آخر الأخبار
الرئيسية » كتاب وآراء » تركيا التائهة بين الشرق والغرب والمعتدية على سورية

تركيا التائهة بين الشرق والغرب والمعتدية على سورية

د. عبد الحميد فجر سلوم

**مع نهاية الحرب العالمية الثانية كانت نهاية السلطنة العثمانية، وفي العاشر من آب 1920 تمّ التوقيع على معاهدة سيفر بين الحلفاء المنتصرون وهذه السلطنة المهزومة، وبموجبها تمّ تحديد حدود سورية مع تركيا بدءاً من بلدة (كاراتاش) شمال غرب خليج اسكندرون على البحر المتوسط، وعلى خط طول مدينة أضنَة ثم يتّجه الخط حتى بلدة جيهان، ثمّ يتّجه شرقا بحيث يضمُّ مدُن عنتاب وأورفا وماردين وجزيرة ابن عمر، ويكون خط الحدود من الشمال الشرقي عند التقاء نهر (قره صو) مع نهر دجلة، ثم يسير خط الحدود بشكل مستقيم مع نهر دجلة حتى دخول الأراضي العراقية..

ولكن بعد رفض المقاومَة العسكرية التركية بقيادة مصطفى كما أتاتورك لذلك، قامت فرنسا بِعقدِ (اتفاقية أنقرة) في تشرين أول عام 1921، وتنازلت بموجبها عن 18 ألف كيلو متر مربّع للجانب التركي من الأراضي السورية المُحدّدة باتفاقية سيفر، ثمّ ثبّتوا ذلك لاحقا باتفاقية لوزان 1923 .

**

مشكلة سورية مع جارتها الشمالية ليست بجديدة. فهي مُستمرّة منذ زمن الأتراك السلاجقة، إلى الأتراك العثمانيين، إلى الأتراك الأردوغانيين.

ولا ننسى أن أصول هؤلاء التاريخية تعود إلى منطقة آسيا الوسطى، ووصلوا إلى الأناضول عام 1017 ميلادي، بعد الانتصار على البيزنطيين في معركة (ملاذ كُرد). وهُم والمغول من ذات الأصل، حسب كتُب التاريخ. وكانوا يتبعون ديانة وثنية تُدعى (التنغرية).

وحسب كتاب ابن الأثير(الكامل في التاريخ) فقد وصل الفتح الإسلامي لتلك البلاد منذ عهد الخليفة عمر بن الخطاب، وبدأ التحوُّل نحو الإسلام..

**

إذا خلافات سورية مع التُرك قديمة ومُمتدّة. لسنا بصدد استعراض التاريخ، ولكن لدى سورية خلافات كبيرة مع تركيا حتى قبل الأحداث عام 2011 وتدخُّل تركيا بذلك، وتأجيج الحرب بدعمها للقِوى الإسلامية، والإرهاب، وللأقلية التركمانية التي انحازت للأسف لجانب تركيا. ثم احتلال 8830 كم2 من الأراضي السورية خلال ما عُرف بعمليات: درع الفرات 2016، وغُصن الزيتون 2018، ونبع السلام 2019 ..

**

الخلاف الأساس حول لواء إسكندرون الذي سلبتهُ تركيا بتآمر فرنسي عام 1939، وهذا قاد إلى خلافات كبيرة أيضا أهمها تحديد حدود المياه البحرية الإقليمية لسورية. فبالنسبة لسورية تحديد هذه الحدود، والجرف القارّي، يبدأ من حدود مياه اسكندرون وليس من الحدود السورية التركية الحالية المفروضة بالاغتصاب لإسكندرون. وهذا ما جعل سورية ترفض التوقيع على اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار.

وهذا الصراع تعيشهُ تركيا في تحديد المياه الإقليمية مع اليونان والخلافات في بحر إيجة. ولذلك لم توقع تركيا على اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار( شاركتُ في نيويورك في الاجتماعات حول مسودة هذه الاتفاقية عام 1982).

وإسرائيل لم توقع عليها لأنها لا تعترف بحدود المياه الإقليمية لفلسطين ولبنان، إذ حسب الاتفاقية فإن المسافة تمتد 22 كم من خط البداية للمياه الإقليمية. وتُحسَب المسافة من آخر نقطة على اليابسة تنحسر عنها المياه. وهذه تمارس الدولة عليها سيادتها الكاملة.

ولكن يبدو أن إسرائيل ولبنان توصّلتا إلى اتفاق ترسيم الحدود البحرية في تشرين أول 2022 ..

**

من جهة أخرى هناك الخلافات حول حصّة سورية والعراق من مياه نهر الفرات.

تركيا تتلاعبُ دوما بمسألة المياه مع سورية والعراق في نهر الفرات، ولا تحترم الاتفاقية الموقّعة عام 1987 والتي التزمت تركيا بموجبها بإطلاق 500 متر مكعب في الثانية، يتقاسمها البَلَدان.. وفي غالبية الأوقات تنخفض هذه النسبة إلى 200 متر مكعب في الثانية.

