علي عبود
في مستهل كل دورة لمجلس الشعب يؤكد رئيسا المجلس والحكومة على “ضرورة مواصلة التعاون المثمر بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، والاستمرار في بذل المزيد من الجهد والعمل في مجلس الشعب والحكومة لبلوغ الأهداف الموضوعة في كل المستويات وعلى الصعد كافة، وتحقيق متطلبات وتطلعات الشعب السوري..الخ”!
حسنا، لنسأل: هل انعكس هذا التعاون المثمر تحسنا ولو 1% على الأوضاع المعيشية لملايين الأسر السورية العاملة بأجر؟
وقد يكون السؤال الأكثر دقة: هل أدى التعاون المثمر بين مجلسي الشعب والحكومة إلى زيادة دوران عجلات الإنتاج وتصنيع بدائل المستوردات المستنزفة للقطع الأجنبي؟
أما السؤال المختصر والمفيد فهو: ماذا استفادت البلاد والعباد من التعاون المثمر المستمر منذ بداية هذا القرن على الأقل بين الحكومة ومجلس الشعب؟
لو ألقينا نظرة سريعة على نتائج هذا التعاون فسنكتشف سريعا أنه لم يكن مثمرا، بدليل أن مامن جهة حكومية أوخاصة، ومامن شريحة في المجتمع راضية عن عمل مجلسي الشعب ومجلس الوزراء!
كما قلنا سابقا يقتصر عمل مجلس الشعب، “كترجمة للتعاون المثمر”، على مناقشة خطط الوزارات، وهذه المناقشة تتكرر في كل دورة دون أن يجيب المجلس على السؤال: مانتائج خطط الوزارات على الاقتصاد وعلى المواطنين؟
نحن هنا أمام احتمالين لاثالث لهما: اما أن الوزارات نفذت خططها الرامية لتحسين أوضاع الاقتصاد والمواطنين، بفعل التعاون المثمر بين السلطتين التشريعية والتنفيذية أو إنها أخفقت بتحقيق أهدافها.
الواقع يؤكد أن الحكومات المتعاقبة لم تحقق في السنوات الأخيرة، وتحديدا منذ عام 2021 أيّ نتائج مؤثرة إيجابا سواء على صعيد زيادة الإنتاج والصادرات، أو على صعيد تحسين الأوضاع المعيشية لملايين السوريين، وهذا يعني أنها أخفقت بترجمة التعاون المثمر بين المجلسين.
وبما أن مامن نتائج مثمرة لأيّ وزارة إلا فيما ندر، فإن مجلس الشعب بتجنب الإجابة على السؤال، كي لايُتهم أنه ضد التعاون من جهة، ولكي لايمارس صلاحياته الدستورية لجهة محاسبة الحكومة على تقصيرها من جهة أخرى!
نعم، لايُقصّر عدد كبير من أعضاء مجلس الشعب بانتقاد الحكومة بقسوة وبجرأة، سواء خلال جلسات توصف أحيانا بـ “الساخنة“، أو بجزم بعضهم عبر صفحاته الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي، أنه سيتقدم بطلب لاستجواب بعض الوزراء أوحجب الثقة عنهم، لكن دائما تكون نتائج هذه الجلسات والإنتقادات والوعود صفرا مكعبا بفعل التعاون المثمر بين المجلسين!!
لاحظوا أن مجلس الشعب لم يقم باستجواب أيّ وزير منذ بدء تدهور أوضاع الاقتصاد والعباد فقط، بل لم يمارس الحد الأدنى من مهامه أيضا، كتشكيل لجان خاصة لوضع تقارير تفصيلية عن أسباب تدهور سعر الصرف، وتراجع القدرة الشرائية لملايين العاملين بأجر، وارتفاع مستلزمات الإنتاج الزراعي والصناعي، وعدم إصلاح القطاع العام الصناعي، والأهم أسباب عدم قيام الحكومة بوضع خطط خمسية وعشرية للتنمية الاقتصادية والإجتماعية..الخ.
ولأنّ مثل هذه التقارير ستكشف تقصير الحكومة في كل المجالات، وستكشف بأن التعاون المثمر أدى إلى تخلّي مجلس الشعب عن ممارسة صلاحياته الدستورية، فإن المجلس لم يُشكل أيّ لجنة تُزعج أو تُغضب الحكومة على مدى أدواره التشريعية الماضية إلى حد تساءلنا فيه أكثر من مرة: هل أخطأ الشعب باختيار ممثليه إلى مجلس الشعب؟
وكمثال، تتذرع الحكومة دائما أمام أعضاء مجلس الشعب بمحدودية الموارد المالية في ظل الاحتياجات الكبيرة لتمويل مشروعات وبرامج التنمية الوطنية، وعدم قدرتها على رفع الأجور بما يتناسب مع أسعار السلع والإحتياجات الأساسية لملايين السوريين، ومع ذلك لم يُشكل المجلس لجنة تضع تقريرا عن تقصير الحكومة باستثمار موارد الدولة الهائلة وبمكافحة التهرب الضريبي وهو بالمليارات..الخ.
كما لم يُشكل المجلس لجنة لوضع تقرير يكشف فيه الإمكانيات الهائلة للمشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر في كسر الحصار وتأمين بدائل السلع المستوردة وتحسين سعر الصرف وزيادة دخل ملايين الأسر.. فلماذا؟
الخلاصة: نحن على مدى العقدين الماضيين أمام تعاون مثمر جدا بين رئيسي مجلسي الشعب والحكومة وليس أمام تعاون مثمر بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، والدليل أن رؤساء مجلس الشعب يستجيبون دائما لطلبات رؤساء الحكومات فيمنعون استجواب الوزراء أو حجب الثقة عنهم لتقصيرهم في مهامهم، والنتيجة تخلّي مجلس الشعب عن صلاحياته الدستورية منذ بدايات تسعينات القرن الماضي، على الرغم من اتهام عدد من الوزراء بالفساد وإحالة بعضهم إلى القضاء ثم الإعتقال فالسجن!!
(سيرياهوم نيوز-3)