أن يرشح نفسه للمرة الثالثة، إلا في حال إجراء الانتخابات قبل موعدها الدستوري.
وعلى الرغم من انتخابه رئيساً للجمهورية في آب/أغسطس 2014، ثم في حزيران/يونيو 2018، يتحدث إردوغان عن تغيير الدستور في نيسان/أبريل 2017، وانتخابه للمرة الأولى وفق الدستور الجديد الذي جعل النظام رئاسياً، فيما يعترف الدستور للبرلمان الذي يسيطر إردوغان على أغلبيته بصلاحيات تأجيل الانتخابات لأسباب مرتبطة بالأمن الوطني والقومي، مثل الحرب أو وقوع أحداث أمنية داخلية خطرة.
يدفع ذلك الكثيرين إلى الحديث عن احتمال أن يتّخذ إردوغان الذي يسيطر أيضاً على المفوضية العليا للانتخابات مثل هذا القرار، في حال اقتنع بأنه لن يفوز في الانتخابات القادمة، وهو تثبته معظم استطلاعات الرأي المستقلة. وقد توقع آخرها أن يحصل على 40% من مجموع أصوات الناخبين، كما توقع لحزب “العدالة والتنمية” أن يحصل على 30-32%، مقابل 6% لحليفه حزب “الحركة القومية”.
أما أحزاب تحالف المعارضة، فقد توقّعت استطلاعات الرأي أن تحصل معاً على 44-46% (الشعب الجمهوري 25% – الحزب الجيد 15% – حزب المستقبل 2% – حزب الديمقراطية والتقدم 4%- حزب السعادة 1%- الحزب الديمقراطي 1%)، مقابل 12% لحزب الشعوب الديمقراطي، الذي دعم مرشحي المعارضة في العديد من المدن، ومنها إسطنبول وإنطاليا ومرسين وموغلا وأزمير وأضنة، وذلك في انتخابات آذار/مارس 2019.
هذه النسب تجعل حزب الشعوب الديمقراطي مفتاح كل المعادلات الانتخابية التي يسعى إردوغان لتغييرها لمصلحته، بما في ذلك إقناع بعض الأحزاب بالانسحاب من الائتلاف المعارض، بعد حملة عنيفة تتهمها “بالتآمر على الدولة التركية، من خلال التعاون مع الشعوب الديمقراطي، ويعني العمال الكردستاني”.
وتتحدَّث السيناريوهات عن مساعي إردوغان لمنع “الشعوب الديمقراطي” من تأييد الائتلاف المذكور أو كسبه إلى جانبه، وذلك من خلال إخراج زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان من السجن (سُجن في آذار/مارس 1999)، ووضعه تحت الإقامة الجبرية في فيلا خاصة، وهو الاحتمال الَّذي يرفع سقف المساومات بين أحزاب المعارضة و”الشعوب الديمقراطي”، الَّذي قال سابقاً إنه سيدعم مرشح المعارضة للرئاسة مقابل تعهداته بمعالجة سياسية ديمقراطية للمشكلة الكردية، لضمان خروج القيادات السابقة للحزب من السجون، ومعهم رؤساء البلديات السابقون والآلاف من أنصار الحزب وأتباعه، في الوقت الَّذي يعرف الجميع أنّ الاتفاق بين أحزاب المعارضة على مثل هذه الأمور لن يكون سهلاً، وخصوصاً مع استمرار الوضع في شرق الفرات، إذ تسيطر وحدات حماية الشعب الكردية، وهي الذراع السورية لحزب العمال الكردستاني التركي، على المنطقة، بدعم أميركي.
ويفسّر ذلك المعلومات الّتي تتحدّث بين الحين والآخر عن وساطات أميركية سرية بين أنقرة والوحدات المذكورة، على الرغم من القصف الجوّي والمدفعي التركي على مواقع الوحدات المذكورة وأهدافها، والتي تتهرَّب من الرد على هذا القصف، ربما بتعليمات من واشنطن التي لا تريد أن تؤزّم الوضع في المنطقة خاصة أن لتركيا قوات كبيرة في المنطقة الممتدة من رأس العين إلى تلّ أبيض بعرض 110 كم وعمق 30 كم، مدعومين بآلاف المسلحين في الجيش السوري المعارض الموالي لأنقرة، وذلك مقابل 60- 70 ألفاً من مسلحي وحدات حماية الشعب الكردية، ومعهم حوالى 20-30 ألفاً من مسلحي العشائر العربية المشاركة في “قوات سوريا الديمقراطية”.