واذكُر حينما كنتُ أعملُ في إدارة المياه الدولية بوزارة الخارجية عام 2000، أنهُ تمّ استدعاء السفير التركي بدمشق، بناء على توجيهات معاون الوزير حينها، الراحل وليد المعلم، وكنتُ شخصيا من أبلغهُ امتعاض الحكومة السورية من عدم التزام تركيا بتعهداتها بموجب اتفاقية 1978 وانخفاض حصة سورية من المياه إلى معدّل 200 متر مكعب في الثانية بدل 500 ..

تركيا بدأت منذ السبعينيات بإنشاء عشرات السدود على مجرى نهر الفرات، في إطار ما يُعرفُ بمشروع ” غاب” ، وأبرزها خمسة سدود عملاقة، أضخمها سد أتاتورك، الذي تبلغ طاقة بحيرتهِ التخزينية 48 مليار متر مكعب..

وكم كنتُ أنظرُ من نافذة الطائرة، وأنا مُسافرٌ، أو عائدٌ من يريفان، وفي الأجواء التركية، إلى مياه تلك السدود التي تشعرُ وكأنها بحارا، بين الجبال والوديان..

استخدمت تركيا المياه دوما كسلاح سياسي في وجه سورية.. وللأسف لم يكُن باليد حيلةٍ سوى المناشدات واللّغط الإعلامي، الذي لا تقبضهُ تركيا بمثقال ذرة.. وبدا حقُّ سورية من مياه نهر الفرات عبارة عن مسألةِ شفقة وعطف من تركيا، وخاضعة دوما للمزاج التركي، وليس حقّا يضمنه القانون الدولي في الأنهار العابرة للحدود..

حتى في زمن الغرام مع تركيا، كانت تحجبُ كميات المياه المُتّفق عليها مع سورية.. ولكن كانت تستجيب للمطالب والمناشدات، بشكلٍ خجولٍ.

**

تركيا حتى اليوم حائرة بين الشرق وبين الغرب. ففي الوقت الذي قبلوها في حلف الناتو الغربي لم يتمّ قبولها في الاتحاد الأوروبي(فهُم أرادوها فقط وجه قُبح) وهي سعت كثيرا، وتسعى في سبيل الانضمام للاتحاد الأوروبي.. فغالبيةٌ في الشعب التركي يعتبرون أنفسهم غربيون ثقافيا، لاسيما النُخب التركية التي يعتنق غالبيتها تصورات وأفكار غربية، ويتحدثون عن الحضارة الغربية..

في ليلة 8 / 10 / 2011 وقف أحمد داوود أوغلو، وكان وزير خارجية، أمام نخبة من الكُتاب الأتراك، وصرّح أن تركيا جزءا من المعسكر الغربي. إلا أن فرنسا كانت دوما تُعارض، وتطلب من تركيا الإعتراف بالمجزرة الأرمينية..

وفي 7 / 10 / 2011 ، أكّد ساركوزي مُجدّدا، خلال زيارته لأرمينيا، وكان رئيس فرنسا حينها أن (تركيا لا تُعتبَر جزءا من الاتحاد الأوروبي ـــ يعني من الغرب ــ مُطالِبا إياها بالإقرار بماضيها والاعتراف بالمجزرة الأرمينية..) ..

فكان رد كلٍّ من أردوغان، وداوود أوغلو( أنه على فرنسا أن تواجه ماضيها الاستعماري قبل إعطاء الدروس للآخرين عن كيفية مواجهة التاريخ)..

**

خلافات تركيا قائمة في كل محيطها الإقليمي.. مع أرمينيا، مع اليونان، مع قبرص، مع سورية، ومع العراق..

كل النوايا الطيبة أظهرتها سورية تجاه تركيا قبل 2011 ، من اتفاقات، لاسيما اتفاقية منطقة تجارة حرّة كانت كلها لصالح تركيا، وفتحٍ للحدود، وحتى الحديث عن الإرث السوري التركي المشترك، بدل الحديث التاريخي عن تركيا كدولة استعمارية.. ومع ذلك كل هذا لم ينفع.

ولذلك القيادة السورية معها الحق في وضع شروط قبل أي لقاء مع أردوغان، فرياح التاريخ الحارّة التي هبّت دوما من تركيا لفحَت وجه سوريا كثيرا.. وكما يقول المثل العامي: اللّي حارقو الحليب بينفخ ع اللّبن..

 

 

 

سيرياهوم نيوز 2_راي اليوم

x

‎قد يُعجبك أيضاً

سوريّةُ والمحورُ.. واستراتيجيّةُ الأدوارِ المسقوفة!!..

خالد العبود   -هذهِ المرحلةُ من النّزالِ، بينَ محورِ فلسطين من جهةٍ، وكيانِ الاحتلالِ ومن يقفُ إلى جانبِهِ من جهةٍ أخرى، هي مرحلةٌ شديدةُ الدّقةِ، ...