آخر الأخبار
الرئيسية » كتاب وآراء » تقارب سعودي إيراني وانفتاح اردني اماراتي على سورية.. لماذا عاد التوتر بعد التفاؤل؟

تقارب سعودي إيراني وانفتاح اردني اماراتي على سورية.. لماذا عاد التوتر بعد التفاؤل؟

د. عبد الحميد فجر سلوم

1ــ

ما إن تسرّبتْ أنباء المحادثات السعودية ــ الإيرانية في بغداد في أوائل نيسان 2021 حتى ساد نوعٌ من التفاؤل بالمنطقة بِقُربِ تخفيف التصعيد والتوتر وانعكاس ذلك على الحالة في اليمن والعراق وسورية ولبنان..

فالتنافس السعودي ــ الإيراني يؤثِّرُ سلبا، أو إيجابا على كافة هذه الدول المُلتهبة..

وكان واضحٌ خلال هذه الفترة الابتعاد عن التصريحات الاستفزازية واستبدالها بالتصريحات المتفائلة، لاسيما بعد التوتر الشديد الذي حصل في عام 2016 بين البلدين، وأدى إلى قطع العلاقات الدبلوماسية، إثر إعدام رجُل دين شيعي في السعودية، اتُّهِم بالارتباط بإيران..

فجاءَ تصريح وزير خارجية السعودية، فيصل بن فرحان في أيار 2021، بعد شهرٍ على بدأ المحادثات، لوكالة الأنباء الفرنسية وقال فيه، “أنه يأمل أن يرى الإيرانيون أن من مصلحتهم العمل مع جيرانهم بطريقة تؤدي إلى الأمن والاستقرار والازدهار في المنطقة”..

وطبعا هذا بالنسبة للسعودية يكون بِوقفِ تدخُّل إيران بكل شؤون المنطقة، إن بشكلٍ مُباشرٍ أو عبر الوكلاء..

وجاء بنفس التوقيت تصريح وزير خارجية إيران حينها، جواد ظريف، ومن قلب دمشق، حيث كان بزيارةٍ، وقال فيه، نحنُ مُستعِدُّون، وكُنا دائما على استعداد لإقامة علاقات وثيقة مع السعودية، وإخواننا السوريون يرحبون دائما بالتعاون مع العالم العربي، ونحنُ أيضا كذلك..

وحتى الأمس القريب، في 15/ 10/ 2021 ، نقلت صحيفة فايننشال تايمز عن وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان قولهُ أنّ محادثات بلاده مع إيران كانت ودّية، وأن بلاده جادّة بشأن المحادثات..

وأكّد في 14 /11/ 2021  لقناة ” فرانس 24″ أن المحادثات مع إيران ستستمر، ومن المتوقّع إجراء جولة خامسة قريبا..

وبالمقابل، وبذات الفترة، قال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، أنّ إيران والسعودية تبادلتا الرسائل على مستويات مناسِبة بعد تشكيل حكومة الرئيس إبراهيم رئيسي، وأن المفاوضات بين البلدين لم تتوقف، وقد جرَتْ مباحثات جيدة حول القضايا الثنائية خلال الأشهر الماضية، وبإمكان البلدين بناء علاقات متينة وجيدة..

وبذات التوقيت، في 24 أيلول، أشاد وزير خارجية إيران الجديد حسين أمير عبد اللهيان (وهو المعروف بِتشدُّدهِ وقُربهِ من الحرس الثوري) بالمحادثات المُباشَرة التي انطلقت بين بلادهِ والسعودية.. وأكد أن علاقات طهران مع دول المنطقة ستكون لها الأولوية..

2ــ

فضلا عن ذلك كانت مبادرة ملك الأردن، عبد الله، للتقارب مع سورية، وحديث الرئيس بشار الأسد معه هاتفيا..

ثُمّ جاءت زيارة وزير خارجية الإمارات الشيخ عبد الله إلى دمشق في 9 / 11 / 2021 ..

 وجاءت زيارة مُستشار الأمن القومي الإماراتي إلى طهران في السادس من كانون أول 2021..

