- محمد نور الدين
- الإثنين 9 آب 2021
مع اتّساع نطاق الحرائق في تركيا، اتّسعت أيضاً رقعة الاتّهامات لتصل إلى الولايات المتحدة، ورئيسها جو بايدن «الذي يواصل الانقلاب» بطريقة أخرى، وفق ما رأى البعض. في مقابل ذلك، اعتبرت المعارضة أن السلطة تتهرّب من واقع ضعفها وتخبّطها إلى اتّهام أطراف أخرى و«عقل أعلى»، بالوقوف وراء الحرائقتواجه تركيا المزيد من المصاعب، مع اتّساع دائرة الحرائق التي غطّت مساحات هائلة من وسطها وساحلها الجنوبي إلى المناطق الغربية على بحر إيجه، ولا سيما منتجعاتها السياحية. وكانت المفاجأة أن الطيران المخصّص لإطفاء الحرائق ظهر كلّه معطّلاً وغير صالح للقيام بمهمّاته، ما اضطُرّ أنقرة إلى استئجار متأخّر لأربع طائرات من أوكرانيا، وواحدة من إسرائيل. وبالتزامن مع ذلك، اتّسع نطاق السجالات الحادّة والتي رافقها أيضاً ازدياد أعداد الإصابات بفيروس «كورونا»، إضافة إلى استمرار توجّه تركيا نحو إرسال قوّات إلى أفغانستان، في وقت تغرق فيه تلك البلاد في موجات اقتتال واسعة بين الحكومة وحركة «طالبان» التي تتقدّم وتحذّر كلّ الجنود الأجانب من البقاء، ومن بينهم الأتراك.
وأمام هذا العجز، كانت السلطة جاهزة، منذ اللحظة الأولى، لاتّهام «حزب العمّال الكردستاني» بجزء من الحرائق. لكن مع الوقت، راحت بوصلة الاتّهامات ترسو في مكان آخر، مضيفة متّهمين جدداً بالحرائق. إذ اعتبر الكاتب محمد متينير الذي يعدّ من الأسماء البارزة في «حزب العدالة والتنمية»، أن من يقف خلف الحرائق معروف، وقال في صحيفة «يني شفق» الموالية للحزب: «صحيح أن الحرائق تشتعل في كلّ العالم. لكن الحرائق التي طالت بلدنا، ولا سيما المناطق السياحية، هي نتاج عمل تخريبي… يجب أن نرى العقل الأعلى الذي يقف خلفها». وتابع متينير: «هذه الحرائق هي عبارة عن اعتداء إرهابي موجّه إلى صورة الاقتصاد التركي وحكومة (الرئيس رجب طيب) إردوغان. الهدف هو جعل الغضب يتقاطع مع أضرار كورونا، للحطّ من صورة إردوغان والانتقال إلى سيناريو إسقاطه. وهذا يتطلّب خلق مناخٍ مؤاتٍ لذلك». وأضاف أن «من يظنّ أن سيناريو جو بايدن لإسقاط إردوغان قد طُوي، فهو واهم. الحريق مجرّد ذريعة. يوجد عقل أعلى وراء كلّ ذلك وتجربة جماعة فتح الله غولن موجودة». كما اعتبر أن «سيناريو الفوضى أمامنا وسيناريو (انتفاضة) غيزي أمامنا». ويذكّر مصطلح «عقل أعلى» بما كان يوجّهه إردوغان من اتّهامات لِمَن يقف وراء أيّ اضطرابات كانت تُدبّر ضدّه، من دون تحديد أصحاب «العقل الأعلى» هذا.
