علاء حلبي
على وقع اتفاقات مسار «أستانا»، وما رافقه من توقيع بالحروف الأولى على خريطة طريق للتطبيع بين دمشق وأنقرة، وبينما يواصل الجيش السوري إرسال تعزيزات عسكرية تتضمّن تشكيلات هجومية إلى الشمال والشمال الغربي من سوريا، تمهيداً لمرحلة ميدانية جديدة، تبدأ، وفق ما يجري الحديث عنه، بفتح طريق «M4»، ردّ الجيش بحزم على اعتداءات نفّذتها «هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة)، في وقت التزمت فيه تركيا، على غير عادتها، الصمت
ad
بعد بضع ساعات على شنّ «هيئة تحرير الشام» هجمات بالطائرات المسيّرة والقذائف الصاروخية طاولت مناطق مدنية في محيط اللاذقية وحماة، ردّ الجيش السوري بالتعاون مع القوات الجوية الروسية، على مواقع إطلاق القذائف، بالإضافة إلى مواقع تابعة لفصائل أوزبكية وتركستانية تابعة لـ«الهيئة»، ما أسفر عن تدمير عدد من نقاط ارتكاز الفصائل، بالإضافة إلى مستودع للأسلحة، وخطوط إمداد خلفية، وفق بيان أصدرته وزارة الدفاع السورية. وطاول الاستهداف، أيضاً، بحسب مصادر ميدانية تحدّثت إلى «الأخبار»، غرفتَي تحكم بالطائرات المسيرة تم تدميرهما بعد تحديد موقعهما. إلا أنّ الردّ السوري – الروسي الحازم، والذي جاء هذه المرة مصحوباً ببيان واضح مرفق بتسجيل مصوّر لعمليات القصف، لم يلقَ أيّ أصداء تركية، على غير عادة أنقرة، التي دأبت على استنكار أيّ تحرك للجيش السوري، متذرّعة بتهديد «اتفاقية خفض الصعيد». وعزت مصادر ميدانية سورية الصمت التركي إلى سببين: الأول، كون الفصائل هي التي بادرت أولاً بخرق الاتفاقية عن طريق استهدافات بعيدة عن خطوط التماس؛ والثاني، خريطة الطريق الروسية للتطبيع بين دمشق وأنقرة، بالاستناد إلى «اتفاقية سوتشي» التي تفرض على تركيا حلحلة ملف إدلب، وعزل الفصائل «الإرهابية» وفتح الطرق الرئيسة. وبالإضافة إلى صمت أنقرة، لم يقابل التصعيد العسكري المتواصل في إدلب بردود أفعال معتادة في الأوساط الصحافية المعارضة، أو الفصائل المعارضة، التي اكتفت بمراقبة المشهد ومحاولة قراءة ردة الفعل التركية.
