آخر الأخبار
الرئيسية » السياحة و التاريخ » تفعيل القطاع السياحي يحتاج صدمة إيجابية تتخللها حزمة إجراءات متكاملة وحوافز استثمارية جريئة

تفعيل القطاع السياحي يحتاج صدمة إيجابية تتخللها حزمة إجراءات متكاملة وحوافز استثمارية جريئة

الحاجة الملحة اليوم أكثر من أي وقت مضى، هي “العمل والعمالة الوافدة” إلى سوق العمل، ومحاولة تأمين فرص مولدة للدخل، وبالتالي قطاع السياحة وخاصة “الشعبية” هي أكثر القطاعات الهامة المولدة لهذه الفرص، لأن المدرك للدور الاجتماعي الذي تقوم به السياحة كأداة تطوير وتنمية، يستطيع تفسير عودة الاهتمام الحكومي والتعويل الكبير على هذا القطاع في إطار استراتيجياتها لتجنيد كافة الموارد المتاحة لديها للوصول إلى التنمية المستدامة، وتحقيق تكامل فعال بين المشاريع المحلية متناهية الصغر والمشاريع الاستراتيجية الكبرى التي يعول عليها إحداث نقلة نوعية في الحياة الاقتصادية السورية، وخاصة أنها تمتلك مقومات سياحية، شكلت مقصداً مهماً من مختلف بلدان العالم، وسجل عدد زوارها قبل الحرب الملايين من السياح العرب والأجانب، إلا أن ظروف الحرب، وما نتج عنها من تخريب لهذا المكون الاقتصادي، فرض حالة جديدة ينبغي على المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص والمكون الأهلي، التفكير بتحسين واقع السياحة، بأشكالها المختلفة، وخاصة الشعبية منها واستثمار المتوافر منها وتطويرها، بما يتناسب مع أسباب الحاجة، واعتبار ذلك خطوة باتجاه تنمية سياحية شاملة، متاحة لجميع أفراد المجتمع، على اختلاف قدراتهم المعيشية..

صدمة إيجابية

لكن حسابات اليوم، ليست كما الأمس ، فهي تختلف حسب ترتيب الأولويات والاهتمام الحكومي والخاص، وحتى جهات المجتمع الأهلي، والجميع ينظر بواقعية للقطاع السياحي في ظل تراجع إنتاجيته ودوره في دعم خزينة الدولة، وبالتالي لابد من إجراءات تكفل عودته إلى سوق العمل، والاستفادة في دعم عمليات التنمية ، وهنا يرى الخبير الاقتصادي الدكتور شادي أحمد، أن الحالة اليوم تتطلب إعادة تفعيل القطاع السياحي بإحداث “صدمة إيجابية” عبر حزمة إجراءات متكاملة أهمها: حوافز استثمارية جريئة، تبدأ بإقرار إعفاءات ضريبية، وجمركية مُعلنة ومحددة المدة، للمشاريع السياحية الجديدة، خاصة تلك التي تركز على السياحة البيئية أو العلاجية ذات القيمة المضافة العالية.
إلى جانب إجراء مهم لايقل عما سبق يكمن في رقمنة الإجراءات من خلال إنشاء منصة استثمار إلكترونية موحدة (نافذة واحدة) لتسهيل تراخيص المشاريع السياحية في وقت قياسي، والقضاء على البيروقراطية، والعمل على تطوير البنية التحتية الذكية، عن طريق الاستثمار الفوري في تحديث المطارات، والطرق المؤدية للمواقع السياحية، وتوفير خدمات الإنترنت عالية السرعة، لضمان تجربة سياحية عصرية، دون تجاهل إجراءات التسويق المُستهدف، وإطلاق حملات رقمية عالمية مبتكرة تركز على أسواق واعدة (مثل أوروبا الشرقية وآسيا)، مع التركيز على القصص المحلية الفريدة بدلاً من الترويج العام.

محرك متعدد الأوجه

وبالتالي كل ذلك يأتي من خلال الإدراك الكامل بأهمية دور السياحة كقطاع اقتصادي في دعم الاقتصاد الوطني وزيادة واردات الخزينة.

