الرئيسية » حول العالم » تشكيك أميركي في فوز مادورو: فنزويلا نحو «سيناريو 2018» مكرَّر؟

تشكيك أميركي في فوز مادورو: فنزويلا نحو «سيناريو 2018» مكرَّر؟

سعيد محمد

 

اختارت غالبية الفنزويليين التجديد للزعيم البوليفاري، نيكولاس مادورو، رئيساً لولاية ثالثة تستمر لغاية عام 2030، في ما يمثّل تحدّياً صريحاً للولايات المتحدة التي تحاصر هذا البلد منذ ربع قرن، بغرض استعادته إلى دائرة نفوذها، وذلك بعدما بذلت جهوداً مكثّفة دعماً لمرشح المعارضة اليمينية، وتخويف الفنزويليين من عواقب استمرار النظام «التشافيزي» على رأس السلطة في كاراكاس. وأعلنت «الهيئة الوطنية للانتخابات»، في وقت متأخّر من مساء الأحد، فوز مادورو بـ51.2% من مجموع أصوات الناخبين، في مقابل 44.2% حصل عليها مرشح المعارضة المدعوم من الغرب، إدموندو غونزاليس. وقال رئيس الهيئة، إلفيس أموروسو، إن النتائج «حاسمة، ولا رجعة فيها»، مهنّئاً مادورو بفوزه، وملقياً باللوم على محاولات تخريبية ارتكبها «إرهابيون»، في تأخير صدور النتائج لعدة ساعات.واستقبل مادورو النتيجة مع أنصاره في حفل صاخب أقيم في باحة قصر ميرافلوريس الرئاسي في كاراكاس، وقال مخاطباً الحشد: «أنا نيكولاس مادورو موروس، الرئيس المعاد انتخابه لجمهورية فنزويلا البوليفارية». كذلك، اتهم الولايات المتحدة بالتدخّل في الانتخابات الفنزويلية، بالقول: «ليست هذه هي المرة الأولى التي يحاول فيها الأميركيون تهديد السلام في فنزويلا»، مندّداً بهجوم افتراضي شنّه «أوغاد» على الأنظمة الإلكترونية لـ»هيئة الانتخابات الوطنية»، وتعهّد بقبضة حديدية لسحق «الإرهابيين» الذين تآمروا ضدّ حكومته. لكن هذه النتيجة أثارت غضب كثيرين ممَّن كانوا يمنّون النفس بأن يفلح الحصار الاقتصادي الغربي، والتخويف الممنهج من ديمقراطية لا تنتج مخرجات على المزاج الأميركي، في التخلّص من التشافيزيين بعد ربع قرن من تولّيهم السلطة.

وكما كان متوقّعاً، رفضت المعارضة قبول النتيجة، التي قالت إنها تتعارض مع استطلاعات (أميركية) للرأي منحت أفضلية ظاهرة لغونزاليس، واشتكت من مخالفات، وصفتها بـ»الخطيرة»، شابت العملية الانتخابية. وأعلنت النائبة ماريا كورينا ماتشادو، زعيمة المعارضة التي مُنعت من الترشح للانتخابات ودفعت بالدبلوماسي المتقاعد غونزاليس بديلاً لها، فور صدور النتائج الرسمية، إن «غونزاليس هو الرئيس الشرعي لفنزويلا»، مشيرة إلى أنه فاز بنسبة 70% من الأصوات. وأضافت: «لم نهزمهم سياسياً وأخلاقياً وروحياً فحسب، بل هزمناهم اليوم بأصواتنا في كل فنزويلا».

ووفقاً لممثّلة المعارضة، فإن المراقبين الذين أوفدتهم لمتابعة العملية الانتخابية، حصلوا على النتائج النهائية من 30% فقط من المراكز الانتخابية، فيما ينص قانون الانتخابات الفنزويلي على أن الشهود المستقلّين لهم الحقّ في البقاء في مراكز الاقتراع حتى يتحقّقوا من العدّ النهائي، ويحصلوا على نسخة مطبوعة من النتيجة. ومن جهته، شكّك غونزاليس (74 عاماً) في إعلان هيئة الانتخابات، قائلاً: «لن نرتاح حتى يتم احترام إرادة شعب فنزويلا». وبحسب أرقام هيئة الانتخابات، فإن 59% من الناخبين أدلوا بأصواتهم، فيما أكّد مراقبون أن طوابير طويلة من الفنزويليين اصطفّت طوال اليوم، وفي أجواء شديدة الحر للاقتراع، أمام أكثر من 15 ألف مركز تصويت في الجمهورية التي يبلغ تعداد سكانها حوالى 29 مليون نسمة.

