سعيد محمد
اختُتمت في ميامي في ولاية فلوريدا الأميركية، مساء الأحد، جولة محادثات ديبلوماسية مكثّفة استمرّت على مدى ثلاثة أيام، جمعت مسؤولين رفيعي المستوى من الولايات المتحدة وأوكرانيا وروسيا، في مسعى إلى إنهاء الحرب المستمرّة منذ قرابة أربع سنوات. ورغم وصْف واشنطن وكييف المحادثات بأنها «بنّاءة ومثمرة»، إلّا أنّ الجولة انتهت من دون الإعلان عن أيّ اختراق استراتيجي يردم الهوّة الواسعة بين الطرفين المتحاربين.
وأدار المبعوث الرئاسي الأميركي الخاص، ستيف ويتكوف، بمعاونة صهر الرئيس دونالد ترامب، جاريد كوشنر، ماراثوناً تفاوضيّاً اعتمد آلية «الغرف المنفصلة»، حيث لم يجلس الوفدان الروسي والأوكراني على طاولة واحدة بشكل مباشر. وفي بيان رسمي صدر عقب المحادثات، أكّد ويتكوف، ورئيس الوفد الأوكراني، وزير الدفاع رستم عمروف، أنّ النقاشات ركّزت على مواءمة المواقف الاستراتيجية بين أوكرانيا والولايات المتحدة والشركاء الأوروبيين. وكشف البيان أنّ المداولات تمحورت حول صياغة أربع وثائق رئيسة تشكّل هيكلية أيّ اتفاق محتمل: «خطة سلام» مكوّنة من 20 نقطة – هي النسخة المعدّلة التي قدّمتها كييف وحلفاؤها الأوروبيون ردّاً على الخطّة الأميركية الأوّلية (28 نقطة) واعتُبرت لدى طرحها الشهر الماضي منحازة إلى المطالب الروسية -، وإطار عمل لضمانات أمنية متعدّدة الأطراف يهدف إلى تأمين حدود أوكرانيا المستقبلية بمشاركة قوى دولية، ووثيقة ثنائية أميركية – أوكرانية تحدّد التزامات واشنطن الدفاعية تجاه كييف، وخطّة للتعافي الاقتصادي والازدهار تتعلّق بآليات إعادة الإعمار وتمويل الاقتصاد الأوكراني ما بعد الحرب. كذلك، أشار البيان المشترك إلى اهتمام خاص أوّلي بمناقشة «الجداول الزمنية وتسلسل الخطوات»، وهي النقطة التي طالما شكّلت عقبة في المفاوضات السابقة.
على الجانب الآخر، عقد الوفد الأميركي سلسلة اجتماعات مع المبعوث الروسي الخاص، الرئيس التنفيذي لصندوق الاستثمار المباشر كيريل ديمترييف، وصفها ويتكوف بأنها «بنّاءة»، مؤكّداً، في تدوينة عبر منصّة «إكس»، أنّ «روسيا لا تزال ملتزمة تماماً بتحقيق السلام». واكتفى ديمترييف، من جهته، بنشر صورة «سيلفي» في خلفيّتها شمس ميامي، يظهر هو فيها مرتدياً قميصاً يحمل الشعار الروسي وتوقيع الرئيس فلاديمير بوتين، مع عبارة: «في المرّة القادمة في موسكو»، في إشارة إلى أنّ الكرملين، يريد نقل مركز الثقل التفاوضي إلى أرضه في الجولة المقبلة.
ورغم الأجواء «الإيجابية» التي حاول المنظّمون إشاعتها، كشفت الكواليس عن تباين عميق في الرؤى؛ إذ اعتبر مساعد الرئيس الروسي للسياسة الخارجية، يوري أوشاكوف، في تصريح إلى وكالة «تاس»، أنّ المقترحات التي قدّمها الجانب الأوكراني وحلفاؤه الأوروبيون لتعديل الخطّة الأميركية «غير بنّاءة»، ولا تحسّن فرص التوصّل إلى اتفاق سريع. وتتمسّك روسيا، التي أكّد رئيسها فلاديمير بوتين، في مؤتمره الصحافي السنوي الجمعة الماضي، امتلاك قواته «المبادرة الاستراتيجية»، بشرط الاعتراف بـ«الواقع الإقليمي الجديد»، أي بضمّ الأراضي التي سيطرت عليها موسكو، في حين نبّه الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، إلى أنّ «القضايا الأصعب كانت ولا تزال تتعلّق بالأراضي الأوكرانية»، رافضاً أيّ تسوية تتضمّن التنازل عن السيادة، ومطالباً بضمانات أمنية «حقيقية». وأكّد زيلينسكي، أنّ الولايات المتحدة اقترحت عقد محادثات ثلاثية مباشرة (أميركية – روسية – أوكرانية)، لكن الكرملين، نفى وجود ترتيبات فورية لهكذا لقاء، فيما أبدى الرئيس الأوكراني شكوكه حيال جدوى مثل هذا الاجتماع في ظلّ المعطيات الحالية.
