علي عبود
مايُحيرنا، ويثير استغرابنا هوإصرار الحكومة على شراء القمح من المنتجين بتسعيرة ليست غير مجزية فقط بل هزيلة جدا في حين لاتتردد برصد كميات كبيرة من القطع الأجنبي لاستيراد هذه المادة التي يُمكن تأمينها محليا.
نعم، مالذي يمنع الحكومة من شراء القمح المحلي بدلا من استيراده بسعر أعلى من العالمي لضمان تسويق كامل الإنتاج بدلا من تهريبه إلى دول الجوار!
لقد رأت الحكومة أن تسعيرة 5500 ليرة لشراء كيلو القمح من موسم 2024 مجزيا “وذلك بعد حساب التكاليف الحقيقية لإنتاج الكيلو غرام الواحد”.
المسألة ليست إن كانت تسعيرة القمح مجزية أو تزيد عن التكلفة الحقيقية، وإنما هل التسعيرة ستدفع بالمنتجين في المناطق غير الآمنة على بيع إنتاجهم للحكومة أم لا؟
والمسألة الأكثر أهمية بالتسعيرة تتطلب الإجابة على السؤال: هل حساب تكاليف كيلوغرام القمح تم وفق الأسعار الرسمية لمستلزمات الإنتاج أم وفق أسعار السوق السوداء؟
في حال قامت الحكومة بتأمين مستلزمات موسم حبوب 2024 من مازوت وأسمدة وأدوية ومياه ونقل.. الخ، فإن التسعيرة فعلا مجزية لأنها أتت “وفق حساب التكاليف الدقيقة”، أما في حال اضطر الفلاح لتأمين كميات من مستلزمات الموسم من السوق السوداء، فهذا يعني أن تسعيرة كيلو القمح غير مجزية ولن تضمن شراء كامل الإنتاج، كما حصل في المواسم السابقة.
نستنتج من تصريحات التنظيم الفلاحي “أن تسعيرة القمح الصادرة عن رئاسة مجلس الوزراء جيدة وتراعي تكاليف الفلاحين، وهنالك حالة من الرضى تجاه التسعيرة الحالية.. وستكون الكميات المستجرة للموسم القادم أكثر من جيدة”!
ولا ندري على ماذا استند التنظيم بتأكيده “أن التسعيرة الحالية أفضل من السنوات الماضية باعتبارها لامست التكاليف الفعلية التي تحملها ويتحملها الفلاح، وباعتبار أن السعر للتسويق المحلي وليس للتسويق التصديري .. كما أن التسعيرة موازية وتضاهي السعر العالمي لمحصول مادة القمح”، والسؤال: هل فعلا تسعيرة موسم 2024 أفضل من المواسم السابقة؟
ورأى رئيس اتحاد غرف الزراعة محمد كشتو أيضا ”أن التسعيرة التي حددت لشراء مادة القمح من الفلاحين جيدة، وستسهم بتشجيع الفلاحين لزيادة مساحات زراعة المحصول”!
وحسب دراسة اللجنة المختصة في وزارة الزراعة وبعد تدقيق من اللجنة الاقتصادية فإن تكلفة كيلو غرام القمح تبلغ 4350 ليرة أضيف إليها نسبة ربح للمزارعين بحدود 25% وبالتالي أقر مجلس الوزراء تسعيرة الكيلو بـ 5500 ليرة أي أن الربح (النظري) للفلاح سيكون بالطن الواحد أكثر من مليون ليرة (مايوازي القدرة الشرائية لمبلغ 67 ألف ماقبل عام 2011)!
وإذا كانت حسابات الحكومة والتنظيم الفلاحي دقيقة فيفترض أن تستلم مراكز الشراء الحكومية أكبر كمية ممكنة من القمح مما سيؤدي إلى تخفيض فاتورة الاستيراد بالقطع الأجنبي لهذه المادة الاساسية للمواطنين، والسؤال مجددا: هل فعلا تسعيرة القمح “دقيقة”؟
والسؤال الأكثر أهمية: هل التسعيرة “الدقيقة” ستدفع بالمنتجين في المناطق غير الآمنة إلى بيع أقماحهم للدولة؟
كان سعر شراء كيلو القمح 20 ليرة في موسم 2010 ارتفع “ورقيا” إلى 2000 ليرة عام 2022 فإلى 2800 ل س “ورقيا” في موسم 2023 فإلى 5500 ليرة “ورقيا” عام 2024.
السؤال الآن: لماذا تتراجع الكميات المسوقة إذا كانت الحكومات المتعاقبة منذ عام 2011 تزيد فعليا وليس “ورقيا” سعر شراء القمح إلى ان وصل حاليا إلى 275 ضعفا عمّا كان عليه في عام 2010، وبالكاد تتمكّن الحكومة من شراء 500 ألف طن سنويا؟
حسنا، بما ان الحكومة تعتمد في موازناتها العامة سعر الصرف الرسمي للدولارا فسنكتشف بسهولة أن سعر سعر شراء كيلو القمح في عام 2010 كان يساوي 0.42 دولارا (وكان ليتر المازوت المدعوم 15 ليرة فقط ) ارتفع في موسم 2022 إلى 0.71 دولارا لكنه سرعان ماانخفض سعر الشراء إلى 0.35 دولارا في عام 2023 ليعود ويرتفع قليلا إلى 0.40 دولارا في عام 2024 (ليتر المازوت المدعوم حاليا 2000 ليرة)!
كما نلاحظ أن الحكومة خفّضت سعر شراء القمح عن سعره في عام 2010 على الرغم من تحرير أسعار المحروقات والأسمدة والأدوية..الخ، أي عكس ماتروج له في الإعلام والخطابات الرسمية!
والسؤال الذي ننتظر إجابة دقيقة عليه من وزارة الزراعة بشكل خاص: ماأسباب تخفيض شراء الحبوب من المنتجين مقارنة بعام 2010؟
الخلاصة: تشير الأخبار الآتية من بعض المحافظات إلى ضعف كميات التسويق، وبدأت معها التوقعات السابقة بتسويق كميات كبيرة من القمح تتراجع وتقزّم طموح مؤسسة الحبوب إلى شراء مليون طن على الأكثر، وهذا يؤكد أن تسعيرة شراء القمح لموسم عام 2024 مثل المواسم السابقة لم تكن دقيقة ولا مجزية، بل هزيلة جدا بتسعيرة عام 2010!!!
(موقع سيرياهوم نيوز-1)