أحمد: إنشاء منصة استثمار إلكترونية موحدة لتسهيل تراخيص المشاريع السياحية في وقت قياسي

وهنا يؤكد “أحمد” هذه الأهمية باعتباره رافداً اقتصادياً غير نفطي حيوي يعمل كمُحرك متعدد الأوجه نذكر على سبيل المثال: مصدر للعملات الصعبة، حيث تُعد السياحة مصدرًا مباشرًا لتدفق العملات الأجنبية (الدولار واليورو) من الخارج، ما يُعزز احتياطي البنك المركزي ويُحسن ميزان المدفوعات، إلى جانب إيجاد فرص عمل واسعة، فالسياحة قطاع كثيف العمالة، لا يقتصر على الفنادق والخدمات فحسب، بل يمتد ليولد آلاف الوظائف غير المباشرة في النقل، الحرف اليدوية، والزراعة وغيرها..
والجانب الأهم في رأي ” أحمد” يكمن في تعزيز الإيرادات الحكومية حيث تُغذي السياحة الخزينة عبر عائدات الضرائب المباشرة (على الأرباح السياحية) والرسوم المختلفة (رسوم المطارات، التأشيرات، المبيعات)، ما يدعم الموازنة العامة.
إضافة للتأثير المضاعف لكل وحدة نقدية تُنفق في السياحة، يكون لها تأثير مضاعف على تحفيز النمو في قطاعات أخرى مرتبطة كالبناء والخدمات اللوجستية.

ثقة دولية

حتى نستطيع تحقيق ذلك لابد من تأمين بيئة مناسبة، وجاذبة للاستثمار السياحي الخارجي، وهذا يتطلب بناء “ثقة دولية” لا تتأثر بالمتغيرات، من خلال: الأمن التشريعي والقانوني والذي يكمن في ضمان حماية كاملة وشفافة لحقوق المستثمر الأجنبي، وتأكيد قدرته على تدوير أرباحه وتحويلها دون قيود بيروقراطية معقدة.
أيضاً الشراكات الإستراتيجية (PPP)، من خلال طرح مشاريع ضخمة وجاهزة للاستثمار بالشراكة بين القطاع العام والخاص، مع تقديم تسهيلات في توفير الأراضي والبنية التحتية، وتحقيق الاستقرار الكلي، فالمستثمر الأجنبي يبحث عن بيئة سياسية واقتصادية مستقرة وقوانين ضريبية ثابتة لا تتغير فجأة، مما يقلل من مخاطر الاستثمار طويل الأجل، إلى جانب اعتماد التسويق المؤسسي، أي الترويج للبلاد في المحافل
الاقتصادية العالمية ليس فقط كوجهة سياحية، بل كـ “مركز استثماري سياحي” واعد.

صمام أمان

لكن المكون الأساسي الذي يؤمن نجاح السياحة العامة في سورية، والوصول الى الثقة المطلوبة بهذا القطاع، لابد من تجاوز أمر في غاية الأهمية، وهذا التجاوز يحمل بيئة واسعة للاستثمار السياحي، وهذه تتركز في تفعيل السياحة الشعبية، والتي تشكل العمود الفقري في تراتبية العمل السياحي، حيث يرى الخبير “أحمد” ضرورة انعاش هذا القطاع باعتباره “صمام أمان اقتصادي” وحتى نصل الى عملية انعاش مجدية، يجب التركيز على عامل القدرة على تحمل التكاليف والتوعية، من خلال عدة اجراءات تشمل: برامج الإجازات المدعومة، وإطلاق مبادرات وطنية لتمويل الإجازات، أو تقديم خصومات كبيرة على النقل، والإقامة للمواطنين خلال مواسم الركود، لتشجيعهم على السياحة الداخلية.
إلى جانب تطوير الإقامة الاقتصادية، ودعم إنشاء وتطوير الفنادق الاقتصادية، وبيوت الضيافة، والمخيمات البيئية ذات الأسعار المعقولة التي تلبي احتياجات الأسر ذات الدخل المتوسط، و تنشيط الفعاليات المحلية، من خلال تنظيم مهرجانات ثقافية وتراثية شهرية في مختلف المحافظات، واستغلال العطلات لتقديم عروض شاملة تناسب ميزانية العائلة. دون تجاهل الجانب الاعلامي في كل ذلك ، وتوجيه حملات إعلامية وطنية تركز على التوعية بأهمية السياحة المحلية، ودورها في دعم الاقتصاد الوطني، مع إبراز الجمال والتنوع الجغرافي للبلاد.

