زياد غصن
على خلاف ما كان يأمله السوريون، فإن محافظة سعر الصرف على نوع من الاستقرار خلال الأشهر القليلة الماضية، لم يفضِ إلى تحقيق استقرار مماثل في أسعار السلع والخدمات في الأسواق المحلية. إذ استمرت هذه الأخيرة في الارتفاع بنسب متفاوتة بين سلعة وأخرى، وبين محافظة وأخرى، الأمر الذي أكد مجدداً أن تقلّبات سعر الصرف ليست وحدها المسؤولة عن موجات الغلاء التي أرهقت الأسر السورية، وجعلت النسبة الأكبر منها إما فاقدة لأمنها الغذائي أو مهدَّدةً بفقدانه. والواقع أن السياسات والإجراءات الحكومية التي لا تزال تصبّ الزيت على نار التضخم والغلاء، تتحمل المسؤولية الأكبر عن ذلك؛ فمثلاً، خلال الأشهر القليلة الماضية، زادت الحكومة أسعار المشتقات النفطية أكثر من أربع مرات، كما أعطت الضوء الأخضر لمؤسساتها والشركات الاحتكارية لرفع تعرفة الحصول على خدماتها بشكل ملحوظ.وفي ظل الأوضاع الاقتصادية الهشة للبلاد، إنّ تأثرها بالتطورات السياسية والاقتصادية الناجمة عن الحروب والنزاعات الإقليمية والدولية يصبح أعلى من تأثر الدول الأخرى في الإقليم. وهذا ما يتبلور سريعاً في ارتفاع أسعار السلع المستورَدة، وحتى تلك المنتَجة محلياً. والمثال الأوضح على ذلك، يتمثل في التداعيات الاقتصادية للحرب الأوكرانية على الأسواق السورية، سواء من حيث توافر بعض السلع الأساسية أو المستوى العام لأسعارها. كما أن العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر الماضي، ترك هو الآخر انعكاساته المباشرة على الأوضاع الاقتصادية في سوريا.
ad
برياً وبحرياً
معظم اقتصاديّات دول المنطقة تتخوف من تأثيرات مباشرة للعدوان الإسرائيلي على مستقبل ثلاثة قطاعات رئيسية لديها، وهي: الاستثمار الأجنبي، السياحة، والتجارة. لكن تبدو الأمور مختلفة إلى حدّ بعيد في الحالة السورية، إذ إن قطاعَي الاستثمار والسياحة لم يتعافيا بعد نتيجة العقوبات الغربية المفروضة على دمشق، والمخاوف الأمنية التي لا تزال تشكّل هاجساً مقلقاً للمستثمرين والسياح العرب والأجانب على حد سواء. وتالياً، يمكن القول إن تأثر الاقتصاد السوري بتداعيات الحرب، ظلّ محصوراً بنسبة كبيرة في قطاع التجارة الخارجية. إنما ذلك لا يعني أن سوريا كانت أقلّ تأثراً من دول الجوار، فهي بحكم تعرض قطاعاتها الاقتصادية والخدمية للتدمير والتخريب بفعل الحرب والعقوبات، تصبح خسائرها الجديدة أكبر من قدرة اقتصادها ومواطنيها على التحمل.