في المقابل، تضع المعارضة اللوم على السلطة، المتّهَمة من قِبَلها بأنها عملت في السنوات الماضية على ضرب مؤسّسات الدولة وتفريغها من قدراتها. وفي هذا الإطار، قال محمد علي غولير في «جمهورييات» إنه «لو كانت الدولة قوية لصمدت أمام الحرائق وغير الحرائق، ولما كنّا سمعنا بوجود عقل أعلى وراء الكوارث». ورأى غولير أن «خصخصة المؤسّسات، بل شخصنتها، كانت في أساس ضعف الدولة وعجزها عن مكافحة الحرائق»، مضيفاً أن «الإمبريالية عدوة الشعوب وتفعل كلّ شيء مضرّ، لكن لو أن الدولة كانت قوية لواجهت كلّ ذلك باقتدار. سلطة إردوغان قوّضت الدولة بمشاريع الخصخصة الهائلة». وأضاف: «كم يبدو مضحكاً منظر إردوغان يوزّع الشاي على السكّان في مناطق حرائق بدلاً من إرسال طائرات لإخمادها، في دعاية انتخابية مفضوحة». وخلص الكاتب إلى أنه «كلّما تقلّصت حركة العقل والعلم، تكاثرت عمليات البحث عن العقل الأعلى».
في السياق نفسه، صبّ خبراء جام غضبهم على السياسات المتّبعة من قِبَل «حزب العدالة والتنمية» في مسألة تخصيص المؤسّسات العامّة. ورأوا أنها تأتي في إطار تدمير المؤسّسات التي أسّسها أتاتورك، حيث يُراد للأتراك أن ينسوا عهداً كان في أساس نهضة تركيا الحديثة. وذكّر المؤرّخ حقي أويار بأن «أتاتورك عمل كلّ ما بوسعه لكي يُمأسِس الدولة. وقد بدأت عملية المأسَسة منذ عهد التنظيمات عام 1839، لكنها بلغت ذروة اتّساعها معه. ومن هذه المؤسّسات، هيئة الطيران التركية، ومؤسّسة حفظ الصحة»، معتبراً أن العمل على تصفية هذه المؤسّسات وغيرها، هو جزء من خطّة تصفية الجمهورية التركية، أي تصفية الدولة التركية». وأضاف أويار «أنّنا بعمليات الخصخصة هذه، إنّما نُخرّب الدولة التركية، ونضرب النموذج الذي عملت على أساسه. ولو كانت مؤسّسة حفظ الصحة ما زالت قائمة، لَتجاوَزنا بسهولة أزمة اللقاحات في مسألة كورونا، ولم نكن لنرتهن للخارج. ولو كانت هيئة الطيران، اليوم، على ما كان أتاتورك يريدها، لما عجِزنا عن مواجهة الحرائق وانتظرنا طائرات إخماد من الخارج».
بدأت الساحة السياسية تشهد استقالات لوزراء، أوّلهم وزير التربية، ضياء سلجوق
من جهته، رأى الخبير في الصحة، أحمد صالتيك، أن الدولة تتعرّض، منذ 19 عاماً، للتدمير المتواصل. وقال: «للأسف، فإن ما هو موجود في تركيا، اليوم، هو مشروع حزب العدالة والتنمية. وهو مشروع هدم الجمهورية التركية وتقسيمها وتجزئتها، والثأر لاتفاقية سيفر ووضع معاهد لوزان في سلة القمامة». وأشار صالتيك إلى أن «مؤسّسة حفظ الصحة، مثلاً، تأسّست عام 1928، وقدّمت المساعدة حتى للصين، في زمن الكوليرا عام 1938. كما أمّنت اللقاحات للجيش الأميركي، خلال الحرب العالمية الثانية. ومنذ عام 1998، بدأ تدمير المؤسّسة وحجب المساعدات عنها، ومن ثمّ أغلقها حزب العدالة والتنمية بالكامل، عام 2011، وقال إن الدولة في حال الطوارئ تأتي باللقاحات من الخارج». وتابع أن «النتيجة كانت أنّ الدول الإمبريالية أمّنت اللقاحات مضاعفة لسكّانها وتركت الآخرين بلا لقاح، ومنهم تركيا التي واجهت أزمة كبيرة بهذا الخصوص، بينما الدول المتحضّرة والمتطوّرة تمضي في طريقها عبر المؤسّسات».