كل ذلك أشاعَ أجواء من التفاؤل عن بدأِ قُرب الانفراجات بالمنطقة، وقُربِ عودة دمشق للجامعة العربية.. وعزّزّ من هذا الشعور، التراخي الأمريكي إزاء العقوبات ضد سورية.. والتعامُل مع دمشق..

ولكن لم يمضي بضعة أشهر، على مشاعر التفاؤل، حتى شاهدنا كيف أنّ كل شيءٍ بدا ينقَلِبُ، وتعود الأوضاع إلى المُربّع الأول..

فكانت القنبلة السعودية من قلب الجمعية العامة للأمم المتحدة، في 17/ 12 /2021 حيثُ شنَّ السفير السعودي لدى الأمم المتحدة، هجوما حادّا على دمشق، غير مسبوق حتى في عزِّ الصِدامات، بينهُ وبين سفير سورية..

وجاءت مُهاجَمة وزير خارجية إيران حسين أمير عبد اللهيان في 20 / 12/ 2021  للسعودية وحربها في اليمن، واتهامها بالتقصير في منحِ الإذن لإرسال طائرة من إيران لنقل السفير الإيراني لدى الحوثيين للعلاج في طهران، مِما أدّى لصعوبة إنقاذهِ ووفاتهِ..

فجاء الرد السعودي على لسان الناطق باسم التحالُف، وفنَّد أقوال اللهيان، وهاجمَ دعم طهران للحوثيين..

وكانت المناورات العسكرية الإيرانية في 21 / 12 / 2021 بالقرب من محطة بوشهر النووية، وأطلق خلالها الحرس الثوري عدة صواريخ من البرِّ والبحر..

 فصدَرت باليوم التالي الأوامر الملَكية في الرياض بإعلان التعبئة العامّة في الجيش السعودي..

وكلُّ ذلك ترافقَ مع تغيير النبرة الأمريكية سَلبا إزاء دمشق وجنوح الكونغرس لِمُناقَشةِ قوانين جديدة ضدها..

ما نستنتِجهُ، أننا قادمون على مرحلةٍ جديدة من التوتر والتصعيد، لا نعرفُ ما هو مداها وما هو سقفها وكيف ستنتهي..

3ــ

فحينما تهاجم السعودية دمشق فكأنها تهاجم طهران.. وحينما يزداد التوتر مع طهران ينعكس على دمشق، بسبب التحالف والعلاقات الإستراتيجية بين دمشق وطهران والتي لا يألو الطرفان بالتأكيد عليها في كافة المناسبات واللقاءات..

تصريحات السفير السعودي لدى الأمم المتحدة، ليست عابرة أو هامشية، فهو لا يصنع سياسة بلاده، وإنما هو، كما كل سفير بالعالم، يُنفِّذ سياسات وتوجيهات حكومتهِ.. وما نطقَ به في نيويورك هو توجيهٌ من العاصمة الرياض.. ودمشق تُدرِك ذلك جيدا، ولكنها لم ترغب في التصعيد بالردِّ عليه، حتى ولو على لسان السفير السوري في نيويورك، كما كانت العادة دوما.. بل بعض المُحلِّلين السوريين خرجوا على بعض الشاشات وتحدّثوا بِلُغةِ تودُّد إزاء السعودية.. فأوضاع سورية لا تسمح لها بالتصعيد..

4ــ

ماذا يعني كل ذلك؟. ولماذا بهذا التوقيت؟.

وهل توجيهات الرياض من رأسها، أم مبنية على توجيهات أخرى.. وعلى خُطَط أمريكية وإسرائيلية، يتمُّ أحيانا الحديث علنا عنها، وهي جاهزية إسرائيل لقصف المنشآت النووية الإيرانية في أي وقت، أو التهديدات الأمريكية والبريطانية، بأن المفاوضات النووية لن تكُون مفتوحة، ويجب أن تنتهي بزمنٍ مُحدّد، وإلّا كل الخيارات مطروحة.. وأنّ الخُطط موضوعة سلفا للخيار العسكري، في حال فشل الخيار الدبلوماسي..