أعرب بلينكن عن «مخاوف جدّية من أن النتيجة المعلنة لا تعكس إرادة أو أصوات الشعب الفنزويلي»

 

وصوّر الطرفان الانتخابات على أنها مصيرية لمستقبل البلاد التي ترزح تحت مفاعيل حصار أميركي/ غربي قاتل، تسبَّب في تراجع الناتج القومي الإجمالي إلى ربع ما كان عليه في نهاية عهد تشافيز، علماً أن فنزويلا تمتلك أكبر احتياطي نفطي مؤكد في العالم (304 مليارات برميل، أو 18% من الإجمالي العالمي). وتسبّب هذا الحصار الخانق في شلّ صناعة النفط الأساسية للاقتصاد الفنزويلي، وانهيار قيمة العملة المحلية (البوليفار)، وتردّي مستوى معيشة قطاعات عريضة من السكان، الذين اندفع الملايين منهم إلى الهجرة نحو الولايات المتحدة شمالاً، أو إلى كولومبيا المجاورة.

وفي غياب قنوات الاتصال مع الجيش الفنزويلي الذي ما زال موالياً للجمهورية البوليفارية وملتزماً بحمايتها، لجأت واشنطن في سعيها للتخلص من التشافيزيين المناهضين لهيمنتها، إلى شن حرب هجينة على كاراكاس من خلال الضغط الاقتصادي، والحصار الدبلوماسي، وتعبئة المعارضة الداخلية. ويبدو أن الأمور متجهة الآن نحو نسخة مكرّرة من سيناريو انتخابات عام 2018، حين فاز مادورو بولاية ثانية، وحشدت الولايات المتحدة جوقة غربية للتشكيك في نزاهة العملية الانتخابية، داعمةً خوان غوايدو لمنصب الرئيس المؤقت.

وهكذا، لم ينتظر وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، انتهاء زيارته لليابان، إذ سارع إلى التعليق على فوز مادورو من طوكيو، معرباً عن «مخاوف جدّية من أن النتيجة المعلنة لا تعكس إرادة أو أصوات الشعب الفنزويلي». وحثّ الوزير سلطات كاراكاس على تقديم حساب مفصّل وشفّاف للتصويت، قائلاً بلهجة شابها الوعيد إن «المجتمع الدولي يراقب هذا الأمر عن كثب، وسيردّ وفقاً لذلك». أيضاً، سارع حلفاء واشنطن في أميركا اللاتينية إلى إطلاق تصريحات متعجّلة تأييداً لموقفها. وفي هذا الإطار، قال وزير خارجية تشيلي، ألبرتو فان كلافيرين، إن بلاده ستنتظر تقارير المراقبين الدوليين للتحقّق من النتيجة، فيما رفض رئيس كوستاريكا، رودريغو تشافيز، نتيجة الانتخابات الفنزويلية. وكانت حكومة كاراكاس رفضت حضور مراقبين من الاتحاد الأوروبي، كون الأخير شريكاً في حصار فنزويلا الاقتصادي والدبلوماسي، أو من «مجموعة الدول الأميركية» الموالية لواشنطن.

وعليه، يبدو أن مادورو ورفاقه في السلطة سيواجهون مزيداً من الضغوط خلال السنوات الست المقبلة؛ فلا الولايات المتحدة ستغيّر من رغبتها في اقتلاع «التشافيزية»، ولا حلفاء كاراكاس جدّيون في تقديم دعم حاسم للاقتصاد، إذ إن روسيا مشغولة بحرب أوكرانيا، والصين لا تريد إزعاج الولايات المتحدة، فيما إيران وكوريا الشمالية وسوريا وكوبا ونيكارغوا ترزح بدورها تحت حصارات شاملة، كما أن المعارضة، مع تبلور الدور القيادي لماريا كورينا ماتشادو، لن تتوانى عن فعل كل ما يلزم من أجل تسلّم السلطة. ولعلّ فرصة مادورو الوحيدة هي في تحوّلٍ ما في النظام العالمي، يضع رصيد فنزويلا النفطي مجدداً في موقع الأهمية الفائقة، ويجبر واشنطن على تهدئة عدوانها ولجم أتباعها، مثلما حصل في أزمة النفط الأخيرة لدى فرض الولايات المتحدة وحلفائها حظراً على صادرات النفط الروسي، ما استدعى تواصلاً نادراً مع كاراكاس لتعويض جزء من فجوة الإمدادات.

 

سيرياهوم نيوز1-الاخبار اللبنانية

x

‎قد يُعجبك أيضاً

الرئيس الإيراني يدعو بابا الفاتيكان لحث زعماء العالم للوقوف بوجه جرائم “إسرائيل”

  فرانسيس الثاني أنّ إيران مُستعدّة للتعامل البنّاء مع الفاتيكان من أجل تعزيز السلام والعدالة في العالم.     أكّد الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، اليوم ...