تصريح خطير للكرملين مرّ عابراً على الشاشات لكنه يحمل وراءه الكثير؟!
ديسمبر 13, 2022
د. محمد بكر
في الوقت الذي كان فيه المستشار الألماني يفاخر بما حققته الضغوطات الدولية على موسكو لناحية ردعها عن استخدام النووي في أوكرانيا ، أطل الرئيس الروسي بعد أيام ليؤكد تزايد احتمال اندلاع حرب نووية وإن الحرب في أوكرانيا طويلة ، وتحدث عن تغيير العقيدة القتالية لبلاده في معرض حديثه عن ماطورته الولايات المتحدة ضمن مفهوم الضربة الوقائية، مضيفاً أن موسكو ستعمل على تنفيذ ضربة استباقية لنزع سلاح العدو ، هنا تبدو تصريحات الرئيس الروسي يشوبها نوع من عدم الوضوح الكامل لجهة طبيعة تلك الضربة الاستباقية وحجمها وفوائدها في معركة كتلك الدائرة رحاها في أوكرانيا منذ عشرة أشهر .
المتحدث باسم الكرملين رسم ملامح جديدة لطبيعة الكباش ومآلاته وربما مراحله ، في تصريحٍ مرّ عابراً كغيره من الأخبار، لكن مااختبىء في ثناياه كان الكثير الكثير، لجهة الدلالات والأبعاد ، إذ تحدث ديمتري بيسكوف عن أن العلاقة بين موسكو والغرب قد وصلت مرحلة المواجهة ، وهذا يضع المحاولات التركية والمحادثات الأميركية الروسية في أنقرة وكذلك المحادثات التي أجراها المستشار الألماني مع الرئيس الروسي هاتفياً على محك الفشل القريب وبمنزلة الفرصة الأخيرة .
الكرملين نوّه إلى ضرورة التعايش مع الوضع الراهن وهو مايعني بالضرورة أن ضم الأقاليم الأربعة لروسيا هو الذي سيكون أساس التفاوض وإنهاء الحرب .
الروسي يكون بذلك قد رمى الكرة إلى الملعب الغربي وتحديداً الأميركي لحسم القرار ، وهذا يجعل الحديث عن مواجهة هو تغيير للاستراتيجية الميدانية الروسية بالكامل التي لن تغادر ربما سياسة الأرض المحروقة في بعض المناطق الأوكرانية، وربما دخول مرحلة استخدام أسلحة مغايرة لن تكون بعيدة عن مايسمى عسكرياً بالنووي التكتيكي رغم تأكيد بوتين أنهم لن يستخدموا النووي الا اذا تم استخدامه ضدهم .
حديث الكرملين عن بلوغ مرحلة المواجهة هو ينطلق من نقطتين رئيستين :
الأولى أن عشرة أشهر من الحرب مضت، ومازال الغرب والولايات المتحدة الأميركية يصرون على إلحاق هزيمة استراتيجية ببوتين ، وحديث الأميركي عن عدم تشجيعه لكييف بقصف الداخل الروسي ، هو وصلت رسائله لبوتين بأن عدم التشجيع لايعني الرفض وبالتالي نقرأ ونفهم حديث بوتين عن ضربة استباقية .
الثانية : أن موسكو خسرت الكثير في هذه الحرب حتى استطاعت أن ترسم واقعاً جغرافياً بما ضمته من أراضٍ وأقاليم لها, تريد أن يكون هذا الواقع أساساً لأية تسوية مقبلة، وربطاً مع استمرار الدعم الغربي لكييف وتحول الأخيرة من مرحلة الدفاع لمرحلة الهجوم وقصف متكرر لعمق دونيسك وسابقاً تفجير جسر القرم ، يمكن فهم الحديث الروسي عن المواجهة لجهة الحفاظ على المكتسبات وتوسيعها باستراتيجية ميدانية مختلفة عما سبق .
ألسنة النار تتطاول في الحرب بين روسيا والغرب وإلى هذه اللحظة الحاضر الوحيد هو التصعيد ، والغائب الأوحد هو الحكمة السياسية، وتحديداً عند ساسة الغرب، الذين يصرون على رمي نصيحة هنري كيسنجر في سلة المهملات عندما قال لهم : لاتحاولوا هزيمة بوتين حتى وإن استطعتم فعل ذلك .
* كاتب وإعلامي فلسطيني
سيرياهوم نيوز 4-راي اليوم
2022-12-13