أمّا المدير السابق لهيئة الطيران المدني التركي، الطيّار الجوّي المتقاعد إردوغان قره قوش، فلفت إلى أن «الديون أغرقت المؤسّسة بسبب الإدارة السيّئة وسياسة الديون، وانتهت المسألة إلى التخصيص». ووافق زعيم «حزب الشعب الجمهوري»، كمال كيليتشدار أوغلو، ما قال قره قوش، مُذكّراً بأن «هيئة الطيران التركي نالت قرضاً بقيمة 80 مليون دولار»، متسائلاً: «أين ذهبت هذه الأموال؟ ومن كان يراقب عمليات الإنفاق؟»، ليجيب: «توجد عملية سرقة وفساد كبيرة». وفي مسألة تقع في قلب أخطاء السلطة القائمة، أكّد كيليتشدار أوغلو أنه إذا تسلّم السلطة، سيعيد اللاجئين إلى سوريا، وسيغيّر سياسة تركيا الخارجية «180 درجة»، معلِناً أنّ أول عمل سيقوم به هو إعادة فتح السفارة التركية في دمشق، واستئناف العلاقات الديبلوماسية.
بالتوازي مع ذلك، وبفعل حجم المشاكل الهائل الذي تواجهه تركيا، بدأت الساحة السياسية تشهد استقالات لوزراء، أوّلهم وزير التربية، ضياء سلجوق، الذي عُيّن مكانه مساعده، محمود أوزير. ويَتوقّع مراقبون استقالات أخرى لشخصيات مِن مّثل وزير الصحة، فخر الدين قوجا، ووزير الزراعة والغابات، بكر باق ديميرلي. وربّما تأتي هذه الخطوات في سياق تنفيس الغضب والاحتقان في الشارع. ووفقاً لمصادر صحافية نقلاً عن قيادي سابق في «حزب العدالة والتنمية»، فإن وزراء الخارجية والداخلية والدفاع سيبقون، مع احتمال توزير تعيين حاقان فيدان رئيس الاستخبارات، كما صهر إردوغان، برات البيرق، بدلاً من الذين سيستقيلون.
ووسط هذا التوتّر الداخلي، أجرت شركة «آقصوي» للاستطلاع استقصاءً للرأي العام بشأن من سيربح لو أُجريت الانتخابات الآن. وجاءت النتيجة صادمة لـ«تحالف الجمهور»، أي لحزبَي «العدالة والتنمية» و«الحركة القومية». إذ بعد توزيع أصوات المتردّدين، الذي قاربت نسبتهم 27 في المئة، نال «تحالف الجمهور» 40.3 في المئة، فيما نال «تحالف الأمة»، المؤلّف من «حزب الشعب الجمهوري» و«الحزب الجيد» 41.6 في المئة. أمّا على الصعيد الحزبي، فنال «حزب العدالة والتنمية» 32.2 في المئة، و«حزب الشعب الجمهوري» 27.7 في المئة، و«الحزب الجيد» 13.9 في المئة، و«حزب الحركة القومية» 8.1 في المئة، فيما حصد «حزب الشعوب الديموقراطي» الكردي عشرة في المئة. وحاز «حزب الحرية والتقدّم» برئاسة علي باباجان 2.8 في المئة، و«حزب المستقبل» برئاسة أحمد داود أوغلو 1.2 في المئة، و«حزب السعادة» الإسلامي 1.3 في المئة. وفي حال اتفاق المعارضة على مرشّح واحد، فإنه سينال أصوات «تحالف الأمة» و«الشعوب الديموقراطي» و«الحرية والتقدّم» و«المستقبل»، أي ما مجموعه 55.6 في المئة، وهذه نسبة عالية جداً.
(سيرياهوم نيوز-الاخبار)