مها يوسف:
يشهد الاقتصاد السوري مرحلة دقيقة تتقاطع فيها التحولات البنيوية العميقة مع الضغوط المعيشيّة اليومية على المواطن، ما يفرض قراءة مهنية للواقع واتجاهاته المحتملة. وفي خضم هذا التبدّل، تتعاظم الأسئلة حول مستقبل الاقتصاد وقدرة المجتمع على التكيّف مع المتغيرات.
هوية الاقتصاد
يؤكد الدكتور محمود رجب المدرّس في كلية الاقتصاد بحمص، أن الاقتصاد السوري ينتقل من نموذج دولة الرعاية والدعم الواسع إلى نموذج اقتصاد السوق، وهي مرحلة انتقالية تتصف بثقل الأعباء على المواطنين.
ويبيّن في تصريحه لـ”الحرية” أنّ هذا التحوّل يرافقه ارتفاع واضح في الأسعار وتراجع في القدرة الشرائية، إضافة إلى تغيّرات جوهرية في سلوك المستهلك نتيجة ضبابية المشهد وغياب الاستقرار السعري.
ويشير الدكتور رجب إلى أن حركة الاقتصاد الحالية تتشكل نتيجة تفاعل عوامل خارجية وداخلية معاً؛ فالعقوبات الدولية والظروف الإقليمية والأزمات العالمية وضعف ثقة المستثمرين الأجانب تشكّل أبرز الضغوط الخارجية، بينما يبرز في الداخل تأثير مستوى الدخل وسعر الصرف والبنية التحتية وحجم الإنتاج المحلي، بما يجعل الاقتصاد أكثر حساسية تجاه أي تغيير في هذه المحددات.
سعر الصرف
ويشرح د. رجب أن تأثير أسعار الصرف يمتد بشكل مباشر إلى حياة المواطن، إذ ترتفع أسعار السلع والخدمات بنسب تفوق أحياناً نسبة تراجع قيمة العملة، ما يجعل التضخم أكثر حدة.
ويؤكد أن أبرز سمات المرحلة هي “اللا استقرار”، الأمر الذي يجعل المواطنين في حالة دائمة من الترقب والقلق تجاه مستقبل الأسعار ودخلهم الحقيقي.
ويرى أن التحول في هوية الاقتصاد يفرض على المواطن إدراك حجم المخاطر المحتملة، سواء تلك المتصلة بفرص العمل أو الاستقرار المالي. فالتغيّرات قد تحمل جانباً إيجابياً عبر فرص جديدة لزيادة الدخل وتحسين ظروف المعيشة، لكنها قد تتسبب أيضاً بخسارات أو ضغوط إضافية بحسب موقع الفرد في سوق العمل وقدرته على التكيف.
تضخم ضاغط
وأوضح د. رجب أن استمرار التضخم وتقلبات سعر الصرف يشكلان عاملاً أساسياً في تآكل القدرة الشرائية للأسر، إذ تنعكس مباشرة على أسعار السلع الأساسية وغير الأساسية، ما يضع ميزانيات الأسر أمام تحديات متلاحقة تتطلب إعادة ترتيب أولويات الإنفاق.
سوق العمل
وبيّن أن التحديات الاقتصادية الحالية ستظهر بوضوح في سوق العمل من خلال ارتفاع معدلات البطالة مع اتجاه عدد من الصناعيين نحو التجارة والاستيراد بدلاً من الإنتاج. كما يشير إلى توسع سوق العمل غير الرسمي وانتشار الورشات الصغيرة غير المرخصة، إضافة إلى تراجع الدخل الحقيقي نتيجة التضخم، ما يدفع شريحة كبيرة من العاملين نحو العمل الحر والخاص بحثاً عن دخل أفضل، إلى جانب زيادة الاعتماد على التحويلات الخارجية.

نصائح أساسية
ويقدم الدكتور رجب جملة من النصائح للتعامل مع عدم الاستقرار الاقتصادي، أبرزها تنويع مصادر الدخل واعتبار الأعمال عبر الإنترنت خياراً داعماً، وضبط الإنفاق واقتصاره على الضروريات، وتحسين المهارات المهنية، والاستفادة من شبكات الدعم الاجتماعي التي تلعب دوراً مهماً في مواجهة الظروف الصعبة.
إشارات إيجابية
مؤكداً وجود مؤشرات يمكن البناء عليها للخروج من الأزمة، أبرزها استقرار الوضع السياسي والأمني، وإمكانية رفع أو تخفيف العقوبات الاقتصادية، إضافة إلى التوجه نحو دعم قطاع الطاقة والزراعة، وتعزيز شبكات الأمان الاجتماعي والتحويلات الخارجية، فضلاً عن الإرادة القوية لإعادة البناء.
قطاعات واعدة
وأشار إلى امتلاك عدد من القطاعات فرصاً كبيرة للتعافي وخلق فرص عمل، ومنها قطاع الزراعة بشقيها النباتي والحيواني، وقطاع الطاقة البديلة، والصناعات التحويلية التقليدية، والمشروعات الصغيرة والمتوسطة، وقطاع النقل والخدمات اللوجستية، إضافة إلى قطاع التعليم والتدريب والسياحة الداخلية.
تعزيز الإنتاج
ويختتم الدكتور محمود بالتأكيد على أن تعزيز الإنتاج المحلي يتطلب حزمة متكاملة من الإجراءات، تشمل تحديث البنية التحتية اللوجستية وتخفيض تكاليف النقل، وتطبيق سياسات ضريبية تحفيزية، وإطلاق مراكز تدريب مهنية متخصصة، ورفع جودة المنتجات وتحسين معايير التغليف، وتطوير التقنيات الزراعية، ودعم التصنيع المحلي والتكامل الرأسي، إلى جانب توفير التمويل للمصانع الصغيرة والمتوسطة.
ويرى أن هذه الخطوات كفيلة بإحداث أثر مباشر على الأسعار واستقرار السوق في المدى المتوسط والبعيد.
syriahomenews أخبار سورية الوطن
