آخر الأخبار
الرئيسية » الأخبار المحلية » تصعيد ثم هدوء بين دمشق وقسد: صراع على الدمج بين دولةٍ لا تتنازل وتجربة حكم ذاتي لا تريد الذوبان.

تصعيد ثم هدوء بين دمشق وقسد: صراع على الدمج بين دولةٍ لا تتنازل وتجربة حكم ذاتي لا تريد الذوبان.

 

 

 

عبد الله علي

 

التصعيد بين دمشق و”قسد” لم يكن مجرد تبادل نار محدود، بل مرآة لجوهر الاستعصاء: ترتيبات تُدار على حافة الانفجار، وهدنة تُختبر يومياً، وصراع على الدمج بين دولةٍ لا تتنازل وتجربة حكم ذاتي لا تريد الذوبان. وقد أظهر وقف إطلاق النار الهشّ الذي أعقب الاشتباكات، والزيارة الأميركية الرفيعة التي تزامنت معه، أن خللاً صغيراً في تفاصيل الإدارة والشراكة والنفوذ قادر على تفجير المعادلة من داخلها.

 

لم يأت ذلك من فراغ. قبل أيام من الانفجار، برز مؤشر سياسي مع تداول خبر امتناع وزير الخارجية أسعد الشيباني عن استقبال إلهام أحمد في دمشق، قبل أن يصدر نفي لاحق اعتبر أن الموعد لم يكن مجدولاً أصلاً. مجرد انتشار الخبر ثم نفيه بهذه الصيغة عكس هشاشة الثقة، وأوحى بأن القنوات السياسية باتت جزءاً من لعبة الرسائل المتبادلة ومؤشرات لتصعيد محتمل، ترافقت مع حملات إعلامية متبادلة شهدتها مواقع التواصل الاجتماعي بين أنصار الفريقين.

 

وبالتوازي، تراكمت إشارات ميدانية على مدى أسبوعين تقريباً: تعزيزات ثقيلة للقوات التركية في مطار كويرس أثارت الشبهات والمخاوف، وقرارات تجنيد إجباري استُغلّت لاتهام “قسد” بشن حملة اعتقالات تعسفية، ما رفع التوتر في مناطق الإدارة الذاتية، ثم استهداف طائرة مسيّرة سيارةً عسكرية لـ”قسد” قرب دير حافر أوقع إصابات. بدت هذه الوقائع كمقدمات لانفجار محسوب، وهو ما حدث فعلاً مع التصعيد في دير حافر بداية، ثم إغلاق مداخل الشيخ مقصود والأشرفية واندلاع اشتباكات محدودة انتهت بالاتفاق على وقف إطلاق النار من دون نشر تفاصيل الاتفاق وشروطه.

 

وسط ذلك، بقي المدنيون الحلقة الأضعف، إذ يضطرون في كل مرة إلى تحمّل تبعات الحصار وانقطاع الطرق والخدمات.

 

في هذا المناخ، أضاف الحضور الأميركي طبقة من الغموض أكثر ممّا قدّم إجابات نهائية. تحدّث المبعوث توم براك عن “زخم كبير” و”فرصة لوحدة السوريين”، وأكد مظلوم عبدي “العمل من أجل مستقبل سلمي ومزدهر”. غير أنّ لغة الطمأنة هذه لم تُجب عن السؤال الجوهري: أي وحدة؟ وتحت أي سقف؟ وما زاد من الغموض أن براك لم يعتد تجاوز العاصمة السورية في تحركاته، لذلك جاءت زيارته للشرق محمّلة برسائل متناقضة بين الإنذار والدعم.

في هذا السياق، جاء تثبيت وقف إطلاق النار بوصفه إطار اختبار يومي لا خاتمة للصراع. ومن المرجح أن تكون الأشهر الثلاثة الباقية حتى نهاية العام، حيث وعد باراك بتشكيل حكومة مركزية تمثل الجميع، من أخطر مراحل المرحلة الانتقالية، إذ تختلط فيها مخاوف التصعيد بآمال التهدئة.

 

من خلف هذا الهدوء الهش، سوف تُعيد دمشق تعريف الدمج بصيغة أكثر مركزية، بينما تبحث “قسد” عن إدماج لا يفضي إلى ذوبان – فتتحول الجغرافيا إلى مساحات تُقاس بالمتر لا بالخرائط العامة.

 

ومع ذلك، لا تُحدّد دمشق و”قسد” الإطار وحدهما؛ فاستمراره أو انهياره رهن بحسابات إقليمية ودولية: تمزج تركيا بين الضغط المباشر والإنابة بما يُبقي “قسد” في موقع دفاعي ويقيّد هامشها، وتُبقي الولايات المتحدة خطوطاً حمراء عامة وتفسح مجالاً لمعادلات ميدانية موقتة، فيما تُبقي روسيا، التي تزايد حضورها في الملف السوري أخيراً، قنواتها مفتوحة ضمن تصوّر أوسع لم تتضح ملامحه بعد، خصوصاً بعد تفاهم نتنياهو وبوتين على ضرورة استقرار سوريا.

 

في المدى القريب، لا يلوح حل شامل، بل إدارة موقتة للأزمة عبر خطوات صغيرة: فتحات إضافية للطرق، وتهدئة بؤر الاحتكاك في حلب وحول سد تشرين، وضبط متفق عليه للانتشار، في مقابل تعزيز دمشق إشرافها على المرافق الخدمية والمالية دون الإطاحة بما بقي من إدارة محلية. لكن هذا التوازن قابل للانهيار إذا تباطأت الوساطات أو رأت الأطراف أن رفع منسوب الضغط يمنحها مكاسب أكبر على طاولة التفاوض.

 

 

في المحصّلة، ما يجري ليس تسوية بل إدارة للأزمة: تصعيدات قصيرة لتحصيل مكاسب، وهدنات تُدار بالتفاصيل؛ فيما تبقى عقدة القيادة والسيطرة، ونطاق الإدارة، وتقاسُم الموارد هي ما يؤجّل أي استقرار حقيقي.

(أخبار سوريا الوطن1-النهار)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

بعد اشتباكات دامية وتصعيد عسكري في حلب… اتفاق بين الجيش السوري “وقسد” على وقف إطلاق النار

  ذكرت الوكالة العربية السورية للأنباء (سانا)، اليوم الثلاثاء، أنّ الجيش السوري وقوات سوريا الديموقراطية (قسد)، المدعومة من الولايات المتحدة، توصّلا إلى اتفاق لوقف إطلاق ...