محمد نور الدين
من بين الملفّات العالقة بين إدارة الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، والغرب، يمثّل طلب السويد الانضمام إلى «الناتو» أولوية ضاغطة، على الأقلّ من جانب حلفاء أنقرة الأطلسيّين. وقد شكلت تركيا مع السويد وفنلندا، برعاية أمين عام الحلف ينس ستولتنبرغ، آلية ثلاثية، اعتباراً من الأول من حزيران من العام الماضي في مدريد، لبحث مطالب أنقرة المتعلّقة بنشاطات «الجماعات الإرهابية»، سواءً الكردية منها أو تلك التابعة لجماعة فتح الله غولين، في البلدَين الساعيَين لعضوية «الأطلسي». وفي ضوء تجاوبهما، أمكن فنلندا، التي تشترك بحدود جغرافية مع روسيا على امتداد 1340 كيلومتراً، اجتياز الامتحان التركي، فيما لا تزال السويد، التي لا حدود مشتركة لها مع روسيا، تصارع من أجل عدم الاعتراف بجوهر المطالب التركية، وهو الأمر الذي حال دون أن تنال مباركة أنقرة النهائية، والتي ينبغي صدورها عن البرلمان التركي. وإذا كانت هلسنكي قد حازت الموافقة التركية قبل الانتخابات الرئاسية الأخيرة والتجديد لإردوغان، فإن تأخير الموافقة على انضمام استوكهولم، ولا سيما إلى ما بعد الانتخابات، من شأنه أن يضاعف شروط أنقرة، إنْ لم يكن العضوية قد أضحت مستعصية بالكامل. ولذا، دخل «حلف شمال الأطلسي» على الخطّ، معتبراً أن السويد لبّت كلّ الشروط التركية، فيما قال الرئيس الأميركي جو بايدن، بعد لقائه ستولتنبرغ، في 13 حزيران، إنه «يجب أن تنضمّ السويد إلى الحلف في أسرع وقت». ويريد «الناتو» من وراء استعجال انضمام السويد إليه قبل قمّته المرتقبة في فيلنيوس (عاصمة ليتوانيا) في 11 و12 تموز المقبل، أن تكون الرسالة أقوى من حلفٍ يضمّ في عضويته 32 دولة.
لكن ذلك لم يغيّر الموقف التركي؛ فاجتماع الآلية المشتركة في أنقرة، في 14 حزيران الجاري، لم يسفر عن نتيجة ملموسة، فيما شكّل اجتماع وزراء دفاع «الأطلسي» في بروكسل، يومَي الخميس والجمعة الفائتَين، مناسبة أكد فيها وزير الدفاع التركي الجديد، ياشار غولر، موقف بلاده المؤيّد لسياسة «الباب المفتوح» للعضوية، معتبراً أن على السويد، إذا أرادت الانضمام إلى الحلف، أن تتجاوب مع مطالب تركيا بمنع نشاطات «حزب العمال الكردستاني» أو الجماعات المؤيّدة له الموجودة على أراضيها، وأن تتشدّد في قوانينها تجاه الانفصاليين الأكراد. كما عليها، وفق غولر، أن تحذو حذو فنلندا، علماً أن هذه الأخيرة أقدمت، للمرّة الأولى، على محاكمة شخص كان يجمع تبرّعات لمنظّمة إرهابية، فضلاً عن إصدارها قانوناً جديداً لمكافحة الإرهاب، تقول أنقرة إنه مخصّص لـ«مكافحة داعش» وليس عناصر «العمال الكردستاني». ومن جهته، قال إردوغان، أثناء عودته من باكو (عاصمة أذربيجان)، إنه لا يتوقّع أيّ موقف تركي إيجابي قبيل انعقاد قمّة فيلنيوس، ما يعني أن المسألة مؤجّلة إلى ما بعد انتهاء القمّة. لكن رئيس حزب «الآراء المتعدّدة» السويدي، ميكائيل يوكسيل، أشار إلى أن الانطباع في بلاده هو أن «واشنطن يمكن أن تضغط على أنقرة لقبول عضوية السويد، فيما يمكن تركيا أن توظّف ورقة الانضمام لتحصيل مكاسب من الولايات المتحدة حول شراء طائرات “إف-16″».
