محمد نور الدين
شهدت مدينة إزمير الواقعة على الساحل الغربي لتركيا، قبل أيام، حادثة بالغة الدلالة؛ إذ رست حاملة الطائرات الأميركية «يو إس إس واسب» في ميناء المدينة، ونزل من على متنها جنود، وبدؤوا التجول في شارع شهداء قبرص في سوق قوناق، الإثنين الماضي. ووقتها، لاحظتهم مجموعة من «اتحاد الشباب التركي»، فبادر أفرادها إلى جلب كيس (شوال) طحين وإدخال رأس أحدهم فيه، وسط هتافات: «يانكيز، اذهبوا إلى دياركم!». وعلى إثر ذلك، هرعت الشرطة إلى التدخّل، فأفرجت عن الجندي الأميركي، واعتقلت 15 من الشبان وساقتهم إلى المخفر، فيما أفادت سلطات محافظة إزمير بأن «جنديَّين أميركيَّين يرتديان ملابس مدنية، تعرّضا لاعتداء جسدي من قِبَل مجموعة من 15 عضواً في اتحاد الشباب التركي». وفي الوقت نفسه، هرعت القوى الأمنية لحماية خمسة جنود آخرين، كانوا على مسافة بعيدة نسبياً من موقع الحادثة. ولاحقاً، أُطلق سراح خمسة من الشبان، فيما أبقت السلطات على 10 قيد الاعتقال بغرض التحقيق.ومن جهته، أعلن «اتحاد الشباب التركي» (تي جي بي) مسؤوليته عن الهجوم، وذلك في مقطع فيديو نشره عبر حسابه في منصة «إكس». وقالت المجموعة القومية: «لقد وضعنا كيساً على رؤوس الجنود الأميركيين من طاقم السفينة يو إس إس واسب (…) الجنود الأميركيون الملطخة أيديهم بدماء جنودنا وآلاف الفلسطينيين لا يمكنهم أن يدنّسوا بلادنا»، فيما أكد الناطق باسم «اتحاد الشباب التركي»، الذي شاركه العملية طلبة من «الشباب الطليعي» التابع لـ«حزب وطن»، إرول أصلان، أنهم «سيواصلون حركة الأكياس في كل مكان نرى فيه جنوداً أميركيين»، لافتاً إلى أن «العمل جاء احتجاجاً على الدعم الأميركي لمجازر إسرئيل ضد الفلسطينيين، ودعم أميركا للأكراد في سوريا، والذين يقتلون الجنود الأتراك». وأضاف: «أنها رسالة إلى الجنود الأميركيين: لا يمكن لكم التجول بحرّية في بلدنا». ووصف رئيس «حزب وطن» الصغير، دوغو بيرنتشيك، بدوره، ما حصل بأنه «عمل مناهض للإمبريالية».
الحاملة التي رست في ميناء إزمير، انتهت للتوّ من المشاركة في مناورات عسكرية بحرية مع تركيا بين الـ13 والـ17 من آب الماضي
في المقابل، قالت السفارة الأميركية في تركيا، بدورها، عبر منصة «إكس»: «بوسعنا أن نؤكد صحة التقارير التي تفيد بأن جنديَّين أميركيَّين من عداد طاقم السفينة يو إس إس واسب تعرّضا لهجوم في إزمير وهما الآن آمنان. نشكر السلطات التركية على استجابتها السريعة، والتحقيق جارٍ»، بينما أعلن الناطق باسم مجلس الأمن القومي الأميركي، شون سافيت، أن بلاده «تشعر بالقلق إزاء هذا الاعتداء»، وتثمّن قيام الشرطة التركية بـ«محاسبة مَن يقف وراءه»، وهو ما كرّره أيضاً كل من الناطقة باسم البيت الأبيض كارين جان-بيار، والناطق باسم «البنتاغون»، باتريك ريدر. والجدير ذكره أن الحاملة التي رست في ميناء إزمير، كانت انتهت للتوّ من المشاركة في مناورات عسكرية بحرية مع تركيا بين الـ13 والـ17 من آب الماضي، وهي أُرسلت أساساً إلى شرق المتوسط من أجل مواجهة أيّ هجوم إيراني محتمل على إسرائيل، على خلفية اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس»، إسماعيل هنية، في طهران، نهاية تموز الماضي. وعلى هذه الخلفية، سأل النائب عن «حزب الشعب الجمهوري»، بانكي باغجي أوغلو، عن السبب الذي يحول دون إعلان وزارة الدفاع التركية عن المناورة، لتردّ الأخيرة بالقول إن ما حصل لم يكن مناورة، بل «تدريبات»، علماً أن معهد «نافال» الأميركي أعلن، في الـ19 من آب، أي بعد انتهاء المناورات، حصولها، فيما لم تصدر وزارة الدفاع أو الحكومة في تركيا، إلى الآن، أيّ بيان في هذا الخصوص.
وعلى إثر الحادثة، تداعت إلى الذاكرة، فوراً، ما عرفت لاحقاً بـ«حادثة السليمانية» أو «حادثة الشوال» في الرابع من تموز 2003، عندما قام جنود أميركيون في مدينة السليمانية العراقية باعتقال جنود أتراك وإدخال أكياس في رؤوسهم. واحتجّت تركيا، آنذاك، بشدّة على الحادثة، ليطلَق الجنود الأتراك بعد أكثر من 60 ساعة من الواقعة، التي أثارت أيضاً غضباً شعبيا تركيّاً، باعتبارها إهانة للأتراك. كذلك، تذكّر الحادثة الجديدة بأخرى، شهيرة، حصلت في 17 تموز 1968، عندما رست قطع من الأسطول السادس الأميركي، من بينها حاملة طائرات، في ميناء دولما باهتشه في إسطنبول. وووجِهت الزيارة في حينه بحملة احتجاجات واسعة في تركيا، وخصوصاً أن 1968 كان عام الثورات الشبابية في كل أنحاء أوروبا. ومن بين المحتجين، ذهب مئة طالب من «اتحاد الطلبة» في جامعة إسطنبول التقنية إلى رصيف دولما باهتشه، حيث حصلت صدامات بينهم وبين الشرطة التي اقتحمت قواتها مساكن هؤلاء واعتقلت عدداً منهم، فيما اضطرّ أحد الطلاب إلى رمي نفسه من على الطابق الثاني، وتوفي بعد سبعة أيام نتيجة لذلك. وقام بعض الطلبة برشق الفندق الذي كان ينزل فيه جنود أميركيون، موجهين رسالة تحذير خطية إلى رئيس الجمهورية، جودت صوناي. وفي الـ18 من تموز، تجمّع الطلبة في ساحة تقسيم، وكان من بينهم القيادي الشاب في الحركة الثورية، دينيز غيزميش، ثم ساروا إلى دولما باهتشه، حيث أمسكوا ببعض الجنود الأميركيين الذين كانوا على الرصيف وألقوا بهم في البحر.
سيرياهوم نيوز١_الاخبار