وتتحدّث المعلومات بين الحين والآخر عن اتصالات سرية بين “قسد” وأنقرة التي تتهرب من التصعيد معها، كما تتهرَّب الآن من اتهام واشنطن بدعمها ودعم الميلشيات الكردية، كما كانت تفعل خلال حكم الرئيس ترامب. وتتحدث المعلومات أيضاً عن مساعي أنقرة لعرقلة أيِّ حوار بين “قسد” والميليشيات الكردية مع دمشق، بعد أن نجح الرئيس إردوغان، ومعه أمير قطر المدعوم من الرياض، بعرقلة دعوة سوريا إلى القمة العربية في الجزائر.
ويأتي الاهتمام التركي بالوضع في العراق، حيث مشاورات إردوغان مع ناتشروان برزاني ومحمد الحلبوسي، في إطار حسابات أنقرة الخاصة بالمشكلة الكردية تركياً وإقليمياً، فأنقرة تنسّق مع بغداد والبشمركة الموالية للبرزاني لمواجهة أيِّ خطر محتمل قد يكون مصدره حزب العمال الكردستاني الذي يحضر بقوة في شرق الفرات وشمال العراق، والأهم من ذلك جنوب شرق تركيا وتركيا عموماً، حيث يصوت حوالى 6 مليون ناخب لحزب الشعوب الديمقراطي، الجناح السياسي لحزب العمال الكردستاني، الذي يقاتل ضد الدولة التركية منذ 40 عاماً تقريباً.
وكانت هذا السّنوات كافية لجعل هذا الحزب قفل ومفتاح العديد من الحسابات التركية داخلياً وإقليمياً، على الرغم من حديث أنقرة الدائم عن القضاء على هذا الحزب الذي وصل إلى ما وصل إليه بفضل ما يسمى بـ”الربيع العربي”، الذي كان إردوغان، وما زال، لاعبه الرئيسي في سوريا بالذات، إذ يسيطر الجيش التركي على حوالى 10% من الجغرافيا السورية، ومعه عشرات الآلاف من مسلّحي الفصائل السورية المختلفة، بما فيها “النصرة”، التي يتوقّع البعض لها أن تساعد إردوغان على مواجهة أي احتمالات مسلحة داخلية أو خارجية تستهدف تركيا، والأهم من ذلك تشكّل خطراً عليه شخصياً، وهو ما يعني أنَّ معظم الرهانات الداخلية والإقليمية، والدولية أيضاً، كان، وما زال، حول مصير شرق الفرات بعنصره الكردي ومستقبله، باعتباره امتداداً للمشكلة الكردية تركياً وعراقياً وإيرانياً، كما هو الحال منذ اتفاقية “سيفر” قبل 102 عام.
وقد عانت خلالها الدول الأربع ما يكفيها من المشاكل، ودفع الكرد دائماً ثمنها، بعد أن كانوا، وما زالوا، ورقة في مهبّ الرياح الإقليمية والدولية، لأنهم فشلوا في توحيد صفوفهم، ودخلوا في صراعات دموية في ما بينهم. وقد راهنت الدول الأربع دائماً على هذه الصّراعات واستغلّتها، ووضعت عواصم دولية من أجلها أيضاً العديد من الحسابات، وآخر مثال على ذلك هو صراع الطرفين الكرديين على منصب رئاسة العراق، وقبل ذلك تحالف أحد هذين الطرفين (الحزب الديمقراطي الكردستاني) مع إردوغان ضد العمال الكردستاني التركي في تركيا، والآن في سوريا.
ويبدو واضحاً أنّ إردوغان وضع من أجلها منذ العام 2011، وما زال، العديد من الحسابات، وأهمّها أن لا يتّفق كردها مع دمشق التي انطلق منها عبد الله أوجلان في بداية الثمانينيات، ليجعل حزبه عنصراً مهماً جداً في معظم المعادلات الإقليمية والدولية، ويقرر الآن، وبالتحالف مع أميركا، مصير سوريا والعراق وتركيا، والأهم مستقبل إردوغان!
(سيرياهوم نيوز-الميادين12-2-2022)