كشف تقييم أولي لوكالة استخبارات الدفاع الأميركية (DIA) عن أن الضربات الجوية التي شنّتها القوات الأميركية على 3 منشآت نووية إيرانية نهاية الأسبوع الماضي لم تؤدِ إلى تدمير المكوّنات الأساسية لبرنامج إيران النووي، بل أدّت فقط إلى تأخيره لبضعة أشهر.
وذكر التقييم، الذي استند إلى تحليل أجرته القيادة المركزية الأميركية (CENTCOM) لتقدير أضرار المعركة، أن “منشآت التخصيب لم تُدمّر بالكامل، وأن أجهزة الطرد المركزي لا تزال بمعظمها سليمة، فيما لم يُمسّ مخزون إيران من اليورانيوم المخصّب”.
ورغم أن التحليل لا يزال جارياً وقد يخضع لمراجعات مع توافر معلومات إضافية، فإن النتائج الأولية تتناقض مع التصريحات الرسمية التي أطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والتي أكّد فيها أن الضربات “دمّرت تماماً” منشآت التخصيب الإيرانية.

وقال وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث إن “الطموحات النووية الإيرانية قد تم القضاء عليها”.
في السياق، أكدت مصادر مطّلعة على التقييم أن “التأثير الفعلي للضربات كان محدوداً”.
ورداً على هذه المعطيات، أقرّ البيت الأبيض بوجود التقييم الاستخباراتي لكنّه عبّر عن رفضه لنتائجه، وقال: “التقييم المزعوم خاطئ تماماً”.
إسرائيل وإيران تتبادلان التلويح بحق الرد على أي خرق لوقف النار… “النهار” في تغطية مستمرّة
“مطرقة منتصف الليل”
وجاء في تقرير لصحيفة “معاريف”، أنّه “في أعقاب الهجوم الأميركي الكبير الذي استهدف منشآت نطنز وأصفهان وفوردو النووية الإيرانية نهاية الأسبوع الماضي، سارعت الإدارة الأميركية إلى الإعلان عن تدمير قدرات إيران على إنتاج القنبلة النووية، كما وصفها ترامب. العملية التي حملت اسم مطرقة منتصف الليل شاركت فيها سبع قاذفات شبحية من طراز B-2، وأسقطت 14 قنبلة خارقة للتحصينات، بوزن 13 طناً لكل قنبلة، منها اثنتان على منشأة نطنز.
لكن خلف هذه العناوين الصاخبة، تبرز معطيات أخرى تُعيد رسم خريطة المواجهة. ففي الوقت الذي ركّزت فيه الضربات الأميركية على المنشآت النووية المعروفة، يتداول خبراء ومحللون معلومات حول منشأة نووية سرّية تبنيها إيران جنوب نطنز داخل جبل يُعرف باسم “جبل الفأس”.
منشأة “جبل الفأس”
وفقاً لمزاعم نُشرت على مواقع التواصل الاجتماعي وتحليلات استخباراتية، فإن المنشأة الجديدة أكثر تحصيناً من فوردو، وتُعدّ محمية من القنابل التقليدية، إذ تضم أربعة مداخل أنفاق مقارنة بمدخلين فقط في فوردو، وهي مبنية بالكامل داخل جبل صخري يجعل استهدافها أكثر تعقيداً.
صور أقمار صناعية التُقطت في 21 حزيران/يونيو 2025 أظهرت استعدادات واضحة في محيط منشأة فوردو، منها ردم المداخل بالتراب عبر شاحنات وجرافات، في خطوة فسّرها محللو الاستخبارات على أنها تهدف لحماية الأجزاء الحساسة من المنشأة. وتشير التقديرات إلى أن إيران نجحت في نقل جزء من اليورانيوم المخصب إلى موقع غير معلوم، يُرجح أن يكون داخل المنشأة الجبلية الجديدة.
“القنبلة الموقوتة”
في هذا السياق، رأى الخبير في “نظرية الألعاب” والمحاضر في الاقتصاد في الكلية الأكاديمية رامات جان كفير تشوفا أن ما تمارسه إيران يُشبه ما يُعرف في النظرية بـ”استراتيجية القنبلة الموقوتة” – أي التهديد بعمل مدمر قد يصيب الخصم وصاحب التهديد معاً. وبحسب تشوفا، الهدف ليس التنفيذ الفعلي للتهديد، بل ترسيخ صورة الردع وخلق توازن رعب يُجبر الخصم على التراجع.
لقد اعتمدت إيران طويلاً على هذا النهج: التهديد بتسليح أذرعها الإقليمية مثل حزب الله والحوثيين، أو بإغلاق مضيق هرمز الحيوي لتدفق النفط العالمي، أو بضرب منشآت النفط في السعودية والإمارات. هذه الاستراتيجية منحتها نفوذاً إقليمياً ودفعت خصومها إلى إعادة حساباتهم مرات عدة.
غير أن هذه الورقة الاستراتيجية تتعرّض اليوم للاهتزاز.
تراجع في القدرة والمصداقية
رغم التهديدات العلنية عقب الضربات الأميركية، لم تُقدم إيران على أي رد فعلي غير متناسب: لم تُغلق المضائق، لم تُهاجم منشآت نفطية، ولم تُطلق سراح حلفائها للرد. وهذا الصمت العملي، رغم التصعيد، يُطرح كسؤال استراتيجي عميق: هل فقدت إيران قدرة الرد؟ أم أنها تخشى العواقب؟
أشار تشوفا إلى أن أي تصعيد من جانب طهران قد يفتح الباب أمام رد عسكري دولي ساحق، بمشاركة أميركية وبريطانية وخليجية، يستهدف بنى تحتية حيوية في إيران، من موانئ إلى شبكات نقل إلى المنشآت النفطية نفسها. وهو ما قد يُدخل الاقتصاد الإيراني في حالة شلل كامل.
كما أن هذا التصعيد من شأنه أن يُغضب قوى مثل الصين والهند، اللتين تعتمدان على استقرار تدفقات النفط من الخليج، ما قد يؤدي إلى عزلة إضافية لطهران دولياً.
بين المطرقة والسقوط في الفخ
إيران، إذن، عالقة بين خيارين أحلاهما مُر: تنفيذ التهديدات، والمخاطرة بردّ قاسٍ يدمر اقتصادها، أو التراجع والاكتفاء بالتصريحات، فتفقد هيبتها ومصداقيتها في منطقة يُعدّ الردع فيها عنصراً أساسياً من عناصر البقاء.
من هنا، لفت تشوفا إلى أن استراتيجية “القنبلة الموقوتة” التي شكّلت ركيزة خطاب الردع الإيراني، تحوّلت اليوم إلى فخ استراتيجي: لا يمكن لإيران أن تنفجر دون أن تُدمّر نفسها، ولا يمكنها أن تتراجع دون أن تُهزم سياسياً.
ووسط هذا المأزق، تبقى منشأة “جبل الفأس” – التي لم يجرؤ أحد على ضربها حتى الآن – رمزاً لمعادلة جديدة: إيران تختبئ في عمق الأرض، وتنتظر أن يختار العالم أي خيط تفجير سيلتقط أولاً.