كمال خلف
مسار التقارب السوري التركي يمضي بشكل متسارع وثابت، ويعكس رغبة الطرفين في ترتيب المرحلة المقبلة وإعادة صياغة العلاقة ونقلها من حالة العداء الى نوع من التعاون لحل الملفات العالقة والشائكة والتي خلقتها حرب امتدت لعشر سنوات كان هدفها اسقاط النظام في سورية، وتغيير دور سورية في محيطها والمنطقة, وكان لتركية الدور الرئيس في هذا المشروع الذي تظافرت فيه جهود دول عربية أوروبية وامريكية وحتى إسرائيل كان لها دورها الخاص,
مسار العلاقة مع تركية يشكل أولوية بالنسبة لدمشق وان كانت مازالت تمارس سياسية الصمت والتحفظ وعدم اطلاق تصريحات إعلامية صريحة، وهذا مفهوم فالقيادة السورية تريد إجراءات عملية قبل الانفراجات الإعلامية, وكذلك المسار يحظى بنوع من الجدية والاهتمام من صناع القرار في تركية عبروا عنه من خلال سيل من التصريحات الواضحة بهذا الشأن ولدى انقرة حسابتها السياسية الداخلية أولا والإقليمية المتعددة ومن بينها ملف الطاقة في المتوسط وهذا ملف الظل “ان جاز التعبير” سيكون له شأن اذا عادت العلاقة بينها وبين الجار السوري الى سابق عهدها, والاهم ان نجاح مسار التصالح مع دمشق بالنسبة لتركية هو بمثابة تعبيد الطريق لاستراتيجية تركيا في التوجه شرقا,
التطورات الهامة التي نود الإشارة اليها ونعتمد فيها على مصادر متعددة، بالإضافة الى متابعة ومراقبة السياسات والتصريحات, يتعلق أولها واهما بالتحضير للقمة التي ستجمع الرئيسين الأسد واردوغان، على ذمة بعض المصادر المطلعة فقد حصل الجانب الروسي على موافقة أولية من الرئيس الأسد والرئيس اردوغان لعقد القمة, وهذا يتطلب نقل الحوار المباشر من المستوى الأمني بين “هكان فيدان وعلي مملوك” الى المستوى السياسي عبر تنظيم لقاء بين وزيري خارجية البلدين ” فيصل المقداد وتشاويش اوغلو “. دون ان يعني ذلك توقف خط الاتصال الأمني بل العكس,
ستكون مهمة الحوار السياسي بالاستناد والمتابعة مع نتائج الحوار الأمني منحصرة في تنظيم جدول اعمال قمة الأسد اردوغان، لضمان الوصول الى نتائج عملية ونجاح القمة، ودارسة اذا ما كان من المفيد والممكن القيام بعض الخطوات الإجرائية التمهيدية قبل عقد القمة, وبناء لذلك قد نشهد المزيد من مظاهر التقارب، وربما بعض الإجراءات الميدانية او السياسية خلال الأيام المقبلة,
اخر الاخبار تقول ان الامن التركي اعتقل المدعو ” عمر سخلو ” المقيم في تركية ” وعمر” هذا هو قائد كتيبة ” نور الدين زنكي ” وهو احد افراد المجموعة التي قطعت رأس الطفل الفلسطيني ” عبد الله عيسى” من مخيم حندرات في حلب عام ٢٠١٦ ووثقت الجريمة بشريط فيديو ظهر فيه المدعو ” عمر ” بشكل واضح, وهذا الاعتقال ليس الوحيد، فقد نفذ الامن التركي اعتقالات أخرى وهذا يعتبر ثمرة الاتصالات الأمنية السورية التركية,
التطور اللافت الاخر الان يخص تركية فمن الواضح ان تركية أعطت الضوء الأخضر للمسؤولين الحكوميين وقادة حزب العدالة والتنمية ووسائل الإعلام التركية للحديث بشكل واضح ومباشر عن رغبة تركية في الانفتاح على علاقة مباشرة وتعاون ومفاوضات مع سورية، بعض النظر عن الأصوات المعترضة سواء كانت تركية او تلك الصادرة عن المعارضة السورية وقادة الفصائل وشرعييها في الشمال السوري,
وعلى ذمة بعض المصادر فان وزير الخارجية السورية فيصل المقداد حضر جانبا من القمة الثلاثية في طهران التي جمعت كلا من الرئيس اردوغان والرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي وفلاديمير بوتين في شهر تموز يوليو الماضي, وكان المقداد كان زار طهران بالتزامن مع انعقاد القمة دون الإعلان عن حضوره القمة، وما تم الإعلان عنه هو ان المقداد اجتمع مع نظيريه الإيراني حسين امير عبد اللهيان, واذا كانت هذه المصادر دقيقة فان هذا يعني ان ثمة لقاء سياسي ثان حصل بين سورية وتركية، وكان الأول ما كشفه وزير الخارجية التركية تشاويش اوغلو عن لقاء جمعه مع المقداد على هامش اجتماع في بلغراد, اما اللقاء الثالث والذي سيكون معلن فقد يحصل مطلع الشهر المقبل,
وما يمكن رصده من مستجدات في هذا الملف هو انطلاق الحديث عن نقل الحوار بين الحكومة السورية ووفد المعارضة حول الدستور السوري من جنيف الى دمشق, ويقول المثل العربي الذي له ما يشببه في ثقافات أخرى ” لا دخان من دون نار “, أي ان الحديث عن نقل الحوار بين السلطة والمعارضة الى دمشق، قد يتحول من مجرد همس وتسريبات في الصالونات الخاصة الى دعوة علنية ومشروع سياسي فعلي, لا شك ان هذا التطور ان حدث سيكون تطورا كبيرا في مسار الحل في سورية, وقد يكون ذلك تمهيدا لاطلاق حوار وطني شامل داخل سورية، يفضي الى حلول واقعية تنهي حقبة كاملة من الحرب وتمثل تنفيذا للقرار الدولي ٢٢٥٤, وهو ما يرتب رفع الحصار عن سورية وإعادة الاعمار, في هذا الشق من التطورات تبرز الحاجة الى دور قطر, ونعتقد بان الدوحة بدات تستعد للعب هذا الدور، كيف ومتى ؟ هذا مرهون بالايام المقبلة وشكل التوليفة المقترحة,
المشهد السوري بات مقبلا على الكثير من التطورات والاحداث وعلى مسارات متعددة وليس فقط المسار التركي السوري وما علينا الا الانتظار لتكون الصورة اكثر وضوحا,
سيرياهوم نيوز 6 – رأي اليوم