الحرية حق مقدس لدى الشعوب، بشكلها الفردي والعام، فالأفراد يولدون أحراراً ومن حق الدول والشعوب أن تتمتع بحريتها أيضاً كمحصلة لحرية أفرادها، بعيداً عن سطوة الدول الاستعمارية وفق ما كرسته القوانين والمواثيق الدولية.
وما بين الحريات الفردية المطلقة من جهة وقسر الحريات العامة بأشكاله المختلفة وعلى رأسها الاستعمار من جهة ثانية، تظهر حالات من الحديّة والتطرف، مرة لجهة انفلات الحريات الفردية على حساب المجتمع والدولة، وأخرى لقسر حريات مجتمع وشعب بأكمله تحت سيطرة احتلال أو تحت سطوة حصار اقتصادي.
المفارقة أن من يدعون إلى إطلاق الحريات المنفلتة في العديد من الدول ومنها سورية على حساب الحريات العامة هي الدول نفسها التي تعمل لقسر حرية الشعب السوري وأفراده من خلال دعم الإرهاب واحتلال بعض المناطق السورية وفرض حصار اقتصادي جائر يحرم السوريين من أبسط حقوقهم في الحياة التي تتقدم على أي حريات أخرى.
والحريات التي تريد الدول الغربية تصديرها إلى مجتمعاتنا تحت يافطة حقوق الإنسان، هي الخروج عن قيم المجتمع وتقاليده، كالإباحية والمثلية والإدمان على المخدرات وغيرها من الظواهر الشاذة الغريبة التي تتناقض مع الطبيعة البشرية السوية التي خلقها الله سبحانه وتعالى.
يستطيع الإنسان أن يسير عارياً في الشارع إذا كان يعتبر ذلك جزءاً من ممارسة حريته الشخصية، لكن هذه الحرية تنتهك الحريات العامة للآخرين، فالناس بمعظمهم يرفضون هذا التصرف ويعتبرونه خادشاً للحياء العام الذي تجمع عليه غالبية المجتمعات ويمنعه القانون.. غير أن هذا التصرف الشاذ قد يكون مقبولاً في بعض المجتمعات الغربية وربما ينظمون له مهرجانات ويفتتحون له مطاعم وشواطئ.
لفتتني قصة تناولها الإعلام البريطاني مؤخراً عن امرأة بريطانية تدعى فريدي ماكونيل خضعت لعملية تحول جنسي في سن الـ 22 واستأصلت الثديين وتناولت جرعات من هرمونات التيستيرون الذكرية لتتحول إلى (رجل).. غير أن الرجل المتحول رغب بعد عامين بأن يحمل وينجب طفلاً، فتوقف عن تناول التيستيرون الذكري وبدأ تناول مخصبات لإنتاج بيضة في (رحمه).. وفي هذه الأثناء حصل على وثيقة تحديد الجنس بأنه أصبح في السجلات (ذكراً).
رغم ذلك واصل (الرجل) مساعيه للحمل.. وفي نهاية المطاف خضع لعملية تخصيب في (رحمه) من رجل متبرع وأصبح حاملاً لجنين وأنجب طفلاً.
إلى هنا لم يكن ما قام به الرجل المتحول مشكلة في نظر المجتمع البريطاني الليبرالي، فتصرفاته تقع ضمن الحريات الفردية.. لكن المشكلة ظهرت عندما أبلغه مسؤول تسجيل المواليد أن عليه أن يسجل في وثيقة الولادة أنه (أماً) للطفل باعتباره بيولوجياً المرأة التي حملت وأنجبت، في الوقت الذي أراد هذا (الرجل) أن يسجل المولود على اسمه كأب له وليس كأم!!.
في الواقع.. هو (أمّ) للطفل وفي الوثائق هو (ذكر).. إنه نموذج للاعتداء على إنسانية الإنسان التي كرمها الله سبحانه وتعالى، فالتحول هنا ليس لأسباب طبية.
الحديث عن التحول الجنسي يقود إلى ظاهرة المثلية الجنسية وزواج المثليين التي تنتشر في الدول الغربية وربما في غيرها كحالة شاذة، والخطير أن بعض المجتمعات والدول الغربية بدأت تشريع هذه الظاهرة التي لا تشكل الحالة الطبيعية للإنسان الذي خلقه الله (ذكراً وأنثى) واستصدار قوانين تبيح زواج المثليين تحت عنوان الحريات الفردية الشخصية بالرغم مما تشكله من خطر على بنية الأسرة وتفكك المجتمع وتفشي الأمراض كالإيدز وارتفاع معدلات الإدمان على المخدرات.
وتشير الاحصاءات الرسمية أن عدد المثليين في بريطانيا يبلغ نحو مليون شخص بزيادة سنوية تتجاوز 50 ألفاً فيما بلغت نسبة المثليين في الولايات المتحدة 4.5 % من عدد السكان عام 2017 أي ما يزيد عن 14 مليوناً و500 ألف شخص.
والأسوأ أن هذه المجتمعات والدول الغربية التي تتبنى الليبرالية الحديثة لم تكتف بإباحة زواج المثليين فحسب، بل قامت بسن القوانين التي تبيح للأفراد تعاطي المخدرات تحت عنوان الحريات الشخصية أيضاً دونما عقاب رغم المخاطر التي تنجم عنها سواء على صحة المدمنين أنفسهم أم على صحة المجتمع وأمنه ولا سيما مع ارتباطها الوثيق بزيادة معدلات الجريمة والوفاة والعنف الاجتماعي وتفكك الأسر.
فبحسب الإحصاءات الرسمية يبلغ عدد المدمنين على نوع من المخدرات في الولايات المتحدة نحو 50 مليوناً منهم نحو مليون يتعاطون الهيروئين و40 مليوناً يتعاطون الماريغوانا و5 ملايين مدمن على الكوكائين وغيره، وتفيد الإحصاءات أيضاً أن 210 أميركيين يموتون يومياً بسبب الإدمان على المخدرات.
يحق للدول الغربية أن تتبنى من السياسات الاجتماعية والاقتصادية ما تشاء، فهذا حقها، لكن وبحكم الحريات التي تدعي الدفاع عنها، هل يحق لها أن تحاول فرض مفاهيمها وسياساتها على المجتمعات الأخرى سواء عبر مخططاتها التدميرية تحت شعارات براقة أم عبر سطوة العولمة التقنية والاقتصادية؟.
بالمقابل السؤال الذي ينبغي على دولنا وشعوبنا أن تسأله لنفسها، كيف نواجه هذه المخاطر التي تتسلل إلينا عبر الحرب الناعمة المحمولة عبر تكنولوجيا الاتصالات الحديثة ومنصاتها الخبيثة، قبل أن يصيبنا المرض ويستفحل؟.
سيرياهوم نيوز 5 – سانا