ad
يريد «الناتو» من وراء استعجال انضمام السويد قبل قمّة فيلنيوس، أن تكون الرسالة أقوى من حلفٍ يضمّ 32 دولة
وفي هذا الإطار، يرى الكاتب تونجا بنغين، في صحيفة «ميللييات» الموالية، أن مسألة عضوية السويد أبعد من ذلك بكثير، قائلاً إن «الرأس الأعلى لحلف شمال الأطلسي هو الولايات المتحدة، وانتظار الإجماع من الدول الأعضاء في قرار ما، ليس سوى شكليّات. وعلى سبيل المثال، فإن السويد، لتدخل الحلف، لا تنظر إلى ما تقوله أنقرة، بل ما تقوله واشنطن. والناطق باسم البيت الأبيض قال إن السويد قد وفت بما تطلبه تركيا وستكون “شريكاً قويّاً يحمل قيم الحلف”». «لكن هل تحمل الولايات المتحدة قيم الحلف؟»، يتساءل بينغون، ليجيب: «صحيح أن السويد عدّلت قانون مكافحة الإرهاب، لكنه لم يكن كافياً… وإردوغان تحدّث أثناء عودته من باكو متسائلاً عن معايير الحلف في مكافحة الإرهاب. هذه مشكلة على الأطلسي أن يحلّها قبل حلول موعد قمّته المرتقبة». ويقول بينغون إن تركيا «لم تضيّع معيار مكافحة الإرهاب، وحاربته بكل الوسائل الممكنة بما في ذلك الدخول في صدام مع الدول التي تدعمه. وكان على الأطلسي لو أنه صادق، أن يقف إلى جانب تركيا في معركتها، وفقاً للمادة الخامسة من قانون الحلف والتي تنصّ على وقوف جميع الأعضاء إلى جانب أحد الأعضاء حالَ تعرّضه لعدوان إرهابي»، مضيفاً: «لكن هذا البند لا يناسب الولايات المتحدة في سوريا، حيث أسّست “قوات حماية الشعب” الكردية التابعة لـ”حزب العمال الكردستاني”، وسلّحتها ودرّبتها، والآن تخرج بكلّ وقاحة لتقول إن السويد وفت بتعهّدات مكافحة الإرهاب، وتطلب موافقة تركيا على انضمامها للحلف». ويلفت الكاتب إلى «سذاجة» أخرى يتبنّاها بعض أعضاء الكونغرس الأميركي، وهي أن تركيا تساوم في مسألة العضوية هذه للحصول على طائرات «إف-16»، متابعاً أن «وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، قال إنه لا رابط بين الموضوعَين، وبيْع هذه الطائرات لتركيا فيه مصلحة الولايات المتحدة. ولكن لو أن بلينكن تحدّث عن وجود رابط، فهذا أمر طبيعي، لأن السفير الأميركي السابق في تركيا، جيمس جيفري، قال قبل أيام إن هناك رابطاً. وإذا لم يفتح باب العضوية للسويد فلا أمل في بيع هذه الطائرات لتركيا». كذلك، ينتقد الكاتب أمين عام الحلف، الذي «يكرّر لازمة تقوية الحلف بضمّ السويد»، متسائلاً: «أين كان الحلف عندما كان يجري مناورات مشتركة مع اليونان التي كانت تسلّح الجزر في بحر إيجه خلافاً لمعاهدة لوزان؟ ولماذا لا يفي بوعده بضمّ قوات الحماية الكردية في شمال سوريا إلى قائمته للمنظّمات الإرهابية».
ad
وفي الاتجاه نفسه، يرى الكاتب قادر أوستون، في صحيفة «يني شفق»، أن تقليل «الأطلسي» من أهمية تحفّظات تركيا على انضمام السويد، «يُظهر أنه فشل في تحديد مقاربة دقيقة وشاملة حول الموقف من الإرهاب». ويلفت إلى أن «أوكرانيا دفعت ثمناً باهظاً لرغبتها في الانضمام إلى الناتو، وبعد اندلاع الحرب مع روسيا أدركت السويد وفنلندا خطورة وضعها في مواجهة روسيا، فطلبتا الانضمام إلى الحلف»، مستدركاً بأن «تركيا كانت تريد أن يكون الإرهاب بنداً مستقلّاً على قائمة الأطلسي، وهو ما رفضته الولايات المتحدة في ما يتعلّق بانضمام فنلندا والسويد. وإذ تجاوبت هلسنكي مع مطالب أنقرة، إلّا أن استوكهولم لا تزال تقاوم هذه الشروط تحت ذريعة حماية القيم الديموقراطية». وفي وقت يحاول فيه «الأطلسي» أن يجدّد نفسه، فإن «محاولة تركيا جعل الإرهاب أحد البنود الرئيسة على جدول أعمال قمّة فيلنيوس مشروعة تماماً ومعقولة. وعلى أولئك الذين يريدون انضمام السويد في أقرب وقت، أن يأخذوا مخاوف أنقرة في شأن تمويل الإرهاب والدعاية له على محمل الجدّ»، كما يقول أوستون.
سيرياهوم نيوز1-الاخبار اللبنانية