| محمد نور الدين
بينما يظلّ التوتّر مخيّماً على الحدود الأذربيجانية – الأرمينية التي لم تستعِد هدوءها على نحو كامل بعد، في ظلّ استمرار الاشتباكات المتقطّعة، تتتالى القراءات لدى جميع الأطراف المعنيّة بخصوص ما شهدته الأيام الماضية، وما يمكن أن تستتبعه في منطقة جنوب القوقاز التي تبدو شديدة التعقيد والتداخل. ومن بين القراءات المُشار إليها، تَبرز تلك الآتية من أذربيجان، والتي تحمل اتّهامات واضحة للولايات المتحدة بتحريض أرمينيا على تصعيد الموقف بهدف تحريك أحد أبرز الملفّات الموقوتة بوجه روسيا، على رغم أن لواشنطن وحلفائها الغربيين مصلحة في إبقاء الودّ مع باكو، طمعاً في غازها الذي يؤمل أن يعوّض جزءاً من الغاز الروسي المحجوب
في وقت تستمرّ فيه الاشتباكات المتقطّعة بين الطرفين، مُوقِعةً مزيداً من القتلى، هدّدت أذربيجان، أرمينيا، بأنها إذا لم تلتزم بتنفيذ اتفاقية العاشر من تشرين الثاني 2020، فإنها يمكن أن تُكرّر ما تُسمّيه «الضربة الحديدية» التي وجّهتها إلى جارتها في حرب الـ44 يوماً. واختصرت صحيفة «أذربيجان» القومية، مطالب البلاد بثلاثة: تسليم خرائط الألغام التي زرعتها أرمينيا في المناطق التي انسحبت منها عام 2020 وتسبّبت بمقتل العديد من الجنود الأذربيجانيين، والاتفاق النهائي على ترسيم الحدود الدولية بين البلدَين، والبدء بإنشاء ممرّ زينغيزور بين نخجوان والأراضي الأذربيجانية مروراً بالأراضي الأرمينية. وعنونت الصحيفة، على صدْر صفحتها الأولى: «قصاص القبضة الحديديّة سيكون مروِّعاً»، في إشارة إلى ما تَراه باكو تملّصاً من قِبَل يريفان من الاتفاق الذي توصَّل إليه رئيس أذربيجان إلهام علييف، ورئيس وزراء أرمينيا نيكول باشينيان، برعاية رئيس الاتحاد الأوروبي شارل ميشيل، في بروكسل نهاية شهر آب المنصرم، والقاضي بتوقيع اتفاقية سلام شاملة بين الطرفَين. والجدير ذكره، هنا، أن تعبير «القبضة الحديدية» الذي استخدمته «أذربيجان»، في افتتاحيتها المُوقَّعة باسم ياسمين موسييفا، يَرِد في المقطع المصوَّر الذي دائماً ما يتمّ تداوله في أذربيجان، ويُظهر رئيس الدولة وهو يهدّد أرمينيا رافعاً قبضة يده اليمنى.
