علاء حلبي
مرّة أخرى، عاد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، إلى مغازلة الرئيس السوري، بشار الأسد، عبر حديث نشرته هذه المرة وكالة «الأناضول» التركية، أعلن خلاله استعداد بلاده لتوجيه دعوة إلى الأسد لزيارة تركيا. وأشار إردوغان إلى رغبة بلاده في عودة العلاقات مع دمشق «إلى سابق عهدها»، في وقت لا تزال فيه الأخيرة تلتزم الصمت في انتظار ما ستؤول إليه الجهود الروسية والعراقية لعقد حوار سوري – تركي مرتقب في العاصمة العراقية بغداد. وأشار الرئيس التركي، الذي أطلق تصريحاته خلال عودته من ألمانيا، إثر حضوره مباراة لمنتخب بلاده أمام هولندا في بطولة «الأمم الأوروبية»، والتي شهدت خروج تركيا، إلى وجود مسارين في الوقت الحالي للتقارب مع سوريا، قائلاً إن الرئيس بوتين «لديه نهج للاجتماع (مع الرئيس الأسد) في تركيا. ورئيس الوزراء العراقي لديه نهج»، وتابع: «نحن نتحدث عن الوساطة، فما المانع من التحدث مع جارتنا». وبينما كان الرئيس التركي يطلق تصريحاته الجديدة، أعلنت وزارة الداخلية التركية القبض على عدد من المتسبّبين بحوادث العنف الموجّهة ضد السوريين على خلفية عنصرية في مناطق عديدة من تركيا، أبرزها ولاية قيصري. كما قامت منصات رسمية تركية بعرض تسجيلات مصوّرة لسوريين تم القبض عليهم في الداخل السوري، بعدما قاموا بإحراق العلم التركي. وظهر في الصور، التي تهدف إلى توجيه رسائل حازمة إلى المناطق الخاضعة للسيطرة التركية شمال غرب البلاد، مراهقون وشبّان يعبّرون عن ندمهم على إحراق العلم التركي قبل أن يقوموا بتقبيله.
في السياق نفسه، ذكرت مصادر معارضة تحدثت إلى «الأخبار»، أن السلطات التركية وجّهت تحذيرات شديدة اللهجة إلى متزعّمي الفصائل وعدد من المؤثّرين في الرأي العام في مناطق المعارضة، من أنّ أيّ تحركات مناوئة لتركيا ستواجه بحزم شديد. وأفادت المصادر بأن ثلاثة اجتماعات عقدت خلال اليومين الماضيين، أحدها في معبر باب الهوى مع مسؤولي «هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة – فرع تنظيم القاعدة سابقاً في سوريا)، واثنين آخرين مع قادة الفصائل، أحدهما في منطقة حوار كلس شمالي حلب، حيث شهد حضور عدد كبير من قادة الفصائل والناشطين والمؤثرين. وبدا لافتاً في الاجتماعات الثلاثة حرص أنقرة على توجيه رسائل واضحة ومحددة، بضرورة ضبط الشارع ومنع أي انفلات أو تكرار لحالة الفوضى التي شهدتها بعض المناطق أخيراً، بالإضافة إلى تجاهل معظم الأسئلة التي وجّهها الحاضرون حول مساعي التطبيع التركية مع دمشق، ومصير الفصائل ومناطق سيطرتها.
يظهر استمرار الغزل السياسي لدمشق إصرار أنقرة على المضيّ قدماً في مسار التطبيع مع دمشق
وقالت المصادر إن «مسؤولي الفصائل التزموا بدورهم الصمت خلال الاجتماعات، فيما ظهرت بعض أصوات الحاضرين التي تطالب تركيا باتخاذ مواقف مغايرة، غير أن المسؤولين الأتراك لم يظهروا أيّ استجابة واضحة، باستثناء الحديث عن ضرورة ضبط الشارع ومنع الانفلات»، الأمر الذي فسّرته المصادر بأنه ناجم عن «تعليمات تركية سبقت الاجتماع إلى قادة الفصائل بعدم الخوض في أي تفاصيل والتركيز على الجانب الأمني». وأشارت إلى أن تصريحات إردوغان بأن من يرفض التقارب بين أنقرة ودمشق ينتمي إلى تنظيم «داعش» أو إلى أحزاب كردية انفصالية، كان لها «وقع كبير في الأوساط السياسية والفصائلية المعارضة»، مبيّنة أن «ثمّة خطة يجري العمل عليها، تقضي بتوسيع الحضور الأمني التركي عن طريق الفصائل، في ظل عدم الحاجة إلى جميع المقاتلين على جبهات القتال مع الأكراد في الوقت الحالي، وخصوصاً أنهم ما زالوا يتقاضون رواتبهم التي تدفعها تركيا وقطر».
على أن التحرك التركي الأخير، واستمرار الغزل السياسي لدمشق، يظهران إصرار أنقرة على المضيّ قدماً في مسار التطبيع مع الأخيرة، بعدما تسبّبت السياسة العدائية التي بدأت عام 2011، بأضرار تبدو بالغة في التركيبة السكانية التركية والاقتصاد التركي، بالإضافة إلى أنها أفسحت المجال للولايات المتحدة الأميركية لتنمية الحضور الكردي. ودفع كل ذلك إردوغان إلى إعادة حساباته، في ظل استنفاده كل فرص الاستثمار الممكنة للأزمة السورية، سواء عبر ابتزاز الاتحاد الأوروبي وتهديده بفتح الأبواب أمام موجات اللجوء، أو عن طريق تجنيد مرتزقة وإرسالهم إلى أذربيجان وليبيا والنيجر ودول أخرى تمتلك فيها أنقرة مصالح سياسية واقتصادية. كما تأتي الاستدارة التركية بعدما تحوّل السوريون إلى عبء كبير، سواء في الداخل التركي، أو حتى في الشمال السوري الذي تنتشر فيه عشرات الفصائل المختلفة الأيديولوجيات (بعضها «جهادية» وتضمّ مقاتلين غير سوريين)، ويتكدّس فيه نازحون في مخيمات عشوائية قرب الشريط الحدودي، يحاول بعضهم بشكل مستمر عبور السياج الحدودي نحو تركيا.
سيرياهوم نيوز1-الاخبار اللبنانية