| علي عبود
يطل علينا “الخبير” الدكتور نبيل سكر المستشار السابق في البنك الدولي، الخاضع كليا للهيمنة الأمريكية، كل عقد من الزمن أو أكثر بآراء “جريئة” يقدمها “مجانا” للحكومة دون أن يكشف مرة واحدة عن دوافعه الحقيقية لإطلالاته النادرة، وهل هي مثلا مبادرات ذاتية أم بطلب، سواء من الحكومة أم من جهات أخرى؟
ونعترف أن البعض معجب جدا بالدكتور سكر، ويتعامل معه كشخصية فذة، ويعدّه من عباقرة الاقتصاد الفريدة من نوعها في سورية، على الرغم من أن الرجل لم يشغل منصبا إقتصاديا سواء في الحكومة أم في القطاع الخاص، إلا إذا كان العمل الإستشاري أو البحثي يعكس تمايزا وعبقرية فذة غير مسبوقة.
لقد قرأت “استراتيجية” الدكتور سكر الأخيرة بعنوان (اقتراحات جريئة لتحريك الاقتصاد السوري) ولم أفاجأ بمضمونها فقد توقعت مسبقا انها لن تحمل جديدا، ومن المبالغة وصفها بعبارات طنانة ورنانة من قبيل انها استراتيجية، هي ليست سوى تكرار لما ينشره أساتذة الاقتصاد وخاصة من خبر العمل الحكومي أو الخاص.
حسنا، سنجيب على السؤال: هل مقالة أو دراسة الدكتور نبيل سكر تتضمن اقتراحات “جريئة” لتحريك الاقتصاد السوري، أم اجترار وإعادة تدوير لما يقترحه يوميا الإعلام السوري؟
تناولت مقالة الدكتور سكر عدة موضوعات عن زيادة الإنتاج، ورفع الأجور، واحتواء التضخم، وتخفيف معاناة المواطنين، وتوجيه الإستثمار نحو الاقتصاد الإنتاجي..الخ، وهي المواد اليومية لكتاب الزوايا والمقالات والدراسات والتحقيقات في الإعلام السوري سواء كانوا صحفيين أم من المحللين والمنظرين والباحثين، فأين الجديد؟
لقد بدأ الدكتور سكر بمقدمة عن النتائج التي أدت إليها اثنتا عشرة سنة من الحرب الداخلية والعقوبات الاقتصادية كتدني الوضع الاقتصادي والمعيشي في كل أنحاء البلاد، وزيادة البطالة والفقر، وندرة السلع الأساسية والمشتقات النفطية وارتفاع أسعارها، وتزايد الفروقات بين الطبقات، فضلاً عن زيادة الفساد والتهريب بالاتجاهين.. بربكم أليس هذا مجرد إجترار لما نقرأه يوميا في الإعلام السوري؟
يقول سكر (أن الحكومات المتعاقبة عجزت خلال الأزمة عن مواجهة تبعاتها المتعددة وعن إعداد إستراتيجية متكاملة للتعامل معها، نظراً لعمق الأزمة وتشعبها من جهة، ولضعف الإدارة والمعرفة ولتدخل المصالح في سياساتها من جهة أخرى)..السؤال:متى قصّر الإعلام السوري بالحديث عن فشل وليس عجز الحكومات فقط بمواجهة ومعالجة آثار الأزمة؟
ويظن الدكتور سكر أنه كشف جديدا بقوله (أن واحدة من الحكومات السابقة قد أعدت في الفترة ما بين 2017 و2020 خطة تعاف اقتصادي وإعادة إعمار وإصلاح، أصدرتها بقانون تم نشره في الجريدة الرسمية بتاريخ 8/3/2020، ولكن الخطة تم إخفاؤها في الأدراج منذ ذلك الحين) ونسأله: هل من حكومة على مدى العقود الأربعة لم تنجز مشروعا للإصلاح الإداري والإقتصادي ووضعته سريعا في الأدراج؟
نعم، أنجزت الحكومة الحالية مشروعا للإصلاح وأعلنت أكثر من مرة أنها ملزمة بتنفيذه، لكنه انضم إلى زملائه في الأدراج؟
وللتذكير فإن وزير الصناعة الأسبق أنطون جبران كان أول من أنجز دراسة في مطلع تسعينات القرن الماضي تتضمن برنامجا زمنيا لإصلاح القطاع العام كان من أبرز عناوينها فصل الإستقلال المالي والإداري للقطاع العام ومحاسبة شركاته وإداراته على النتائج، فطار مع أول تعديل وزاري لحكومة المهندس محمود الزعبي!