ويبدو أن الجانب الأمريكي وحلفائهِ باتوا يُدركون أنه لا فُرصَة لنجاح هذه المفاوضات، إلا إذا حصلَ خرقٌ كبير واستجابت طهران للمطالب الغربية.. فهل سيحصل ذلك؟. لا أحدا يدري.. ولكن ظروف إيران لا تسمح لها بالمُضي بعيدا في التحدِّي، والعقوبات أنهكتها.. ويسعون بشتّى السُبُل لإقناع أمريكا بِرفعها..

5ــ

حتى اليوم، الاستعصاء هو العنوان الأبرز لكافة مشاكل المنطقة المترابِطة والمُتشابِكة.. استعصاء للحل في اليمن، في سورية، في لبنان، في فلسطين، في الملف النووي الإيراني، في العلاقات الخليجية الإيرانية.. الخ.. فهل سيؤدي ذلك إلى انفجارٍ من نوعٍ ما ويضعُ حدَّا لكل ذاك الاستعصاء، على طريقة المثَل الشعبي: إذا ما كبْرِتْ ما بتصغَرْ..

مصيبةُ المنطقة العربية أنّ كل الخارج يلعب فوق ساحاتها وهو صاحب القرار، وحكوماتها تابعة، وتستجدي الحماية والدّعم من هذا الخارِج.. وشعوبها مُهمّشة لا حولا لها ولا قوة..

6ــ

ولكن بمعزلٍ عن كل ذلك، فالسعودية تعتقد أنهُ لديها (كدولة بحدِّ ذاتها) سببان رئيسان للتصعيد ضد دمشق، وهُما يأسُ السعودية من إقناع إيران بتغيير موقفها في اليمن، ومن دعمِ الحوثيين، ووقفِ الهجوم بالطائرات المُسيَّرة على الأراضي السعودية وكان آخرها في 25/ 12 /2021 على جازان، ويأسِها من إبعاد دمشق عن طهران..

فالرياض تعتبر نفسها مُحاطَة بِهلال إيراني (تحدّث عنه كثيرون بالماضي) طرفٌ منهً في صنعاء، وطرفٌ آخرٌ في بيروت، وظهرُ هذا الهلال هو دمشق..

بُذِلت مساعٍ كثيرة لإبعاد دمشق عن طهران، وتبيّن اليوم أنّ كافة تلك التحركات الخليجية، وغيرها، باتجاه دمشق، لم تكُن إلا لهذا الهدف.. وأن زيارة وزير خارجية الإمارات لدمشق، يصبُّ جزءاً منها في هذا الاتجاه، ولكن يبدو سمِع الجميع الجواب الحاسم: العلاقات مع إيران إستراتيجية، ومسألة سيادية، كما علاقات الإمارات مع إسرائيل، وعلاقات السعودية مع أمريكا..

وهكذا فزيارة وزير خارجية الإمارات الشيخ عبد الله لدمشق لم تكن للاطمئنان عن دمشق وإنما لِسبرِ الأغوار، واستكشاف إن كان يُمكِن إبعاد دمشق عن طهران، وتقريبها من معسكرهم القريب من إسرائيل.. بدليل أن الإمارات لم ترفع مستوى العلاقات الدبلوماسية مع دمشق، لا قبل الزيارة، ولا بعدها، وأبقتها على مستوى منخفض، مستوى قائم بالأعمال وليس سفير.. ولذلك كانت هناك مُبالَغة في الضجّة التي رافقت زيارة الوزير الإماراتي..

وتجدرُ الإشارة أنه قبل زيارة الشيخ عبد الله لدمشق بِشهرٍ، كان قد التقى في واشنطن مع وزيري خارجية إسرائيل وأمريكا (يائير لابيد وأنتوني بلينكن)  في 13 /  10 /2021 .. ولا بُدّ أنه حصل حينها على الضوء الأخضر لهذه الزيارة..

وفي المؤتمر الصحفي بعد ذاك اللقاء أكّد قائلا: “لن نقبل بوجود حزب الله جديد على حدود المملكة العربية السعودية الشقيقة.. ولا نريد أيضا أن يكون هناك جنوب لبنان جديد في اليمن”..