ويتجلّى تأثير تداعيات الحرب على قطاع التجارة، في ارتفاع تكاليف النقل وإعادة التأمين، جراء ارتفاع مستوى المخاطر وتغيير عدد من الشركات العالمية مسارات سفنها في أعقاب منع القوات اليمنية السفن المتجهة إلى موانئ فلسطين المحتلة من المرور في مضيق باب المندب. وبحسب صالح كيشور، رئيس اتحاد شركات شحن البضائع الدولي، فإن «أجور النقل ارتفعت أكثر من الضعف بسبب تداعيات العدوان الإسرائيلي والتوتر السائد في البحر الأحمر؛ فمثلاً، حمولة البضائع القادمة من دبي إلى سوريا، والتي كانت أجور نقلها تكلّف سابقاً حوالى 5 آلاف درهم، باتت اليوم تكلّف حوالى 15.5 ألف درهم، أي إنّ الزيادة المتحققة في أجور النقل بلغت أكثر من ثلاثة أضعاف. وكذلك الحال بالنسبة إلى أجور الشحن البحري؛ فمثلاً شحن “الكونتينر” الذي كان يكلفنا حوالى ألفي دولار، أصبحت تكلفة نقله حالياً تصل إلى حوالى ثلاثة آلاف دولار». ويضيف كيشور، في تصريح إلى «الأخبار»، أنّ «ارتفاع التكاليف شمل أيضاً أقساط وبدلات التأمين، الأمر الذي انعكس في النهاية على أسعار السلع والبضائع المطروحة للاستهلاك في الأسواق المحلية، أو تلك المصدّرة إلى بعض الدول، وهو ما يضعف من تنافسيتها».
يشكل ارتفاع أسعار السلع والبضائع في دول المنشأ، سبباً آخر لارتفاع أسعار المستوردات
ومن بين المؤشرات الأخرى الدالة في هذا السياق، عدد السفن التي استقبلتها المرافئ السورية خلال المدة الماضية. إذ يكشف مصدر مطّلع على عمل تلك المرافئ أنه «خلال المدة الأولى لتطبيق حكومة صنعاء قرارها بمنع مرور السفن إلى موانئ فلسطين المحتلة، تأثر عمل جميع المرافئ السورية واللبنانية، وذلك على خلفية مخاوف شركات النقل، ولكن لاحقاً عادت الأمور إلى التحسّن، لا سيما مع تأكد هذه الشركات من أن المستهدف بخطوة حركة “أنصار الله”، هو فقط السفن المتجهة إلى دولة الاحتلال». ويشير المصدر، في حديثه إلى «الأخبار»، إلى أن «تكاليف النقل زادت بنسبة لا تقل عن 40% بفعل تغيير بعض شركات النقل لمسارات سفنها من باب المندب والبحر الأحمر، إلى طريق رأس الرجاء الصالح، وبالتالي زيادة المسافة والوقت المحددين سابقاً؛ فمثلاً، زادت مدة الوصول بحوالى 21 يوماً عما كانت عليه قبل العدوان الإسرائيلي». وهذا ما يذهب إليه مظهر يوسف، الأستاذ في كلية الاقتصاد في جامعة دمشق، الذي يؤكد أنه «بالإضافة إلى ارتفاع تكاليف الشحن البحري، فقد قامت شركات التأمين بإجراءات أدت إلى توتير الأوضاع الاقتصادية، حيث قامت شركة الشحن البحري “CMACMA” بفرض 1000$ كمصاريف مخاطر محتملة فوق أسعار نقل الحاويات القادمة من الصين وآسيا، فيما بدأت شركات إعادة التأمين العالمية إضافة بنود تسمح بإلغاء بوالص التأمين لحماية نفسها من احتمال مواجهة شاملة في الشرق الأوسط».
الغلاء في دول المنشأ
كذلك، يشكل ارتفاع أسعار السلع والبضائع في دول المنشأ، سبباً آخر لارتفاع أسعار المستوردات؛ فالمخاوف المتزايدة من إمكانية توسع الحرب إقليمياً، والضرر الذي لحق بسلاسل الإمداد، والطلب الدولي المتزايد على السلع في الأسواق العالمية، جميعها عوامل تضغط حالياً على أسعار السلع والبضائع في دول المنشأ، قبل تصديرها وشحنها. وعدد من دول المنطقة بدأ يعاني فعلاً من ارتفاع تكاليف الاستيراد، في ظلّ الإصرار الإسرائيلي المدعوم أميركياً وغربياً على الاستمرار في العدوان ضد الشعب الفلسطيني.
سيرياهوم نيوز1-الاخبار اللبنانية