مامن حكومة إلا وأنجزت مشروعا للإصلاح ، وما من حكومة نفذت أي مشروع فقد كانت تضعه فور إنجازه في الأدراج!
والمسألة لاتقتصر على قانون بعينه كان مصيره الأدراج، فهناك قوانين نافذة ورقيا ولاغية واقعيا باستبدالها بقرارات وتعاميم وبلاغات..الخ، وبالتالي لاجديد فيما أوحى به الدكتور سكر أنه اكتشاف غير مسبوق!
ويعيب الدكتو سكر على الحكومة أنها لم (تشكل خلية أزمة ولم تعد خريطة طريق لمعالجتها بشكل موضوعي وبمشاركة القطاع الخاص والمصارف والجهاز الإداري للدولة، متبعة بدلاً من ذلك سياسات مالية ونقدية وتجارية تقليدية غير واضحة الأولويات، وكأننا لسنا في أزمة) .. ماهذه الإستنتاجات، نجزم أن الدكتور سكر لايقرأ مقالات أساتذة الاقتصاد ولا مقالات الصحفيين اليومية في الإعلام السوري، وإلا لما كررها، أو لذكر مصادر من تناولها على الأقل قبل أن يتحفنا باقتراحاته “الجريئة”!!
حسنا، ماعناوين إستراتيجية الدكتور سكر التي تهدف إلى (تحريك الاقتصاد في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة وإلى التخفيف من الآثار الاقتصادية والاجتماعية للأزمة على المدى القصير)؟
يقول سكر (أن الإستراتيجية المقترحة تركز على أربعة مرتكزات رئيسية، أولها زيادة الإنتاج على حساب الاستيراد، وثانيها رفع الدخول والأجور بدلاً من تجميدها، وثالثها احتواء التضخم كأولوية تسبق أولوية تثبيت سعر الصرف، ورابعها تخفيف المعاناة على المواطنين)!
ممتاز، على الرغم أننا أمام اجترار لما يُنشر يوميا في الإعلام، فإننا نستغرب من مستشار دولي أن يتحدث عن تجميد الدخول والأجور في سورية، ويقترح رفعها، فالواقع يؤكد أن الحكومات المتعاقبة قامت بتخفيض الأجور، وقد طالبنا مرارا لابزيادتها وإنما بعدم تخفيضها عن القيمة الشرائية التي كانت عليه لافي عام 1986 وإنما في عام 2010!
ونتمنى أن يعود الدكتور سكر إلى أرشيف الإعلام السوري خلال العام الحالي فقط، وليس إلى أعوام عدة ماضية ليكتشف أن الصحفيين والإقتصاديين والخبراء يعزفون على أسطوانة زيادة الإنتاج وتصنيع بدائل المستوردات يوميا، وبالتالي لم يكشف لناعن أي مقترح جديد أو “جريئ”!!
اما الحديث عن احتواء التضخم كأولية تسبق سعر الصرف، فهل لدى الدكتور وصفة إقتصادية غير وصفة البنك الدولي الذي أوصلت دول مثل مصر إلى قعر الهاوية؟
مامن جهة اكثر من الإعلام تقدّم الحلول للتخفيف من معاناة المواطنين اليومية.. فأين هي حلولك “الجريئة” ؟
هل كنا ننتظر فعلا استراتيجية الدكتور سكر لتجلي الغمامة أمام أعيننا كي نكتشف معها ولأول مرة أن (زيادة الإنتاج تزيد من العرض في السوق، ورفع الدخول والأجور يعزز الطلب على الإنتاج،واحتواء التضخم يخفف من المعاناة من جهة، وسيؤدي إلى تحييد أثر رفع الدخول والأجور على القوة الشرائية للمواطن من جهة أخرى)؟!
لاحظوا أن الدكتور سكر يفترض أن الحكومة، أي حكومة، قادرة خلال أمد زمني قصير أن تزيد الإنتاج وترفع الأجور، وتحتوي التضخم، لو كان الأمر بهذه السهولة لماذا لاتفعلها الدول التي تتعرض لأزمات دون أن تتعرض للحروب، مثل مصر وتركيا والأردن، ولبنان..الخ!!
وبما أن المرتكز الرابع في استراتيجية الدكتور سكر، يركز على (تخفيف المعاناة، لمواجهة تزايد الفقر والتدهور الصحي للمواطن والسعي لتعزيز التصالح الاجتماعي، ولمنع الزيادة الإنتاجية من أن تتحول إلى ظهور الاحتكارات) فإننا لم نقرأ أي مقترح فعال لترجمة هذا المرتكز من النظري إلى العملي.
