آخر الأخبار
الرئيسية » يومياً ... 100% » تشومسكي…..وداعاً أيها العالم العظيم!

تشومسكي…..وداعاً أيها العالم العظيم!

 

د.لبانة مشوح

في السنة الرابعة من دراستي الجامعية تعرفت في مقرر اللسانيات على “النحو التوليدي” وعلى المبادئ الاولية للمشجر التركيبي الذي يمثل بمنطق رياضي ترابط عناصر الجملة فيما بينها ويفسر بذلك السمات التركيبية والصرفية والدلالية لكل عنصر من تلك العناصر….عندها شعرت للمرة الاولى بأهمية المنطق الرياضي في فهم آلية عمل الدماغ في الاكتساب اللغوي وفي توليد اللغة..، وكان خياري المصيري الصعب أن أتخصص في اللسانيات التوليدية على يد العالم ريتشارد كين احد أبرز اتباع تشومسكي.
نوام تشومسكي (أو نعوم تشومسكي) علامة فارقة في تاريخ البشرية. هو العالم والفيلسوف ذو النظرة الشمولية. يعد أحد أعظم العقول في القرن العشرين ممن أثر في مستقبل البشرية. في علوم اللغة واللسان هو ابو اللسانيات الحديثة’ ومؤسس اللسانيات التوليدية وله فيها نظريات قلبت المفاهيم والمنطلقات الأساسية لدراسة اللغات عموما. وهو الذي أسس لنظريات لسانية ومعرفية تبحث في آليات التفكير والتفسير والذكاء، وفي آليات عمل الدماغ في تحليل الكلام و الاكتساب اللغوي والنطق. أبحاثه كانت المنطلق لدراسات لغوية متميزة تناولت كل لغات العالم، وتعاملت معها من منظور القواعد الكلية universal grammar تخضع لمبادئ كلية ناتجة عن آليات الدماغ في تحليل الكلام والاكتساب ثم التوليد اللغوي، ومن قواعد ذاتية خاصة بكل لغة لا تتعارض مع القواعد الكلية بل تلتقي معها عند نقطة واحدة. أهم نظرياته في هذا المجال نظرية العمل والإحالة Government and Binding Theory، ونظرية الحد الأدنىMinimalist Theory.
وقد كان لي حظوة وشرف تدريس نظرياته في قسم اللغة الفرنسية بجامعة دمشق منذ عودتي من الإيفاد عام ١٩٨٦ ولمدة اكثر من ثلاثين عاما. ولطالما لمست عند طلابي في السنة الرابعة دهشة الاكتشاف ومتعة إدراك خبايا اللغة عندما تحلل عملياتها الناشئة أصلا في الدماغ تحليلا يفسر كل ما خفي من أسباب مظاهرها…..أو يعزي كل صفاتها النحوية والصرفية إلى قواعد عامة ينظمها دماغ الناطقين بها.
تشومسكي عالم واسع الأفق’ عميق الثقافة …. إنه شخصية استثنائية بكل المقاييس والمعايير.
فقد العالم اليوم عالما ترك اثرا لا يمحى في آلية التفكير ومقاربة الأمور. هو المفكر الأمريكي اليهودي الأكثر إثارة للإعجاب، والأكثر إثارة للجدل. اتهم بمعاداة السامية لأنه عادى الفكر الصهيوني الاستيطاني وأدان جرائم الصهاينة في كل المراحل ودافع عن حق الفلسطينيين في أرضهم وفي حياة حرة كريمة، واتهم بالخيانة لأنه فضح الجرائم التي ارتكبتها الإمبريالية في ارجاء العالم، وناهض بشراسة الفكر الاستعماري و الليبرالية الحديثة. وظل رغم كل حملات التشويه والمحاربة التي حاولت النيل منه ظل العالم العملاق و الفيلسوف الفذ الذي تنحني له الهامات احتراما.
وداعا تشومسكي……
*الكاتبة:وزيرة الثقافة السورية

 

 

(سيرياهوم نيوز2-صفحة الكاتبة)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

الدول المهددة بوجودها ليست ”مرعوبة” من ”إسرائيل”!!

علي عبود لم تتأثر الأنظمة العربية بعملية الإبادة المستمرة منذ أكثر من ثمانية أشهر ضد الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية، بل إن معظمها، وحسب التسريبات ...