بيئة محفزة

مدير سياحة اللاذقية فادي نظام يقدم رؤية تقارب الواقع الفعلي للسياحة المحلية بكل أنواعها، خلال حديثه مع لـ” الحرية” حول كيفية عودة القطاع السياحي إلى سوق العمل المحلي، وخاصة أنه قطاع تنموي واقتصادي، ومساهم كبير في بناء الحالة الاقتصادية العامة، والبالغة 14% من الناتج الجمالي المحلي، حيث تقوم وزارة السياحة بتوفير بيئة استثمارية محفزة، يتم من خلالها تحقيق نتائج إيجابية مساهمتها تكون كبيرة الناتج الإجمالي المحلي، واتساع دائرته الاقتصادية والاجتماعية، والتي تؤمن حالة استقطابية لأعداد كبيرة من قوة العمل القادمة إلى السوق سنوياً، والتي تدهورت إلى حد كبير خلال سنوات الحرب، وخروج معظمها من ميدان العمل الإنتاجي والخدمي، وأوضح “نظام” أن سورية تمتلك مقومات سياحية كبيرة، إلا أنها تعرضت للتخريب والتدمير خلال السنوات الماضية.

مصادر قوة

فالحالة المتنوعة للقطاع السياحي، مازالت تمتلك الكثير من مصادر القوة، لكنها تحتاج لاهتمام حكومي خاص، من خلال اتخاذ جملة من المحفزات الداعمة، لإعادة تأهيل الأضرار التي لحقت بهذا القطاع، إلى جانب إعادة تأهيل العديد من المواقع والبنى التحتية، والخدمات للمرافق السياحية الهامة، وإطلاق مشاريع سياحة ضخمة، تبدأ أولى خطواتها من بوابة السياحة المحلية والأهلية، تقودها وزارة السياحة، والتي يغلب عليها الطابع الشعبي، تستهدف أصحاب ذوي الدخل المحدود، لذا من الضروري العمل على تأمين مقومات نجاحها، بما يتناسب مع الظروف الاقتصادية التي فرضتها الحرب ونتائجها السلبية.

خارطة طريق

وأضاف نظام: أمام هذا الواقع لابد من رسم خارطة طريق سياحية، تتبنى استراتيجية سياحية شاملة ” تستهدف السياحة بكل أنواعها وخاصة ما يتعلق بجانب السياحة الشعبية التي نرى مفاعيلها على امتداد الجغرافية السورية، والاستفادة من تجارب الأصدقاء في مجال العمل السياحي، واستقطاب رؤوس الأموال للمساعدة في إقلاع المشاريع السياحية المتعثرة والمتضررة، وتطوير المنتج السياحي، بما يلبي الاحتياجات المطلوبة، دون تجاهل مكون مهم في الاستثمار السياحي والمتعلق في سياحة السواحل، وخاصة أن سوريا تمتلك شريط ساحلي، يحمل كل مقومات السياحة الناجحة، لكنها تحتاج لإعادة ترتيب ضمن الاستراتيجية الوطنية التي تتبناها وزارة السياحة لإنعاش السياحة الكلية على امتداد الجغرافية السورية، وخاصة السياحة الداخلية من خلال إقامة الفعاليات والمهرجانات في المواقع السياحية الهامة بقصد تفعيل السياحة الداخلية، وتنفيذ مشاريع تناسب الشرائح الأساسية من المواطنين، كمشاريع الشواطئ المفتوحة والمنتزهات الشعبية، والعمل على تطويرها لتأخذ أبعاداً جديدة في العمل السياحي، بحيث تتناسب مع الحالة الاقتصادية الجديدة في البلاد.
وهذه لا بد من ترافق إجراءات مهمة تتخذها السياحة لاسيما ما يتعلق بتأهيل الكوادر البشرية العاملة في مجال العمل السياحي وتوقيع المزيد من الاتفاقيات والعقود في هذا المجال، لتعزيز قوة العمل السياحية، وتعظيم فائدتها وتعزيز أيضاً الصورة الحضارية لسوريا، بما يتفق مع التوجه الجديد لاقتصادنا الوطني.

اخبار سورية الوطن 2_وكالات _الحرية
x

‎قد يُعجبك أيضاً

الغرفة الفتية بطرطوس تطلق الدليل السياحي الأول للمحافظة

    أعلنت الغرفة الفتية بطرطوس عن إطلاق الدليل السياحي لمحافظة طرطوس بكلمات معبرة تقول : (( منذ الخطوة الأولى لمشروع “Discover Tartus”، كنّا نسعى ...