شكّكت مديرة الاستخبارات الوطنية الأميركية في الرواية القائلة إنّ بوتين يسعى إلى غزو أوروبا بأكملها
وبينما كان الديبلوماسيون يتبادلون المسودات في فلوريدا، استيقظت العاصمة الروسية، صباح أمس، على وقع عملية اغتيال نوعية، استهدفت رئيس مديرية التدريب العملياتي في هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية، اللواء فانيل سارفاروف، وذلك بتفجير عبوة ناسفة زُرعت أسفل سيارته في جنوب موسكو. وأفادت الناطقة باسم لجنة التحقيق الأمنية الروسية، سفيتلانا بيترينكو، بأنّ سارفاروف توفي متأثّراً بجروحه في مكان الحادث، مشيرة إلى أنّ المحقّقين يدرسون عدّة فرضيات، أبرزها «تورّط أجهزة الاستخبارات الأوكرانية»؛ علماً أنّ هذه الحادثة تُعدّ واحدة من أخطر الاختراقات الأمنية التي طاولت قيادات عسكرية رفيعة داخل العمق الروسي.
وعلى الأرض، كثّفت القوات الروسية عملياتها العسكرية؛ وسيطرت، بحسب وزارة الدفاع، على قرى جديدة في منطقة «سومي» الحدودية (شمال شرق)، من بينها فيسوك وسفيتل. وفي الجنوب، واصلت لليوم الثاني على التوالي قصفها المركّز للبنية التحتية في منطقة أوديسا، حيث أفادت هيئة الطوارئ الأوكرانية بمقتل ثمانية أشخاص وإصابة 27 آخرين جرّاء استهداف الموانئ ومخازن الزيوت والحبوب بصواريخ باليستية وطائرات مسيّرة، فضلاً عن اندلاع حرائق هائلة وتضرُّر شبكات الكهرباء والتدفئة.
وردّاً على ذلك، نفّذت أوكرانيا ضربات نوعية بعيدة المدى استهدفت عصب الاقتصاد الروسي؛ إذ أعلنت هيئة الأركان الأوكرانية عن هجوم ناجح بطائرات مسيّرة استهدف منصّة حفر في حقل «فيلانوفسكي» النفطي التابع لشركة «لوك أويل» في بحر قزوين، على مسافة تتجاوز 700 كيلومتر من الحدود الأوكرانية، بالإضافة إلى استهداف السفينة الدورية العسكرية «أوخوتنيك» بالقرب من المنصة. ومن جهته، أكّد المقرّ العملياتي لمنطقة كراسنودار الروسية تعرُّض ميناء «فولنا» لهجوم بطائرات مسيّرة أوكرانية، ما أسفر عن تضرُّر سفينتين ورصيفَين بحريَّين وانتشار النيران على مساحة 1500 متر مربع، في تطوّر يشير إلى قدرة كييف المتنامية على تهديد خطوط الإمداد الروسية في البحرَين الأسود وقزوين.
وفي خضمّ هذا التصعيد، بدا لافتاً حديث وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، عن أنّ «الطريق لا يزال طويلاً» قبل توقيع أيّ اتفاق، وتخفيفه من سقف التوقّعات التي أطلقها ترامب بقرب الحلّ، في حين تبنّى السيناتور ليندسي غراهام لهجة تصعيدية حادّة، داعياً، في مقابلة تلفزيونية، إلى ضرورة «تغيير قواعد اللعبة جذريّاً» في حال رفض بوتين الصفقة، وذلك عبر تزويد أوكرانيا بصواريخ «توماهوك» لضرب مصافي النفط ومصانع الصواريخ في العمق الروسي، وتصنيف روسيا باعتبارها «دولة راعية للإرهاب». وعلى النقيض، شكّكت مديرة الاستخبارات الوطنية، تولسي غابارد، في الرواية القائلة إنّ بوتين يسعى إلى غزو أوروبا بأكملها، متّهمة «الدولة العميقة» في مجتمع الاستخبارات بتأجيج المخاوف لعرقلة جهود ترامب للسلام، وهي التصريحات التي لاقت ترحيباً فورياً من ديمترييف.
أخبار سوريا الوطن١-الأخبار
syriahomenews أخبار سورية الوطن