إذا مواقف أبو ظبي هي ذات مواقف الرياض، والحديث عن خلافات إماراتية سعودية، هو مُبالَغة.. فقد تكونُ هناك وجهات نظر في بعض المسائل وتوزيع أدوارٍ، ولكن عموما متّفقين على القضايا الرئيسية..

7ــ

شعوب المنطقة تحتاج بقوة للانفراجات، لاسيما في اليمن والعراق وسورية ولبنان وفلسطين، وحتى في إيران والسعودية..

فدول المنطقة جميعها مأزومة، وشعوبها تعاني الأمُرّين من تدهور الأوضاع المعيشية (إذا ما استثنينا شعوب دول الخليج العربي) فحتى في إيران، وليس فقط في سورية أو لبنان أو اليمن، هناك آلاف الأطفال يبحثون في حاويات القُمامة، بِحسبِ تقريرٍ لصحيفة “همشهري” ، الأمر الذي دفع بمدير دائرة النفايات في طهران للإعلان في 21 /9 /2021 عن تركيب أقفال لصناديق النفايات حتى لا يتمكن الأولاد من فتحِها..

فلا السعودية في وضعٍ تُحسَدُ عليه، والحرب في اليمن مُكلِفة جدا، وحسابات الحقل فيها لم تنطبق على حسابات البيدر، ولكنها بذات الوقت تجادل أنه لم يكُن لها سبيلا آخرا، إذ تعتقد أن الخطر الإيراني يُحيط بها كما الهلال، من اليمن إلى العراق، وامتدادا إلى سورية ولبنان.. ويُقلِّص من نفوذها التاريخي في المنطقة..

ولا إيران في حالةٍ تُحسَدُ عليها، فالحروب الخارجية كلّفتها عشرات المليارات التي يحتاجها شعب إيران للتنمية والتطوير وتحسين الأحوال المعيشية والخدَمية والبُنية التحتية، ودون تحقيق أهدافها في إزالةِ إسرائيل أو تحرير القدس، وطرد أمريكا وقواعدها من المنطقة..

فضلا عن التوتر مع الجيران بكل الاتجاهات.. مع أذربيجان في الشمال.. ومع حركة الطالبان من الشرق.. ومع دول الخليج العربي من الغرب..

أمام كافة هذه الأجواء فكُلّا من السعودية وإيران تحتاجان للجلوس والتباحُث والتوصل إلى تفاهمات مُشترَكة، واتفاقات، تضعُ حدّا لهذه المُنافسات والصدامات والحروب..

8ــ

ساسةُ دول الخليج العربي، مُحنّكين وليسوا سهلِين، ولا يُؤخَذون بالمديح والمجاملات والعناق، كما يعتقدُ كثيرون.. دوما ينتظرون الأفعال وليس الأقوال.. ويصِفون تصريحات إيران عن التقارُب معهم بالجميلة، ولكن يقولون نريدُ أفعالا وليس كلاما فقط..

أمام هذا الواقع المأزوم والمستعصي، يبدو كان القرار السعودي بتفجير تلك القُنبلة من داخل الجمعية العامة للأمم المتحدة على لسان سفيرها، وكأنها أرادت القول سنبدأ بِكسرِ الهلال الإيراني من ظهرهِ، وظهرهِ هو دمشق.. ولا نقبل في السعودية موقفا وسطا لِدمشق، فإما في الصف العربي، وإما في صفِّ طهران.. ولكن هل ستستطِع، وعلى ماذا تُراهِن في هذا الشأن؟.

ما ينتظرُ هذه الشعوب، هو مزيد من المآسي.. وكان الله بالعون..

سيرياهوم نيوز 6 – رأي اليوم

x

‎قد يُعجبك أيضاً

حرب النقاط…

  باسل علي الخطيب نعم، هذه الحرب لا تربح بالضربة القاضية، هذه حرب النقاط… على فكرة هذه هي المدرسة السورية في إدارة الصراع مع الكيان ...