تُعد الأسرة اللبنة الأساسية في بناء المجتمعات، وهي البيئة الأولى التي تتشكل فيها شخصية الفرد. وفي إطار هذه الأسرة، تمثل العلاقة بين الإخوة ركيزة أساسية في التنشئة الاجتماعية. لكن عندما تتحول هذه العلاقة إلى نمط تسلطي حيث يهيمن الأخ الأكبر على إخوته، تظهر آثار خطيرة تهدد الصحة النفسية والاجتماعية لجميع الأطراف المعنية وغالباً ما يكون تسلط الأخ على أخواته البنات في محاولة منه إلى فرض أفكاره وجعلهن في خدمته، وقد يصل الأمر إلى حرمانهم من التعليم والعمل.
وتوضح الخبيرة الاجتماعية تهاني محمد أن تسلط الأخ يتخذ عدة أشكال، منها التسلط الجسدي: كالضرب أو الإيذاء البدني تحت ذريعة التأديب أو فرق العمر وأنه هو الكبير ويجب احترامه، وهناك التسلط النفسي ويتم عبر الترهيب والتهديد والتحقير الدائم ما يزرع الخوف والعجز في نفوس الإخوة الأصغر، أو قد يستخدم التسلط الاجتماعي وبمنعهم من تكوين صداقات أو ممارسة أنشطة اجتماعية، أو التحكم في اختياراتهم وإذا كان هو من يعيل الأسرة فقد يلجأ إلى التسلط الاقتصادي عبر السيطرة على المصروف أو الممتلكات الشخصية للإخوة.
ولفتت محمد إلى الآثار المدمرة للتسلط الأخوي على الإخوة الأصغر سناً حيث يؤدي تسلط الأخ الأكبر إلى إصابة إخوته بمشاكل نفسية عميقة، منها تراجع الثقة بالنفس والشعور الدائم بعدم الأمان والقلق والاكتئاب نتيجة العيش في بيئة ترهيبية مستمرة.
وصعوبة في تكوين علاقات اجتماعية سليمة في المستقبل، كما قد يؤدي إلى انخفاض المستوى الدراسي بسبب عدم القدرة على التركيز وتبني سلوكيات عدوانية كنمط للتعامل مع الآخرين.
وأضافت محمد: قد لا تقتصر الآثار السلبية على الإخوة الأصغر فقط، بل تمتد إلى الأخ المتسلط نفسه، حيث يطور شخصية غير سوية تفتقر إلى التعاطف مع الآخرين و يفقد القدرة على أساس تكوين علاقات صحية قائمة على الاحترام المتبادل، ما يعزز لديه سلوكيات عدوانية قد تصل إلى درجة الإجرام خارج الإطار الأسري ويفقد ثقة إخوته به، ما يحرمه من دعمهم العاطفي والاجتماعي في المستقبل وعلى الأسرة ككل، وهذا النمط من العلاقات يولّد بيئة أسرية مضطربة تتميز بـ: انعدام الثقة بين أفراد الأسرة وقد يحدث تفكك الروابط الأسرية وضعف التماسك العائلي، واستنزاف الطاقة العاطفية للوالدين في حلّ النزاعات المستمرة إضافة إلى استمرار هذه الأنماط السلوكية عبر الأجيال (التوارث السلوكي).
وأوضحت محمد أنه يقع على عاتق الوالدين مسؤولية كبيرة في منع تفاقم هذه المشكلة عبر العدل في المعاملة بين الأبناء وعدم التمييز بسبب السن أو الجنس، ومراقبة العلاقات بين الإخوة والتدخل الحكيم عند الحاجة وتعزيز قيم الاحترام المتبادل والتعاون بين الأبناء وترك مساحة للحوار المفتوح، حيث يعبّر الجميع عن مشاعرهم بحرية وعندما تخرج المشكلة عن السيطرة يمكن طلب المساعدة من المختصين.