د. سلمان ريا
قال توم باراك، المبعوث الأمريكي إلى لبنان: “التاريخ علّمنا البحث عن الحلول على أجزاء، وسنبدأ بتركيا ثم سوريا ولبنان والأردن وغزة، ولا يوجد شيء اسمه الشرق الأوسط بل هو عشائر وقرى، أما الدول فأوجدها البريطانيون والفرنسيون.”
لم تكن هذه الكلمات زلة لسان، بل إعلان مشروع لتفكيك المنطقة. شرق بلا دول، كيانات ممزقة تُدار كملفات متفرقة، وحلول مجزأة تُبقي الشعوب في قبضة الوصاية. إنها سايكس–بيكو جديدة، بأدوات ناعمة: إدارة الأزمات بدل الاحتلال المباشر.
في سوريا يتجلى النموذج: شمال شرقي تحت المظلة الأمريكية، شمال غربي مضبوط بالتركي، وبقية البلاد تحت عين موسكو. وفي لبنان، الأزمات تُدار كجزر معزولة: كهرباء بلا سيادة، مرفأ بلا إصلاح، واقتصاد بلا قرار سياسي. كل شيء مجزأ، فلا دولة ولا سيادة.
أما المفهوم الأخطر فهو “السيولة”: لا حرب تنهي، ولا سلام يرسّخ. إنها فوضى محسوبة تُبقي المنطقة رهينة، وتمنع أي استقرار يفتح باب الاستقلال.
الأردن هشّ على خطوط النار، غزة معزولة عن الضفة، تركيا مكبّلة بملف الأكراد، وإسرائيل تترسخ كالرابح الوحيد وسط فسيفساء الانهيار.
لكن ما أراده توم باراك بداية تفكيك، قد ينقلب إلى شرارة نهضة. فالشعوب التي وُصفت بـ“العشائر والقرى” هي ذاتها التي صنعت حضارات وواجهت الغزاة، ولن تُمحى بخطاب دبلوماسي ولا بخريطة مرسومة في الخارج.
اليوم، السؤال ليس: ماذا يريدون؟ بل: متى نقول كلمتنا؟ متى تتحول السيولة التي خططوا لها إلى طوفان وطني يكسح مشاريعهم؟ متى تُرفع الخرائط من أيدي الدبلوماسيين إلى أيدي الشعوب؟
لقد حان الوقت: لن يكون الشرق الأوسط ما يرسمه الآخرون، بل ما تصنعه إرادة أهله. وما أرادوه شرقاً هشاً، سيولد منه شرقٌ جديد… شرق الشعوب، لا شرق الوصاية.
(موقع اخبار سوريا الوطن-1)