فيما يتعلق بزيادة الإنتاج، يرى الدكتور سكر ضرورة (إعطاء الأولوية لقطاعي الصناعة والزراعة على حساب قطاعي التجارة والسياحة)، على حد علمنا لم يُقصّر صحفي أو أستاذ وخبيرفي الاقتصاد بكتابة المعلقات حول هذا المرتكز .. فأين الجديد في استراتيجية الدكتور سكر؟
حتى الحكومات المتعاقبة ركزت في اجتماعاتها وتصريحاتها على زيادة الإنتاج وإحلال بدائل المستوردات لتحقيق الأمن الغذائي، والإعلام السوري يتحدث يوميا عن تقصير الحكومة بتحقيق هذا الهدف، وبالتالي ماجاء في استراتيجية سكر ليس جديدا وإنما إجترارا!
وبدلا من الدعوة للإستفادة من (تجربة الدنمارك الناجحة في الثمانينيات من القرن الماضي) لماذا لانستفيد من تجربة سورية في ثمانينات القرن الماضي التي حققت الإكتفاء الذاتي من السلع الأساسية مثلا استنادا إلى تطبيق نهج الإعتماد على الذات؟
كذلك الأمر فيما يتعلق بمقترحات الدكتور سكر حول سياسات تحفيز الإنتاج وقانون التشاركية (أي الخصخصة)، والتوجيه الصحيح للتمويل للقطاعات الإنتاجية ، واحتواء التضخم، والتوقف عن رفع الدعم الاستهلاكي في الوقت الحاضر، وتحسين الأداء التدخلي للشركة السورية للتجارة العائدة للقطاع العام، وضبط حدود البلاد الشرعية وغير الشرعية لمنع التهريب بالاتجاهين (هل من دولة قادرة على منع التهريب) وتقليص عجز الموازنة ما أمكن، والاعتماد الأكبر على سندات الخزينة في تمويل عجز الموازنة.
كلها اجترار لما ينشره الإعلام السوري يوميا!
مايثير الإستغراب إن، لم يكن السخرية، أن يطالب الدكتور سكر المواطن تفضيل المنتج المحلي على المستورد، مايؤكد انه بعيد جدا عن الحياة اليومية لملايين السوريين، ليس لأنه لايتجول في الأسواق أو أنه لايشاهد سوى المجتمع المخملي أي الأثرياء جدا، بل لأنه يكشف لنا أنه لايقرأ شيئا مما ينشر يوميا، وإلا هل كان سيدعو المواطن الذي بالكاد يقوى على شراء الفلافل أن لايشتري سلعا أجنبية؟
ويعتقد الدكتور سكر أن وصفته ستؤدي إلى تحريك الاقتصاد وزيادة العمالة كما إلى زيادة موارد الدولة من الضرائب والرسوم وتقليص الاستيراد وزيادة القطع الأجنبي في السوق.. لكن لم يجب عن السؤال: ما آليات تنفيذ هذه الإستراتيجية أو الوصفة؟
نحن أمام عناوين لمواد صحفية ودراسات تنشر يوميا في الصحف السورية إلا إذا كان الدكتور سكر قدم الإستراتيجية ببرامجها المادية والزمنية للحكومة ..فهل هذا مافعله؟
أما زبدة الإستراتيجية والتي تكشف أن عقلية الدكتور سكر لاتزال مستوطنة في البنك الدولي فهي قوله (ولمواجهة معوق القطاع العام الصناعي، نعتقد أنه يجب البدء بالتفكير جدياً بخصخصة هذا القطاع في المدى المتوسط لعدة أسباب، أولاً حتى نستطيع استخراج قيمة مضافة من الاستثمارات الكبيرة التي تم ضخها فيه منذ أوائل الستينيات، وثانياً، لوقف استنزافه للمال العام، وثالثاً، لأن كلفة إصلاحه من آلات ومعدات والتعويض عما تم تدميره من آلات ومعدات خلال الحرب والزلزال، أصبحت دون قدرات الدولة المالية).
طبعا لن يملّ الدكتور سكر من الدعوة للخصخصة، وهو الأدرى ان قانون التشاركية هو النسخة المحدّثة للخصخصة لذا يطالب بتعديله قبل تفعيله، لكننا نتحداه أن يجيب على سؤالنا: ماذا جلبت الخصخصة للبلدان النامية سوى الكوارث والتبعية للغرب مثلما يحدث الأن في مصر و لبنان؟
(سيرياهوم نيوز3-خاص)