من جهته، يتّهم ألتشين خالد بايلي، في صحيفة «يني مساواة» الأذربيجانية، أرمينيا، بأنها تتعمّد خلْق فوضى أمنية في القوقاز بتعليمات من الولايات المتحدة. ويرى بايلي أن أميركا والغرب يريدان إخراج روسيا من هذه المنطقة ويستخدمان باشينيان لتنفيذ إرادتهما، مستدِلّاً على ذلك بقيام وليام بيرنز، رئيس الاستخبارات الأميركية، بزيارة يريفان أخيراً، ولقائه على انفراد برئيس الوزراء الأرميني، علماً أن رئيسة مجلس النواب الأميركي، نانسي بيلوسي، ستزور هي الأخرى أرمينيا خلال أيام، للتعبير عن دعمها لها، وهو ما قد يعزّز الربط المُشار إليه. ويشير الكاتب إلى أن باشينيان حذّر من أنه إذا لم تُوفّر «معاهدة الأمن الجماعي» التي تضمّ روسيا وكازاخستان وطاجكستان وقيرغيزيا، الدعم لأرمينيا، فعلى الأخيرة ترْكها، و«هذا استفزاز واضح لروسيا، وضربٌ للعلاقات الروسية الأرمينية، وتصوير للمعاهدة على أنها غير مُجدية»، مضيفاً أنه «في حال دعم روسيا لأرمينيا، فإن تركيا ستتدخّل إلى جانب أذربيجان، وستنهار العلاقات بين أنقرة وموسكو، وهذا أيضاً هدف أميركي». ويرى بايلي أن «وضْع باشينيان الآن أصعب مِن ذي قَبل، حيث استنجد في حرب الـ44 يوماً بروسيا لحماية نفسه، لكنه الآن لا يجد موسكو إلى جانبه»، معتبراً أن «الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، يبدو أكثر حماسة للتخلّص من باشينيان، فيما لا تجد الولايات والمتحدة وفرنسا آليات للتدخّل لحمايته». ويخلص الكاتب إلى أن الإطاحة برئيس الوزراء الأرميني «لن تكون بعيدة»، مستدرِكاً بأن «بقاءه يفيد باكو، لأنه الوحيد المستعدّ لتوقيع اتفاقية سلام مع أذربيجان وفقاً لشروط الأخيرة، ولأن البديلَ حربٌ قد تطيح حتى بأرمينيا نفسها»، مشدّداً على أن «لجوء باكو إلى القبضة الحديدية من وقت إلى آخر، ضروري لإفهام المتشدّدين في أرمينيا بأنه لا مفرّ من التسليم بتوقيع اتفاقية السلام».
صبّت نشرة «أرمينيان ويكلي» جام غضبها على موسكو «التي لم تُحرّك ساكناً»
على المقلب التركي، يكتب فهيم طاشتكين، في «غازيته دوار»، أن الظروف الدولية تعمل لصالح الرئيس الأذربيجاني، إلهام علييف، ولذا، فهو «يحاول أن يستغلّ إلى الحدّ الأقصى هذه الميزة». ويبيّن طاشتكين أنه «مِن جهة، هناك تركيا التي تدعمه بالكامل؛ فيما روسيا منشغلة بأوكرانيا ولن تسمح للغرب بأن يُلهيها بمكان آخر، والغرب، بدوره، لا يمكن أن يُسخط علييف لأنه بحاجة إلى غاز أذربيجان كبديل جزئي للطاقة الروسية». وإذ يَعتبر أن «روسيا لا تريد أن تكون في صورة مَن عليها أن تختار بين أذربيجان وأرمينيا، ولذا فهي تُفضّل أن تقوم بدور الحَكَم مِن وراء الستار»، فإن «المستعجِل»، بالنسبة إليه، هو الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، الذي «يستعجل فتح ممرّ زنغيزور، والوصول إلى آسيا وبحر قزوين من دون قطْع، بل إن إردوغان ضدّ أيّ محاولة من الغرب لإحياء اجتماعات مينسك التي لم تقدّم شيئاً لأذربيجان طوال ثلاثين سنة». ويشير الكاتب إلى أن «ترسيم الحدود والاعتراف النهائي بسيادة الدولتَين على أراضيهما أمر تريده أذربيجان، على عكْس أرمينيا التي تريد بحْث مسألة قره باغ، وهذا ما يرفضه علييف الذي يرى أن هذه المسألة لم تَعُد مطروحة على بساط البحث، وأن على أرمن قره باغ إمّا الاندماج في المجتمع الأذري والتحوّل إلى جزء من أذربيجان، أو أن يتركوا الإقليم إلى حيث يشاؤون». أمّا بخصوص مسألة ممرّ زينغيزور، فيَلفت إلى أن «أرمينيا تعتقد أنه يمكن الاتصال بين أذربيجان ونخجوان عبر طُرُق كانت سابقاً موجودة ولا تزال، وإذا كان لا بدّ من ممرّ زينغيزور فيجب فتح ممرّ مباشر بين أرمينيا وإيران عبر الأراضي الأذربيجانية».