وفي ظل عدم تسرب أيّ معلومات دقيقة حول طبيعة الاتفاقات الأمنية والعسكرية السورية – التركية ضمن إطار «الرباعية»، وامتناع أنقرة عن إبلاغ الفصائل بأيّ معلومات حولها واكتفائها بإصدار توجيهات تتعلق بتحصين الحدود وضبط الأمن ومنع أيّ تحركات معارضة لتركيا، خرجت تظاهرات مناوئة لـ«تحرير الشام» في مناطق عديدة في إدلب، محمّلة إيّاها مسؤولية هذا التصعيد العسكري، بينما اكتفى «الائتلاف المعارض» بإصدار بيان مقتضب طالب فيه بـ«تحرك دولي». ومن جانبها، رأت مصادر سورية معارضة، في حديث إلى «الأخبار»، أن التوجيهات التركية المتكررة بضرورة ضبط الحدود تشي بمخاوف من موجات نزوح جديدة أو تسرب مقاتلين متشددين إلى الداخل التركي، بما قد يعكر أجواء التقارب بين أنقرة ودمشق. وأضافت المصادر أن تركيز أنقرة في الوقت الحالي منصبٌّ على الأكراد وعمليات استهداف مقاتلين في «حزب الاتحاد الديموقراطي» الكردي في الشمال الشرقي من سوريا، خصوصاً بعد تسريبات عديدة عن تقارب بين «قسد» و«تحرير الشام» التي تسيطر على مناطق عديدة في ريف حلب، من بينها معابر مع «قسد». وعزت المصادر التقارب المزعوم بين الفصيلين إلى وجود مصالح اقتصادية عديدة بينهما، بدفع أميركي، وهو ما يفسر قلق «قسد» المتزايد والعلني من التقارب بين دمشق وأنقرة، إذ ترى فيه تهديداً لمشروع «الإدارة الذاتية» الذي تسعى لتثبيته أمراً واقعاً. وأمام التطورات الميدانية الجديدة، وفي ظل ضبابية الموقف التركي، ثمّة قناعة بدأت تتشكل لدى الفصائل في ريف حلب، مفادها أن موعد حسم ملف إدلب قد اقترب، الأمر الذي يعني تغييراً جذرياً في الميدان السوري، مقروناً بدفع سياسي مرتقب للعملية السياسية ضمن إطار «اللجنة الدستورية» و«المبادرة العربية». إلا أن الفصائل لم تتبين حتى الآن أثر هذا التغيير على ريف حلب الشمالي، حيث استقدم الجيش السوري مزيداً من التعزيزات خلال الأيام القليلة الماضية، حيق تمركزت في محيط منبج وتل رفعت، وفي ريف حلب الغربي وصولاً إلى الجنوب الغربي.
ad
اكتفت الأوساط المعارضة بمراقبة المشهد ومحاولة قراءة ردّة الفعل التركية
إلى ذلك، استقبل الرئيس السوري، بشار الأسد، ووزير الخارجية، فيصل المقداد، نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي فيرشينين، أمس، في أول زيارة لمسؤول روسي رفيع في أعقاب اجتماع «أستانا». وذكر بيان لرئاسة الجمهورية في سوريا أن اللقاء دار حول «العلاقات بين سوريا وروسيا والتنسيق بينهما ولا سيما في ظل التطورات الأخيرة، إضافة إلى قضايا محاربة الإرهاب والجهود المشتركة بين البلدين في ملف عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم»، وهي النقاط نفسها التي تم التوافق عليها خلال لقاء «أستانا» الأخير. واللافت في بيان الرئاسة السورية، التطرق بشكل واضح إلى محاولات واشنطن التشويش على مسار «أستانا»، إذ «أكد الأسد أن كل المساعي الغربية للتشويش على جهود الدولة السورية في استعادة الأمن والاستقرار على كامل أراضيها لن تنجح، وأن هذه الجهود تسير وفق تطلعات السوريين للتعافي والاستقرار»، وفق البيان. وخلال اللقاء، شدّد فيرشينين على «ضرورة التحرك ضمن مرحلة جديدة في العلاقات الدولية في ظل خوف الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين من فقدان تحكمهم السياسي والاقتصادي على المستوى العالمي»، الأمر الذي يُعتبر استكمالاً لمسار «أستانا» ولقاءات «الرباعية». ومن شأن رفض الدور الأميركي في سوريا، كأحد مرتكزات المسار الروسي للحل في سوريا، والذي انخرطت فيه تركيا بشكل واسع، أن يفتح الباب أمام تصعيد روسي – أميركي متزايد في الميدان السوري. وخلال الشهرين الماضيين، ظهرت هذه البوادر بالفعل عن طريق استقدام واشنطن تعزيزات عسكرية إلى قواعدها في الشمال الشرقي من سوريا، وفي منطقة التنف، بالإضافة إلى تبادل الاتهام بين الطرفين حول خرق اتفاقيات سابقة تمنع الاحتكاك الجوي.
سيرياهوم نيوز1-الاخبار اللبنانية